هوامش لفهم ما يجري في تاغازوت


تعني كلمة تاغازوت، المُنبسط الذي يقع بين مرتفعين أو عدة مرتفعات، وهي من فعل إغز، إغوز، أي حفر يحفر، ومنها تيوغزى، التي توجد في منبسط تاݣراݣرا بايت باعمران، ومنها مملاح تيغازى المشهورة في جنوب موريتانيا بالصحراء، وهي التي يستخرج منها الملح، الذي كان مادة حيوية أدت إلى ظهور إمارة أوداغوست أواخر القرن الثامن وبداية التاسع الميلادي بزعامة أمازيغ صنهاجة، وهي إمارة كانت لبنة أولى انطلقت منها أسس إمبراطورية امازيغية عظيمة حكمت من السينغال الى جنوب فرنسا. وهي دولة أمازيغ الصحراء، الذين يعشق مؤرخي العصر الوسيط تسميتهم ب “بربر الصحراء” المعروفة بدولة المرابطين أو دولة لمتونة، أو دولة الملثمين، وهي تسميات كثيرة، لا يجب أن تحجب عنا حقيقة أسرار صعود دولة قوية على أكتاف الرحل، يوجدون في قاع الصحراء القاحلة، ينتقلون بين كتبانها الرملية.

إن حقيقة هذا الصعود السريع والجارف من قبل أمازيغ الصحراء لاكتساح شمال المغرب والاندلس، يرجع بصفة أساسية إلى تمكن هؤلاء الصنهاجيين من انتاج وتراكم كميات هائلة من الملح في ممالح تيغازى واستبدالها بالذهب في تجارتهم مع القبائل السودانية المنتجة للتبر. حيث كان الملح المادة الأولى طلبا واقبالا عند هؤلاء السودانيون، وهو ما جعل الصنهاجيون يراكمون ثروات هائلة من عائدات الملح والذهب، وبادروا إلى البحث عن أسواق جديدة للمزيد من الكسب، ومن ثمة، بدأوا الغزو جنوبا نحو منابع الذهب أولا، ثم اتجهوا رأسا إلى الشمال واقتحموا سجلماسة ومنها إلى أغمات ثم تامدولت، وهي عبارة كلها عن مراكز تجارية كبيرة، بالرغم من كونها أمصارا مسلمة، إلا أن الصنهاجيين وجدوا مبررات شرعية، في إطار تحالفهم السياسي مع شبكة من فقهاء المالكية، الذين كانوا يتحينون الفرص لإسقاط امارات الشيعة والخوارج والبورغواطيون، الذين تحكموا على محاور التجارة ونقط المناجم وأسسوا امارات سياسية حول المدن واحوازها، وهنا بزغ نجم عبدالله بن ياسين، وشيخه وݣاݣ بن زلو، الذي أضاف بعض التوابل على ملح المرابطين، ليشرعن لهم غزو الاسواق والسيطرة على المناجم. ونجمل القول في أن كل الدول الأمازيغية الكبرى والصغرى، منذ امارات أوداغوست وتاهرت وسجلماسة، ومنذ الدول الكبرى كالمرابطين، والموحدون والمرينيون، والسعديون والدلائيون وغيرها، كلها كانت امارات معدنية وتجارية بالدرجة الأولى، ولكن تكون دائما محتاجة إلى الدعوة لتبرير وتشرعن العنف والغزو على القبائل والإمارات السياسية المنافسة، وهو ما نفهمه من كلام ابن خلدون حين قال إن العصبية تحتاج دائما إلى الدعوة لكي تنجح. وهذا المدخل الذي استغله الفقهاء والارتودوكسية وتغولوا داخل الدول، وتحكموا في مفاصلها، استغلالا منهم لانشغال العصبية بالاجتماع والاقتصاد والحروب والغزوات…

هكذا، يقودنا المعنى اللغوي لتاغازوت، إلى متاهات السياسة وتعقيدات الاقتصاد وامتدادات الثروة والسيادة والشرعية الدينية، وإلى تجاعيد التاريخ التي لا تزال راسخة على وجه المجتمع والدولة على حد سواء في مغرب اليوم.
ما هو تعليقنا حاليا عن ما يجري في مشروع “تاغزوت باي” بنواحي أݣادير، وقبل أن ندلي بدلونا فيه، فإنه لابد أن نذكر بمعنى آخر لكلمة تاغزوت الذي يطلق عادة على المكان الذي تعلب فيه الخيول عادة التبوريدة، ويسمى أمازيغيا ب تاغزوت نيسان، قبل أن يعوض بمصطلح “مْلَّعب” كاسم لمنطقة توجد بنواحي مدينة ݣلميمة إقليم الراشيدية. فكل هذه الأعلام الاماكنية لها معاني ودلالات انثروبولوجية عميقة جدا، فتاغازوت الأمس كانت ملعب الخيول حيث يتنابز الخيالة، إمناين بالبارود وجودة الخيول وأصبحت اليوم ملعب الأموال الضخمة والثروات الكبيرة، والمشاريع الاقتصادية والسياحية العملاقة. فلكل زمن باروده وخيوله.

أما كل ما يكتب حاليا على المنصات الالكترونية والتفاعلية وعلى صدر الصحف الورقية، فإن الكثير منه يعاني من اللغو والغلط والخلط، واصبحت عمليات الهدم في حقيقتها تكتوي بنار السياسة وتعاني من التيه القانوني، والعبث الصحفي. لتضيع الحقيقة مع الفيلسوف ديكارت حين طلبوا منه الكتابة عن السياسة والدولة والسلطة، بدل الاهتمام بالميتافيزيقا والمنطق، وأجاب لهم آمرا، ابحثوا انتم عن مصدر القرار داخل البلاط وأقوم أنا بالتحليل.
لنعود إلى عنصر اللغة، وقلنا فيه أن تاغازوت جاءت من فعل إغوز، فمَن الذي يحفر لِمن ؟


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments