ماذا تعلمت بلدان جنوب المتوسط من سقوط جدار برلين؟


يحتفل الشعب الألماني اليوم بالذكرى 30 لسقوط جدار برلين سنة 1989، الواقعة كانت مفصلية وذات صلة بموازين القوى العالمية، كما كانت درسا هاما للبشرية، لكن حسبنا يبدو، إذا كانت هناك بلدان لا تستفيد شيئا من دروس التاريخ، فهي بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

الدرس يقول إن محاولة فرض نظام شمولي يفصل بين أبناء الشعب الواحد، ويُحوّل مهمة الدولة من رعاية حقوق الناس وحماية حرياتهم إلى نظام صارم للرقابة البوليسية وإحصاء الأنفاس، إن ذلك كله مصيره إلى زوال، لأن إرادة الإنسان في التحرّر تفوق كل القيود مهما أثقلت كواهل الناس، كما أن رياح التغيير لا يمكن معاكستها إلا مرحليا.

لقد عرّض آلاف الألمان أنفسهم للخطر على مدى عقود، وقاوموا جدار العار مواجهين الرصاص والأسلاك الشائكة، والاعتقال والتنكيل، لكي تعود الحياة سيرتها الأولى: شعب واحد عملي وناهض بإرادة قوية، ويحتل اليوم الرتبة الأولى في الاتحاد الأوروبي.

في بلدان جنوب وشرق المتوسط، ما زال هناك من يسعى إلى بناء أنظمة شمولية، وحتى بعد حصول خراب كبير لا يفهم بأنه يسير في الاتجاه الخطأ. وما يبعث على اليأس أن القوى التي تقدم نفسها بوصفها قوى ثورية أو بديل للواقع القائم، تسعى إلى إقامة نظم أسوأ من أنظمة الاستبداد القائمة، ما يعني أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، والعطب ليس في الحكام فقط ، بل في الشعوب التي تعتقد بأنها لكي تتحرر من الاستبداد عليها أن تغادر عالمنا المعاصر، وأن تعادي العلم وحقوق الإنسان والفنون الجميلة، وروح الإبداع والتجديد، وأن تقيم استبدادا بديلا أسوأ وأكثر قسوة ولا إنسانية.

إن الدرس البليغ لسقوط جدار برلين هو انتصار الإرادة الحُرة والوعي المواطن والنزعة الإنسية على الإيديولوجيا، وهذا ما ينقص شعوب منطقتنا.

غير أنه إذا كان المستقبل للشباب، فإن التوجهات الفكرية الجديدة، والنزعات النقدية الناهضة لدى الأجيال الصاعدة، هي بصيص أمل يمكن بناء عليه أن نطمئن إلى أن دروس التاريخ لا تكذب، وأنّ الكلمة الأخيرة تكون للضمير الإنساني الحرّ ضدّ جميع نزعات الشرّ الكامنة في النفس البشرية.


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments