عصيد ينتقد الجهوية المتقدمة وينادي بالانتقال إلى الدولة الفيدرالية


قال أحمد عصيد، باحث في القضايا الأمازيغية، إن “الأمازيغية كانت طابُوها سياسيا قبل سنة 2001، حيث كان المُستثمر المغربي يتفاداها لأن الدولة ساخطة عليها، ما يعكس خوفه من السلطة لضمان مصالحه، وإن كان يتحدث بها، لكن خطاب أجدير كان له وقع على النخب الاقتصادية الأمازيغية، ومرد ذلك إلى إنهاء الدولة لهذا الطابُو الذي ساد عهد الحسن الثاني، لترتفع بذلك أعداد الجمعيات الأمازيغية”.

عصيد الذي كان يتحدث خلال ندوة حول “مغرب الإصلاحات.. الأسئلة والمفاهيم والقضايا”، مساء الخميس بالدار البيضاء، أضاف أن “النخب المحلية خلال عهد الحسن الثاني اهتمت بالثقافة من المنظور الرسمي، عبر ترميم المدارس العتيقة، لكن شهدنا تنويراً حقيقيا منذ سنة 2011، تمثل في الإشعاع الجمعوي الذي ترتب عن تغيير سياسات الدولة التي خلقت وعياً جديدا”.

وأورد الناشط الأمازيغي البارز، الذي قام بقراءة مسحية للقضية الأمازيغية التي تناولها مؤلف “مساءلة البداهات من خلال مفاهيم وقضايا بمغرب الإصلاحات”، لمؤلّفه محمد المدلاوي المنبهي، الباحث بالمعهد الجامعي للبحث العلمي، (أورد) أن “إلحاحنا على تنصيص الأمازيغية في اللغات الرسمية وأبعاد الهوية بدستور 2011 (هو) نتيجة مأساة ضعف الثقة التي نعيشها ببلادنا، سواء مع السلطة أو الأحزاب أو المؤسسات، لأن العموميات فيها تأويلات”، في رده على انتقادات التنصيص على أبعاد الهوية في دساتير شمال إفريقيا بخلاف الدستور الأمريكي.

وأكد الأكاديمي المغربي أن “السلطة تقوم بتسوية سياسية لمختلف المشاكل الظرفية، إلا أنها لا تلتزم بوعودها”، ثم زاد: “ما دمنا في التكتيكات الظرفية، فإننا لن نحقق أي تقدم”، معتبرا أن “خطاب الحركة الأمازيغية اغتنى بالتدريج؛ حيث ابتدأ بالحقوق الثقافية واللغوية التي لها سند في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، رغبة منا في عدم فصل الأمازيغية عن القضية الديمقراطية، ذلك أن خطاب الحركة الأمازيغية مؤسس بمفاهيم ولغة وثقافة وهوية ودولة وأعِيد تأسيسه بدراسات أكاديمية، ورغم ذلك توجد انحرافات لا تمثل الحركة”.

وفي حديثه عن قضية العلم الأمازيغي التي تناولها الدكتور المدلاوي في كتابه الجديد، الذي عالج قضايا راهنة ما بين سنتي 2010 و2011، تطرق إليها من خلال مقالات صحافية نشرها في جريدة “العلم” في تلك الظرفية وأعاد هيكلة نصوصها وتوثيقها، شدد عصيد على أنه “ليس بعلم سياسي أو علم دولة، بل يتعلق الأمر برمز ثقافي يحمل دلالة موحدة؛ بحيث يوجد في دول عديدة رغم اختلاف أنظمتها”.

وتابع عصيد بأن “الوطنية كانت مختزلة في عهد الحركة الوطنية، لكننا قمنا بإعادة شموليتها، ومع ذلك نحن أبناء الدولة الوطنية”، منتقدا الجهوية المتقدمة التي تم إقرارها بالقول: “لم يُبدعوا جهوية حقيقية للمغرب وفقا لتاريخه وثقافته، بل أغفلوا العنصر البشري والثقافي والتاريخي في التقسيم”، مبرزا أن الدولة الوطنية بمفهومها التقليدي متجاوزة، في حين “يجب الانتقال إلى الدولة الفيدرالية على غرار التجارب الكبرى”.

كما خصّص الباحث الأمازيغي حيزا زمنيا مهما للحديث عن المؤلف الجديد من الناحية الشكلية، مشيرا إلى أن “مساءلة البداهات عنوان فلسفي؛ لأن الفيلسوف من يقوم بخلخلة مرتكزات الوعي العام”، موضحا أنه “لا يمكن خلخلة البداهات في إطار الإصلاح والاستمرارية مثلما تزعم السلطة”، مبرزا أن “مساءلة المدلاوي تتيح لنا خلخلة أوضاعنا الراكدة وإعادة التفكير في كثير من البديهيات”.

“الرويّة وإعمال النظر في القضايا الشائكة، التجرد المنهجي، الإنصاف، ملاحقة الواقع في جزئياته، الاطلاع على الوثائق”؛ كلها مميزات وسمت البديهيات التي ساءلها المدلاوي المنبهي، المتخصص في اللسانيات، بحسب عصيد، الذي أثنى على الطريقة الإشكالية التي طرح عبرها المنبهي أسئلة الكتاب الذي نبه فيه إلى العديد من “التخصصات المهجورة” بالمغرب على غرار الإثنو موسيقا، و”التسيّب المفاهيمي الذي يسم النقاشات العمومية”.

أما محمد مصطفى القباج، أستاذ باحث في الفلسفة وعلوم التربية، فقد أشار إلى ضرورة تدقيق مفهوم الإصلاح المتداول، قائلا إن “المغرب في حاجة إلى أكثر من إصلاحات. نحتاج إلى تغيير جذري، لأن ما يوجد بالمغرب يتجاوز الأعطاب إلى مشكل حضاري يحول دون التطوير الحقيقي”، مضيفا أن المملكة “تحتاج إلى خلفية فكرية وثقافية لتحقيق الإصلاحات التي أصبحت بدون قواعد معرفية”.

واعتبر القباج أن “المناخ المفاهيمي ببلادنا تطغى عليه البداهات التي ترسخت بالعقول والأذهان، ومرد ذلك إلى مقاومة التغيير كآلية لتعزيز القناعات، حتى نتخوف مما لا يمكن توقعه”، مبرزا أن “الكتاب تناول قضايا كبرى عالجها المدلاوي بلغة بسيطة، من قبيل الدولة المدنية والحداثة والثورة والشعب، وكذا واقع التربية والتكوين”.

“ترسّخ لدينا كم هائل من البداهات التي تحول دون التغيير”، يردف الجامعي المغربي، الذي شدد على أن “المُؤلف الجديد عبارة عن شهادة توثق لمرحلة لم يُوفق أحد في صياغة حلول من شأنها حلحلة الأوضاع”، مؤكدا أن “مساءلة البداهات تستوجب الانتقال من العقول المحافظة إلى العقول الجريئة لتحقيق التقدم الحضاري”.

 مصطفى شاكري


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments