تعالوا إلى كلمة سواء: تامزيرت


من بين الدروس القيمة جدا، التي يتعلمها الجميع في المغرب، خلال هذه الظرفية الصعبة، وخاصة أغلب المثقفين والسياسيين وكل الطيف النخبوي، هي درس الشعور بالانتماء إلى شيء جميل إسمه الوطن. وبالامازيغية يسمى تامورت، أو تامزيرت.
في القبل؛ كان أغلب المغاربة، الذين ابتلوا بالايديولوجيا الهدامة، يعتبرون بلدهم مجرد قطر صغير داخل وطن أكبر إسمه “الوطن العربي” ومنهم من أفنى حياته ودهره في سبيل وحدة ذاك الوطن الكبير الذي صنع من ورق تحت اضغاث أحلام زعماء حزب “البعث العربي”. ولا زال البعض منهم يحلم في العيش داخل داك الوهم، وهم يحلمون إلى ذلك، لم يقدروا ولم يشعروا بنعمة تامورت وحلاوة تامزيرت. كيف لهم ذلك؟ وهم يحتقرون ثقافة ولغة وحضارة وتاريخ تامزيرت وتامورت…من كلمة أمور Amur وربما منها اقتبس الافرنج Amour التي تعني الحب والعشق، لأن الإنسان الامازيغي بعموم بلدان شمال افريقيا، يحبون ويعشقون أرضهم ووطنهم حتى الجنون.
ولا يختلف القوميون والاسلاميون وشيوخ الدعوة والسلفية، في هذا التيه، فكلهم يحلمون إلى الشرق ويتماهون مع خطابات هلامية تدغدغ عواطفهم وتشد شعورهم نحو الهجرة إلى اوطان أخرى ويذوبون فيها ذواب السكر في الماء. ونراهم يهدمون ثقافة وطنهم ويفككون لغة بلدهم، ويعتبرونها لهجة الجدات وأحاكي الخرافات، الاول بداعي القومية والثاني بالاسلاموية…

أما الجزء الآخر من المجتمع، الذي افتتن بثقافة الغرب وبورجوازيته، فهو المتوهم الحالم الذي يرى أن الحداثة هي أفيون البشرية ومصيرها الحتمي، هذا الجزء يتسلح بالتقنية والمال والرفاه…وإن كان لا يحمل ايديولوجية قاتلة تجاه الثقافة واللغة الامازيغية، ولكنه يعتبرها شيء لا يفيد وتجاوزه الزمن، ولا يتلائم مع التحضر والتحديث، ربما هذا الجزء يشده الحنين إلى رقصة أحواش في يوم من الايام القليلة التي يعود منها إلى المغرب بعد سفريات وإقامة في بلدان الغرب كاوروبا وامريكا…ويختزل الثقافة في فولكلور فرجوي ….
أما الفئة الأخرى التي استهوتها فقعات اعلام ومسلسلات الترك واغاني الخليج وثقافته المسطحة السطحية، فهذا الجزء وان يشكل الأغلبية الساحقة من المجتمع، فتنقصه فقط جرعات من الوعي الثقافي والتاريخي، عبر جلسات التلقيح، سرعان ما سيعود إلى كينونته…..لأنه ليس مقيد بايدلوجيا، وقع ضحية الطيف الاول والثاني اللذان يسيطران على الدولة والتعليم وأدوات انتاج الثقافة والمعرفة، فهؤلاء يتصارعون على المغرب، الطيف الاول يسعى إلى الشرقنة/ العروبة والثاني إلى الغرب/ الفرنسة، فضاع الشعب في متاهات ذاك الصراع واختار الطريق السهل واتجه نحو ما تقدمه القنوات الفضائية ومواقع التواصل الفوري من ثقافة( الفاست فود) الرخيصة والرديئة، تمولها شركات كبرى للموضة والاستهلاك والسياحة الجنسية تحديدا، وهي مصيدات تعليب البشر بعد تسليخه.

أما بعد؛ ونحن في هذه الجائحة، نعيش جميعا المصير المشترك. نجدد لكم دعوتنا إلى إعادة اكتشاف الذات المغربية الدفينة في دواخلكم، والتخلص من الاوهام، وأمراض الهوية المصطنعة، واحتقار الذات…
الأمازيغية تعلمنا المفهوم الحقيقي للوطنية، حب الوطن/تامزيرت، ليس الوطن المرتبط بمنصب وزاري او حكومي أو وظيفة، أو بحزب، وإنما بحب الأرض التي تعيش فيها، وتحب الذين يعيشون معك فيها، بنفس الانتماء والروح.
إن الامازيغية/ تامزيغت ستجعلك لا تمجد إلا تامزيرت، ولن تصنع لك وطنا مزيفا لا في بغداد ولا في دمشق ولا في مكة ولا في باريس ولندن.
الأمازيغية كانت طيلة قرون في جنوب المتوسط، تتحرك بمياهه وتتموج على سواحله، وتسافر مع قوافل الصحراء، ولكنها لا تغترب ولا تنكمش، هي تنفتح لكي تزدهر وليس لكي تنكسر، ومعناه أن الانفتاح ضروري وحتمي ولكن ليس من أجل الذوبان، إنه في سبيل التبادل.

حين يعود المغاربة إلى ذواتهم، والعناية بأنفسهم وخدمة بلادهم تامزيرت، سيكتشفون أن النبوغ لن يكون إلا مغربيا.
وصناعة هذا النبوغ من جديد، يتحتم علينا أن نكون بعد هذه الأزمة في مستوى تطلعات بناء تامزيرت وتحصينها وحمايتها، وشروط هذا البناء والانتماء إلى تامزيرت هي العدل والمساواة واقتسام الثروة والعيش المشترك، هذه بعضا من قيم تامزيرت…..
تامزيغت لن يعاد لها الاعتبار إلا في تامزيرت.
تامزيرت لن تزدهر وتتقدم إلا بتامزيغت.


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments