حيوية اللغات وعوامل بقائها


شكلت الكتابة واحدا من أعظم الاختراعات الإنسانية باعتبارها جسرا مهما لسماع أصوات الشعوب والحضارات التي غيبها الصمت فترة طويلة، ووسيلة لمعرفة أسرار أو بعضها لهاته الشعوب. ولذا يعتبر أندرو روبنسون مُؤَلِّف كتاب “اللغات المفقودة” أن فك رموز لغات عديدة لازال عملاً بالغ الأهمية بالنسبة للإنسانية، لأنها تستطيع أن تخبرنا عن سر الماضي البعيد وتاريخ البشرية.

ولولا الكتابة لم تكن هناك المعرفة بصفة عامة، ولا السجلات التاريخية ولا حتى الكتب، وغيرها فعن طريقها تتناقل الخبرات العلمية بين الأجيال وبين الحضارات.

كانت اللغة السومرية أقدم لغة بشرية مدونة معروفة حتى الآن إذ أن تاريخ تدوين نصوصها يسبق “تاريخ أقدم النصوص الهيروغليفية والكريتية والأبلية وغيرها من اللغات بمئات السنين ص 7 بحث لنيل دكتوراه الدولة في موضوع (اللغة السومرية وأثرها في اللغة الأكديَّة د. خالد حيدر عثمان حافظ العبيدي شعبة الآثار)، ويعود تاريخها إلى 5000 سنة وهي التي اكتشفت العراق والحضارة الآشورية، فقد كانت هي اللغة التي تحدث بها السومريون في بلاد الرافدين وتعود جذورها إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد غير أن بعض الدراسات تشير إلى أنه لا يعلم متى بدأت بالفعل إلا أنّها انقرضت في حوالي بدايات الألفية الثانية قبل الميلاد واستبدلت فيما بعد بالآكدية إلّا أنها ما زالت تستخدم كلغة دينية وأدبية حتى القرن الأول قبل الميلاد. ويوجد في المتحف البريطاني حوالي 120 ألف لوح طيني مكتوب باللغة المسمارية، التي كانت لها قواعد ونظم منذ آلاف السنين حيث دوَّن السومريون بها السجلات الرسمية وأعمال الملوك وإنجازاتهم، والمعاملات التجارية والأساطير المتداولة في ذلك العصر.

وبعدها بفترة قليلة ظهرت الكتابة الهيروغليفية في مصر، فبعد أن فكت رموز هذه الكتابة عام 1823 استطاع العالم أن يسمع صوت رمسيس العظيم، واطلَعْنَا على الكثير من إنجازاته وإشراقات الحضارة المصرية، ثم ظهرت الكتابة في كل من أوروبا، والصين، وأمريكا الوسطى، وكتابة المايا في أمريكا الوسطى التي استطاعت البشرية الاطلاع على ثقافة هذه الحضارة وخصوصا ما يتعلق بالآداب وفنون المعمار المتطورة بعد أن فُكت ألغاز رموز كتابتها المعقدة.

والكتابة الخطية الثانية على الألواح الطينية لحضارة كريت وكتابة وادي الإندوس ثم كتابة الإتروسكيين الذين تألق نجمهم خلال عصر النهضة وكتابة الرونجو.

قد يتساءل البعض عن سر اكتشاف تلك الكتابات واللغات البائدة، ويقول أندرو روبنسون عن ذلك: أن اكتشاف ألغاز كل كتابة بائدة يعتمد على شيئين، أولا وجود مادة كافية من اللغة البائدة، فجملة أو اثنتان لن تمكن عالم الآثار من فك رموزها. ثانيا أن تكون قريبة من إحدى اللغات الحية أو المعروفة لنا، كما يساعد جدا وجود الأسماء المهمة فيها كالملوك والأمراء في ذلك الزمان على جعل فهمها أكثر سهولة.

ويضرب مثال على ذلك بالكتابة التي وجدت على الحجر الزهري في مصر، باللغتين المصرية والإغريقية القديمة، وتناولت أسماء ملوك من سلاسة البطالمة وأحداث مهمة من ذلك العصر، مما ساعد في كشف محتواها بسرعة كبيرة نسبيا.

وعلاقة بالموضوع، نشير إلى أن الكتابة تستخدم لتمثيل وحدة لغوية بشكل منظم، بغرض حفظ وإيصال معلومات.

إن ضمان حيوية اللغات وخصوصا اللغة الأم وتأمين عوامل بقائها رهين بمجهودات الدول والمجتمعات، وعلى هذا الأساس وضعت منظمة اليونسكو وثيقة لمساعدة هذه المجتمعات لإيجاد آليات وحلول ملائمة للحفاظ على اللغة الأم.

ومن بين تلك الآليات حسب نفس الوثيقة إيلاء أهمية قصوى وفورية لتعزيز مكانة اللغة الأم والحيلولة دون اندثارها، وتوفير الظروف الملائمة لتدريسها وتوثيقها، وتدريب مدرسي هذه اللغة وتوعية الرأي العام بأهميتها وتطوير علم الإملاء وإنتاج مواد تربوية وحوامل بيداغوجية تساعد على استمرار اللغة الأم وحمايتها من الاندثار.

وكما جاء في رسالة المديرة العامة لليونسكو السيدة أودري أزولاي بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم والذي يصادف 21 فبراير من كل سنة “أن اللغة الأم تندرج في إعداد عوامل الإدماج الاجتماعي والابتكار والإبداع والخيال، وكذلك في إعداد عوامل إنعاش وازدهار التنوع الثقافي ووسائل نشر السلام… وكذا إعداد العوامل القيّمة المساعدة على تحقيق الهدف المتمثل في توفير التعليم الجيد للجميع…).

ومن الحقائق المتعلقة باللغات، أن بعضها يُتحدث بها في أكثر من دولة، في مقدمتها الإنجليزية التي تتحدث بها 101 دولة، والعربية، التي تتحدث بها 60 دولة، والفرنسية، 51 دولة، والصينية 33 دولة، والإسبانية 31 دولة. والفارسية 29 دولة.

وحسب منظمة اليونسكو فإن نحو 2700 لغة تنتمي للسكان الأصليين في مناطق مختلفة في العالم تواجه خطر الانقراض، من بين اللغات المهددة والتي تتضمن Ojibwe في كندا، وAmi في أستراليا و Ayapanecفي المكسيك التي تواجه خطر الاندثار.

من بين حوالي 7600 لغة يتم التحدث بها في العالم، تواجه 2680 لغة أصلية مخاطر الانقراض، على نحو يثير القلق بحسب اليونسكو. كما هو الشأن للغة Akkala Saami، والتي توفي آخر متحدث بها عام 2003، في شبه جزيرة كولا الشمالية بروسيا. وفي 2008، اختفت لغة Tefvic Esenc Eyak بعد وفاة ماري سميث جونز في ولاية ألاسكا الأمريكية، يشار إلى أن كندا تستقر بها حوالي 630 قبيله أصلية تعرف باسم “قبائل الأمة الأولى” تضم حوالي 1.4 مليون نسمة. وتعهدت كندا بالمساهمة في تمويل عملية إحياء العديد من اللغات المهددة، وفي أستراليا، كان يتم التحدث بأكثر من 250 لغة أصلية منذ عام 1788م ولم ينج من تلك اللغات الأسترالية الأصلية إلا 120 اليوم.

وبخصوص القارة الإفريقية فأكثر من 10 لغات تستخدمها المجتمعات الإفريقية كزولو” (الناطقون بها في القارة السمراء أكثر من 10 ملايين نسمة) واللغة الأمهرية” (الناطقون بها 7ر18 مليون نسمة) واللغة الإيبو” (الناطقون بها أكثر من 24 مليون نسمة) واللغة الـ”يوروبا” (الناطقون بها في أفريقيا: أكثر من 30 مليون نسمة واللغة الأورومو (الناطقون بها في نفس القارة أكثر من 30 مليون نسمة) واللغة الـ “هوسا” (الناطقون بها في أفريقيا: أكثر من 50 مليون نسمة) واللغة الـفرنسية (الناطقون بها في أفريقيا: أكثر من 90 مليون نسمة واللغة الـسواحيلية (الناطقون بها أكثر من 100 مليون نسمة) وأما الإنجليزية (الناطقون بها حوالي 700 مليون نسمة). إضافة إلى اللغة العربية (الناطقون بها أكثر من 100 مليون نسمة في نفس القارة). وتعد هذه اللغة إحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، يتحدثها أكثر من 467 مليون نسمة ويتوزع متحدثوها في الشرق الأوسط، وكذا في المغرب الكبير إضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة، وهي من بين اللغات الأربع الأكثر استخدامًا في الشبكة العنكبوتية.

واللغة العربية تعد من أقدم اللغات السامية، وأكثر لغات المجموعة السامية تحدثًا، وأول من تحدث بها سيدنا إسماعيل عليه السلام قبل ثلاثة آلاف سنة، وهي وإن كانت لغة خاصة بالعرب إلا أنها لغة ذات أهمية لكل مسلم باعتبار أن القرآن الكريم نزل بها. قال أحد المستشرقين: “إن المعرفة التي يمكننا الحصول عليها، الخاصة بهذا اللسان (لسان اللغة العربية) وهذا الأدب لا تنفصل عمليا عن الإسلام ولسان القرآن” إن القرآن الكريم النص السماوي الوحيد الذي نزَّله الله تعالى لفظًا ومعنىً وتكفل بحفظه وكان نظامه المرتبط بنظم لغته العربية ارتباطا عضويًا أحد أسباب حفظه. فاللغة العربية جزء من القرآن الكريم… إن التوراة كانت بلغات متعددة في وقت واحد” أما النصوص الباقية من الكتب السابقة فهي مختلفة اختلافا كبيرا بل متقاربة”. (من كتاب: جماليات النص القرآني: دراسة أسلوبية في المستوى التركيبي ص222 للدكتور عبد الله خضر حمد).

وتتجلى فرادة اللغة العربية في جماليتها في الشعر، والنثر، والخطابة، والقصة، والرواية، وفي النحو، والصرف، حيث يعتبر الشعر فناً أدبياً أقبل عليه الكثير من الشعراء الذين برعوا في كافة ألوانه من غزل، ومدح، وذم، ورثاء، قال الشاعر أحمد شوقي مفاخرا بهذه اللغة إن الذي ملأ اللغات محاسن.. جعل الجمال وسره في الضاد. وقال عنها جوزيف إرنست رينان (1823- 1892) وهو فيلسوف وكاتب فرنسي “اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة”، فاللغة العربية هي لغة مرنة تعايشت مع كل الأزمان ومختلف الأجناس.

ونظرا لأهميتها، كرست منظمة اليونسكو يوم 18 دجنبر من كل سنة يوماً عالمياً للاحتفاء باللغة العربية حيث تقرر الاحتفال بها في هذا التاريخ لكونه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في دجنبر عام 1973، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، إلى جانب لغات المنظومة الأممية المعتمدة، وهي الإنجليزية والصينية والإسبانية والفرنسية والروسية. بعد اقتراح قدمته المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو.

تضاف إلى هذه القائمة اللغة الأمازيغية التي تكلم بها الأمازيغ وهي إحدى أعرق اللغات المتواجدة في شمال إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، وتعد هذه اللغة من اللغات الوطنية التي ظلت صامدة واحتلت مكانة مهمة في شمال إفريقيا والساحل، إذ لا تزال مجتمعات عديدة تتحدث بها. وقد نافست لغات مرموقة على مدى التاريخ كاللغات الفرعونية والرومانية ولغة القرآن. كما نافست حروف تيفيناغ الكتابة المسمارية، التي كانت سائدة في بلاد الرافدين مهد الحضارة السومرية الآسيوية العريقة، والحرف الفينيقي الذي انتشر في لبنان والشام الحاليين، حروف انمحت أو بقيت في رفوف التاريخ، وأخرى استطاعت الصمود كالحرف العبري والآرامي واللاتيني وحروف شعوب شرق آسيا وأخرى في كندا. (الأستاذ جهادي الحسين عرض قدمه خلال الندوة الفكرية التي نظمتها جمعية حمو اليازيد للثقافة والتنمية بالرباط سنة 2009 ) وتتكون اللغة الأمازيغية إجمالا من فروع جهوية ثلاثة، وهي: تاريفيت في الشمال، وتامازيغت في الوسط والجنوب الشرقي، وتاشلحيت في الأطلس الكبير وفي الجنوب الغربي الأوسط والعمق الصحراوي، وتستعمل أوجه هذه اللغة خارج هذه الفضاءات في المحيط العائلي، خاصة بالنسبة لبعض الأسر التي احتفظت بها في المدن الكبرى، وكذا في بعض الظرفيات الحميمية غير الرسمية بين شخصين أو أكثر ينحدرون من فرع لغوي واحد. فما يناهز 50% من ساكنة المغرب يتكلمون الأمازيغية، وإن ثلاثة أرباع تلك الساكنة مزدوجي اللسان، بين الأمازيغية والعربية المغربية الدارجة (الأستاذ اليوسي 1989). وهذه الفروع الجهوية السالفة الذكر (مدخل إلى اللغة الأمازيغية، سلسلة الترجمة رقم 09 – (كراسات)، الرباط 2006، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مطبعة كانا برنت) وإن كانت بينها اختلافات معجمية وصوتية (فونيتيكية)، فأن نسبة المشترك في ما بينها، أكثر بكثير من عناصر الاختلاف، مما جعل اللسانيين الأمازيغيين بالمغرب يعتمدون تصورا توحيديا للغة الأمازيغية، تبناه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ووزارة التربية الوطنية المغربية منذ سنة 2003. وتتميز اللغة الأمازيغية التي يعتبر استمرارها حتى اليوم “معجزة” حقيقية، بنسقها اللسني وبخصائصها الصواتية والمعجمية، وقد حافظ عليها الأمازيغ بالتداول الشفهي بفضل تراث غني من الآداب المحكية، وبفضل اعتمادهم عليها في أنشطتهم اليومية، مما جعلها قلة الكتابة بها إلا في حالات نادرة، تتصف بحيوية كبيرة مصدرها تجذر الثقافة وعمق الإحساس بالهوية.

وتكتب الأمازيغية بحروف مختلفة، أعرقها الحرف الأمازيغي تيفيناغ، ويعود ظهوره إلى 9000 سنة. وقد أشار الباحث Gabriel Camps بأن تيفيناغ لا يمكن أن تكون ظهرت في وقت أقل قدما من ألف سنة قبل الميلاد وتتكون حروف تيفيناغ من عدة أبجديات ك “الأبجديات الشرقية” في غرب ليبيا الحالية، وشرق الجزائر وتونس الحالية ويبلغ عدد حروفها 23 حرفا، وهناك “الأبجدية الغربية” بين قسطنطينة شرقا، والمحيط الأطلسي غربا، وجبال الأطلس جنوبا عددها 33 حرفا، و”الأبجدية الصحراوية” في المناطق الصحراوية (منطقة تيشيت ولاته بموريتانيا الحالية) وتعد الكتابة بحروف تيفيناغ المعروفة بكتابة إنسان” عزيب ن إيكيس A Azib n ikkis أقدم كتابة وتوجد في جبل ياكور بالأطلس الكبير قريبا من مدينة مراكش، وتعود على الأقل إلى حوالي (1300-1200) قبل الميلاد.

Ahmed Skounti, Abdelkhalek Lemjidi, El Mustapha Nami ,)

«Tirra Aux Origines de L’écriture au Maroc», Institut Royal de la culture amazighe, Rabat, Série Etudes et Recherches, N°1,2004)

ويمتد مجال انتشار حروف تيفيناغ، من شمالي السودان إلى الجزر الخالدات غربا، وصقيلية والأندلس شمالا، وهي مشتقة اشتقاقا من اللغة الأمازيغية تيفيناغ أي “اكتشافنا”، وقد أثبتت الدراسات أنه لم ينشأ على أرض القارة الإفريقية كلها إلا أبجديتان اثنتان بصرف النظر عن الهيروغليفيات، هما الأبجدية الأمازيغية والأبجدية الأثيوبية كما جاء في المرجع السابق.

ويعود أول اكتشاف للكتابة الأمازيغية إلى سنة 1631، عندما عثر الباحث طوماس داركوTomas D’Arco في مدينةThugga على جدار ضريح “مس ن آسن”، على نقيشة مزدوجة الكتابة الأمازيغية والبونية، وفي القرن 19، برزت دراسات اهتمت بهذه النقيشة وخلال القرن العشرين أصدر أول مجموع corpus للنقائش الأمازيغية بشكل عام، وآخر خاص بنقائش المغرب، إلا أن هذين المجموعين لم يهتما بالكتابات الموجودة على اللوحات الصخرية. وهذا ما قام به باحثون مغاربة، حيث جمعوا حوالي أربعين نقيشة قام بنشرها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2003 تحت عنوان: Tirra, aux origines de l’écriture au Maroc ” تيرا، أصول الكتابة بالمغرب” وهكذا، واعتمادا على شكل النص وطريقة كتابة ونوعية حروفه ونطقها ميز الأخصائيون في هذا المجال، بين ثلاث أبجديات هي: الأبجدية الشرقية ( Alphabet oriental) والأبجدية الغربية (Alphabet occidental) والأبجدية الصحراوية (Alphabet Saharien) ونجدها بالمناطق الصحراوية، ويتركز تواجد نقائشها على اللوحات الصخرية بمنطقة تيشيت ولاته بموريتانيا الحالية. وغالبية هذه النقائش نصوص أمازيغية مختصرة. ومن هذه الأبجدية الصحراوية ستنبثق تيفيناغ القديمة وتيفيناغ الحديثة. هذه الأخيرة لا يزال شعب التوركـَ يستعملها. كما أن النقائش التي عثر عليها في جزر الكناري تنسب إلى هذه الأبجدية الصحراوية.

يقول الأستاذ محمد شفيق في كتابه ” من أجل مغارب مغاربية بالأولوية ص(51-52) ” لنا نحن المغاربة، سكان المغرب الكبير، معلمة ثقافية نبخسها حقها من الاهتمام والصيانة، لقد ظلت صامدة لنوائب الدهر بصورة تلقائية منذ آلاف السنين، بل منذ أن وجد المغاربة. هي أهم معالمنا الحضارية، لا لأنها أقدمها فقط، ولكن لأنها هي التي صنعت خصوصياتنا التي نتميز بها عن غيرنا. وهي معلمة لم يحدثها جيل واحد من أسلافنا وأجدادنا، بل ساهم في إنشائها وفي إغنائها كل جيل منذ أن نطق البشر… إن تلك المعلمة، هي أوال أمازيغ” كما سماها الحسن الوزان؛ هي ” اللسان الغربي” كما سماها البيذق من قبل الوزان؛ هي اللغة الأمازيغية الضارب وجودها في القدم بحيث يتلاقى المؤرخون (Gabriel Camps) واللسانيون المهتمون بالدراسات المقارنة (Werner Vycichl)في القرار بأنها أقدم اللغات، مستندين من جهة ّإلى الآثار المادية المتجسمة في نقوش ” تيفيناغ” كما تتجلى عبقريتها في كونها تلقى جذورها في أعماق التاريخ، وفي كونها تتميز ببنيات لغوية وصرفية وتركيبية خاصة بها. وتستعمل اللغة الأمازيغية مجموعات بشرية تتفاوت كثافتها، ودرجة التداول بهذه اللغة تختلف من قطر لآخر حسب معطيات ذاتية وشروط موضوعية مرتبطة بوضع اللغة الأمازيغية والموقف منها (من مداخلة الأستاذ أحمد بوكوس، من كتاب سلسلة أعلام الثقافة الأمازيغية ” محمد شفيق”، منشورات عكاظ، الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، أيام الثقافة الأمازيغية الرباط 16 و23 نونبر 1990.ص ص: 19-20).

إلا أنه لوحظ بعض الخصوصيات في كتابة جزر الكناري، ولذلك تنعت بكتابة الكوانش(Guanche)، لكنها كتابة أمازيغية دون شك، بينما عثر بالصحراء المغربية الحالية على بعض النقوش معها كتابة تيفيناغ. وعثر في تدرارت الجنوبية (ليبيا) على كتابة تيفيناغ الحديثة مع نقوش للفرس والنعامة، مما يعني أنها استعملت في وقت عاش فيه الحيوان بالمنطقة (الأستاذ مصطفى أعشي، نشرة إبنغميسن أسيناكَ العدد ¾ منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ص 37).

وتنتمي اللغة الأمازيغية إلى ما يسمى بالأسرة الإفريقية -الآسيوية، وتحديدا إلى فصيلة الحامية السامية. والتي تتكون من الفرع السامي والفرع المصري القبطي، والفرع التشادي، ثم الفرع الليبي- الأمازيغي. (الأستاذ أحمد بوكوس، الأمازيغية والسياسة اللغوية والثقافية بالمغرب، مركز طارق بن زياد، الطبعة الأولى نونبر 2003، ص 36 -41).

ومع تنامي الوعي وظهور جمعيات ومنظمات مدنية أمازيغية، وتعزيز البحث الأكاديمي في التاريخ والحضارة واللغة في المغرب وشمال إفريقيا، عادت حروف تيفيناغ لتبرز من جديد، وتؤدي دورها الخاص من خلال الكتابات الأمازيغية التي واكبتها الجرائد، والمجلات.

وبخصوص موضوع حماية أشكال التعبير الثقافي المعرضة للخطر نشرت اليونسكو خريطة تفاعلية عبر موقعها الإلكتروني تحدد من خلالها اللغات المهددة بالانقراض في العالم بحسب معايير مختلفة، واضعة خمسة مستويات مختلفة تحدد تصنيف وحيوية اللغات المهددة بالاندثار وهي: اللغات الهشة، واللغات المعرضة للخطر، واللغات المعرضة لخطر كبير، واللغات المحتضرة، واللغات الميتة أو المندثرة.

وقالت المنظمة إن المغرب به ثمانية تعبيرات لغوية مهددة منها لغتان اندثرتا فعلا، وصنفتها كالتالي:

اللغات الهشة:

حيث وضعت اليونيسكو الأمازيغية التي يتحدث بها مواطنو مدينة فكيك (أقصى شرق المغرب) ضمن اللغات المهددة بالانقراض، وذلك لأن ما بين 20 و30 ألف شخص فقط هم من يتحدث بها. وتتكون فكيك من سبع واحات وهي: آيت لوداغير، آيت لمعيز، آيت عدي، وآيت سليمان، وآيت عناج، وآيت إزناين، آيت عمار.

اللغات المعرضة للخطر:

“أمازيغية بني يزناسن”، وضعتها نفس المنظمة كذلك من التعبيرات الأمازيغية المهددة بالمغرب، وبني يزناسن هي قبائل أمازيغية في شمال شرق المملكة.

اللغات المعرضة لخطر كبير:

كما صنفت المنظمة الأممية لغات منبثقة عن الديانة اليهودية والتي مازال بعض اليهود المغاربة يتحدثون بها ضمن التعبيرات المعرضة لخطر كبير، وهي:

– اليهودية الأوروبية المعروفة في المغرب باسم Haketía، على أنها مهددة بالانقراض بشدة، وهي لغة تتبع اللغة الإسبانية اليهودية وتطغى عليها الدارجة المغربية، ويتحدث بها يهود المغرب، وتسمى أيضا بالإسبانية-العبرانية وكانت منتشرة في الشمال والشمال الشرقي للمغرب.

– اليهودية الأمازيغية المغربية، على أنها منقرضة؛

كما أوردت اليونيسكو كذلك “أمازيغية صنهاجة اسراير” ضمن اللغات المهددة بالانقراض، وتنتشر في شمال المغرب وغرب منطقة الريف.

كما صنفت “أمازيغية غمارة”، وهي أمازيغية تنتمي إلى عائلة الأمازيغية الشمالية ويتكلمها حوالي 10.000 شخص في المغرب، نواحي مدينتي تطوان والشاون، وتصنف ضمن خانة التعبيرات المهددة بالانقراض.

الأمازيغية المندثرة

هي الأمازيغية- اليهودية، وهي أمازيغية كانت تنتشر فيما سبق بجنوب المملكة، وكان يتحدث بها سكان مدينة ورززات وبولمان دادس وإيميني وتنغير.

– و”أمازيغية آيت روادي”، وكان يتحدث بها ما يقارب 1637 شخصا، في جهة تادلة أزيلال.


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments