كيف تجاوز قطار التنمية مدينة اگادیر؟


لابد أن تحلى بنوع من الجرأة لتحديد وتحليل مفاصل الخلل التنموي الكبير الذي تعيشه مدينة أكادير، وكل مناطق سوس المتاخمة لها.
المدينة عرفت تدهورا كبيرا منذ بداية سنوات 2000، بعدما كانت ثالث قطب اقتصادي في المغرب، اليوم أصبحت في المرتبة السادسة.
في البدىء، اعتمدت المنطقة على ثالوث رئيسي للاقلاع التتموي، الأول يتجلى في الفلاحة والثاني في السياحة والثالث في الصيد البحري. هذا الثالوث اضحى يعاني عدة رجات اغلبها لها علاقة بالتحولات الطبيعية والتغيرات المناخية والباقي مرتبط بتوجهات استراتيجية كبرى للدولة.

الفلاحة: باتت أمام أزمة حادة، وهي أزمة الماء، اسبابها الاستغلال المفرط واللاعقلاني للموارد المائية، الجوفية والسطحية، واقتنع الجميع اليوم أن الاعتماد على نمط معين من الفلاحة، هو خطأ استراتيجي ذهبت منطقة سوس ضحيته، حيث اكتنزت فئة من الاقطاعيين الكبار أموالا طائلة وتركت سوس منطقة جرداء بمؤشرات اجتماعية مقلقة، فمنذ البداية ظهر جشع المستثمرين الكبار في الاهتمام بالارباح دون التفكير في استدامة الانتاج والموارد والحفاظ على الخصوصية الايكولوجية للمنطقة، فكانت النتيجة هي النزيف، فلم تعد الفلاحة قطاعا استراتيجيا امام شبح العطش.

السياحة : هي الأخرى وقعت ضحية الرؤية المحدودة، فاتجه الجميع لبيع شاطئ أكادير وشمسه، دون التفكير في تنويع العرض السياحي، وفي الوقت الذي اكتفى فيه أكادير على رمال الشواطئ، اشتغلت الدولة على تطوير سياسة الجذب السياحي وتنويع العرض في مدينة مراكش، التي حظيت باهتمام كبير، لأنها تحظى بكل مقومات والبنيات لتكون حاضرة سياحية عالمية، فتم تجهيز مطارها الذي يعتبر من بين المطارات الاكثر استقطابا للسياح في العالم، بفعل كثرة الشركات والوكالات التي تشتغل به، والتحفيزات الجذابة والمغرية في اسعار الرحلات الجوية التي تربط مراكش بالعديد من الدول عبر العالم. في حين بقي مطار أكادير منزويا ومنعزلا داخل غابة أوضمين وسط اشجار كثيفة من الأرݣان. دون أن ننسى أن أكادير وقع ضحية التموقع الجغرافي القريب من جزر الكناري التي تمتاز تقريبا بنفس الطقس والمناخ، ونوع العرض السياحي، تقريبا جل وان لم نقل كل الطلب السياحي الايسكندينافي وشمال اوروبا عموما، الذي كان يتوافد على أكادير خلال التسعينيات، كله اختار التوافد إلى الأرخبيل الكناري نظرا لجودة الخدمات وتطور البنيات واحترام الاسعار. في حين بقيت جل الفنادق والفضاءات السياحية في أكادير اما عتيقة أو غارقة في المشاكل التسييرية، فأكثر من 15 وحدة فندقية اما اغلقت ابوابها او مستمرة في ظروف سيئة، لأن ملاكيها لا هم يريدون بيعها ولا هم يريدون تجديدها، وأغلب هذه الفنادق توجد في شارع محمد الخامس، القلب النابض للواجهة السياحية للمدينة.

الصيد البحري: هو الآخر يعيش تقهقرا ونكوصا سيؤدي في المستقبل إلى المزيد من التراجع، لأن النشاط البحري لم يعد نشيطا وكثيفا في المدينة، لأن الثروة السمكية لم تعد بتلك الوفرة نتيجة الاستغلال المفرط لها، مما جعل الاقتصاد البحري يتجه جنوبا نحو المدن الصحراوية كالعيون، المرسى، وبوجدور وبصفة اساسية الداخلة التي تتوفر على ميناء كبير ومنصة صناعية ضخمة. في سنة 1999 توجد حوالي 40 وحدة صناعية الاسماك خاصة تلعيب السردين، اليوم بالكاد بقيت ستة أو خمسة، فكل المستثمرين اما اتجهوا إلى العيون والداخلة أو اختاروا مجالات أخرى. أما ميناء أكادير، فانه اتجه إلى التجارة والترفيه أكثر مما يتجه إلى الصيد البحري لأسباب طبيعية هروب الثروة السمكية، ثم بسبب مشاكل أخرى متعلقة بالتدبير الاداري وتراكم المشاكل والتعقيدات داخل الميناء.
يعني هذا الثالوث يعاني اولا من الحتمية الطبيعية التي تهدد تطوره وتقدمه نحو المزيد من التراكم والتحديث والانتاج، واذا أضفنا لها سلوكات البشر المرتبطة بالتسيير وطبيعة النخبة الاقتصادية والإدارية والسياسية، فإن النتيجة حتما ستقودنا إلى الصورة القاتمة التي توجد عليها حاليا مدينة أكادير الكبير وجهة سوس عامة.
نخب اقتصادية شجعة، ونرجسية، فاقدة لحس المسؤولية الوطنية، والوعي الثقافي، هي تقدم المعنى الحقيقي لمقولة ” الرأس المال جبان”، لا تغامر، تبقى حريصة الانزواء وراء السلطة لشراء النفوذ والحصول على الامتيازات العقارية والضريبية، عوض المغامرة واقتحام قطاعات أخرى جديدة كالاستثمار في الصناعات الصلبة والثقيلة والتكنولجيات الحديثة.
فبعد تراجع الفلاحة والصيد البحري، حيث كانت النخب الاقتصادية تستثمر في الصناعات الغذائية والتحويلية البسيطة، اتجهت رأسا نحو العقار لاستغلال امتيازات الدولة في دعم نمط معين من السكن، فبدأت هذه النخب الاقتصادية تقوم بتحويل الاراضي التي حصلت عليها بطرق من الطرق في تحالفها مع الإدارة والسلطة، إلى عمارات سكنية مكتضة وتبيع الاف الشقق وتربح ملايين الدراهم في وقت وجيز جدا، وهذا ما يجعل هذه النخب تراكم ثروات هائلة، ولكن لا تستثمرها في الصناعة والقطاعات الأخرى التي من شأنها تشغيل الشباب وخلق ثروة جديدة وطبقة متوسطة تقود المجتمع إلى رفاه اجتماعي ممكن.
هذه النخبة بقيت حبيسة العقلية التجارية الصلبة، مع استثناءات معدودة جدا، اقتحمت مجالات صناعية ولكن بشكل محتشم. وأكثر من ذلك، فهذه النخب السوسية المنافقة، هي نفسها التي تمارس الصناعات الثقيلة والحديثة في الدار البيضاء والقنيطرة، ولكنها تكتفي بممارسة التجارة في سوس، وتكرس نظرة دونية على أكادير باعتباره مدينة غير مؤهلة للاقتصاد الكبير ولسياسة التصنيع، وبعد حديث الدولة عن أكادير مؤخرا، جاءت نفس النخب الاقتصادية تتربص وتبحث عن الفرص.

أمام كل هذا، توجد نخب سياسية هجينة وضعيفة ينخرها الفساد والنفاق والطمع، تريد أن تخطط بدون تفكير، وتريد أن تدبر الشأن العام بدون رؤية، وتريد ممارسة السياسة بدون وعي سياسي.
أگادير وجهة سوس اليوم، تحتاج إلى وقفة تأمل، إلى نقاش الحقيقة، إلى إعادة النظر كليا وشموليا في السياسات الكبرى، بدراسة دقيقة لما هو موجود وكائن قبل التطلع إلى ما هو مطلوب.


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments