من هم أحفاد ليوطي الحقيقيون؟


بقلم : الراحل محمد منيب

يوليوز 2006

مر على صدور ظهير 16 ماي 1930 المتعلق بالمحاكم العرفية خمسة وسبعون سنة، وخمسون سنة على استقلال المغرب. ومازال الكتاب المدرسي الذي ينبغي أن يكون نبراسا للموضوعية والأمانة العلمية واحترام الحقائق التاريخية يتطرق لهذا الموضوع بطريقته المعتادة المتحيزة، وذات الطابع العرقي الهادف إلى النيل من الأمازيغ، بتركيزها على أسطورة السياسة البربرية الفرنسية وزعمها أنها كانت ترمي إلى فصل “الأكثرية العظمى” (وتعني بها الأمازيغ) من الشعب المغربي عن العرب، بقصد فرنستهم وتنصيرهم وإدماجهم. وسنحاول من خلال هذا العرض معرفة ما إذا كانت هناك سياسة بربرية لفرنسا بالمغرب، وفي حالة التأكيد ما هو مضمون هذه السياسة؟

قبل كل شيء ماذا يقصد بالسياسة؟ وفي أي مستوى تتقرر؟

فسر معجم لا روس (Larousse) “السياسة” بمجموعة من الاختيارات تتخذها، إما بصفة انفرادية أو جماعية، حكومة دولة في المجالات الخاصة بسلطتها، وكذا التخطيط المترتب عن هذا الاختيار. كالسياسة الفلاحية أو التعليمية الخ…

إذن لتنسب سياسة ما لدولة معينة ينبغي أن يتم تقريرها وتخطيطها في أعلى مستوى وهو المستوى الحكومي.

وسنحاول الآن معرفة موقف السلطتين المغربية والفرنسية من الضجة المفتعلة حول صدور ظهير المحاكم العرفية، وما إذا كان لأطروحة المناوئين للظهير، والتي يتمسك بها الكتاب المدرسي حظ من الصحة.

لما زار رئيس الجمهورية الفرنسية كاستون دوميرك Gaston Doumerg المغرب بعد صدور الظهير بستة أشهر، تم استقباله من طرف سلطان المغرب بقصره في 16 أكتوبر 1930 وألقى بالمناسبة خطابا نورد منه هذه الفقرة: “إن هناك مجالا تمتنع فرنسا من الغوص فيها، وهو مجال الضمائر. إن احترام المعتقدات والعادات والتقاليد للشعوب التي تمدها فرنسا بمساعداتها قاعدة لم يسبق لفرنسا أن تخلت عنها، وينبغي للمرء أن يجهل كل شيء عن تاريخ فرنسا ليعتقد أنها ستتنكر بالمغرب للسياسة التي سلكتها بنجاح منذ قرن بشمال افر يقيا. إن الفصل الأول من المعاهدة المبرمة في 30 مارس 1912 بين حكومة الجمهورية الفرنسية وحكومة صاحب الجلالة الشريفة تنص على إأن النظام الجديد القائم بالمغرب سيحمي ممارسة الديانة الإسلامية وكذا المؤسسات الدينية وأتخذ جلالتكم شاهدا على أن هذا الالتزام العلني سيحترم بأمانة”.(1)

ويستنج من هذه الفقرة أنه لم توجد هناك قانونيا سياسة بربرية فرنسية ترمي إلى ما ادعاه المناهضون للظهير، لأن أعلى سلطة فرنسية، وهي رئيس الجمهورية، نفت هذه التهمة علانية وفي حفل رسمي. ومنطقيا لا يمكن لدولة علمانية، وبطبيعة الحال دون دين رسمي لها، القيام بنشاط تبشيري داخل أو خارج حدودها من غير أن تتنكر لنفسها وتحطم إحدى دعائمها الأساسية. لذا يستحيل على الجمهورية الفرنسية العلمانية الإقدام على ما نسب إليها، استحالة قيام المملكة العربية السعودية الوهابية بتشجيع العلمانية بترابها أو عبر العالم.

وهذا لا ينفي وجود البعثات التبشيرية والكنائس المنتمية لدول أوروبية وأمريكية بالمغرب في عهد الحماية، هذا الوجود الذي مازال مستمرا حتى الآن، وذلك انطلاقا من النصف الثاني من القرن التاسع عشر حيث كانت الحكومة المخزنية تضمن لهذه البعثات الأمن وحرية مزاولة نشاطها.

وذكر الجاسوس والمبشر الفرنسي شارل دو فو كو CHARLES de FOUCAULD في كتابة “التعرف على المغرب RECONNAISSANCE DU MAROC عن هذه الفترة “أن البلاد منقسمة إلى منطقتين إحداهما خاضعة للسلطات بكيفية فعلية، تسمى بلاد المخزن، في وسع أي أوروبي أن يتنقل بها علانية وفي كل أمن، والأخرى تمثل ما بين أربعة أو خمسة أضعاف بلاد المخزن تسكنها قبائل مستقلة أو غير خاضعة لنفوذ الملك، يستحيل على الأوربي أن يضع بها أقدامه إلا متنكرا، وهذه المناطق مغلقة تماما في وجه المسيحيين، ويستحيل عليهم الدخول إليها دون اللجوء إلى حيلة أو المخاطرة بحياتهم. فسكانها يرون في كل أوروبي جاسوسا موفدا للتعرف على البلاد ومعاينتها لغزوها، لذلك يجب قتله”.(2)

ومن الجانب المغربي ندد السلطان محمد يوسف مرتين الأطروحة وشجب مروجيها.

المرة الأولى في رسالته المؤرخة في 11 غشت 1930، والتي قرأها أئمة المساجد في خطبة الجمعة المصادفة لعيد المولد النبوي، والتي تقول عن أصحاب “اللطيف” بأنهم مجرد “صبيان لم يبلغوا الحلم، ولبئس ما صنعوا وما أشاعوا من أن البربر بموجب الظهير الشريف تنصروا وما دروا عاقبة فعلهم الذميم وما تبصروا”(3).

والثانية في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة استقباله لرئيس الجمهورية الفرنسية، والذي لمح فيه لسلوك أولئك المضللين معلنا: “إنه واثق من النية العميقة التي تنبعث منها السياسة الفرنسية تجاه المسلمين. وكلما حاول البعض تشكيكه في ذلك يوجه أنظاره نحو المدارس والمساجد التي تم إنقاذها من الخراب بفضل المساعدة الفرنسية التي مكنت المغرب من إعادة تنظيم مالية البلاد. وإن هذا الإنجاز استطاع أكثر من المساعدات المادية التي تضمنها الحماية لمنجزات المغرب أن يؤثر في قلب جلالته وأن يكسب لفرنسا اعترافه المطمئن”.(4)

وقد تم بالفعل في عهد الحماية إصلاح عدد من المدارس والمساجد من بينها جامعة القرويين بفاس ومسجد الكتبية بمراكش وحسان بالرباط والمسجد الكبير بتارودانت ومدرستي البوعنانية بفاس وبن يوسف بمراكش الخ…. إضافة إلى عدد من المآثر التاريخية المهمة بالبلاد.

وهكذا، فإن أعلى سلطة في البلدين قد كذبت الافتراءات التي الصقها عبد اللطيف الصبيحي وأتباعه بظهير تنظيم المحاكم العرفية وتشبثت وزارة التعليم بتلقينها للتلاميذ، متجاهلة السياسات الخطيرة المعتمدة في عهد الحماية، وفي مقدمتها اختيار دعم النظام المخزني المتعفن والاعتماد على المؤسسات التقليدية العميلة التابعة له لتحقيق الأهداف الاستعمارية، وإضفاء المشروعية عليها، بدل القيام بالإصلاحات الجذرية الضرورية لإصلاح الأوضاع وعصرنة المغرب وتطويره.

وواضع أسس هذه السياسة المبنية على الاعتناء بالنخب ليس سوى المارشال ليوطي الذي اتخذها العمود الفقري لسلطاته.

وكتب عنه كي دولانوي Gy Delanoe): إن ليوطي ملكي أريسطوقراطي نخبوي محافظ، وقبل كل شيء رجل نظام.(5). ونزعته الملكية جعلته يعطف على النظام الملكي بالمغرب حتى أنه كان يتوجه للسلطان مولاي يوسف بعبارة “سيدنا”، ويتصرف معه كأنه حقيقة سيده، معتبرا نفسه خادمه الأول(6).

ويتجلى هذا العطف بالخصوص في الرسالة التي بعثها ليوطي لصديقه فيكتور باروكان ((Victor Barrucand في سنة 1912 يخبره فيها بأنه منهمك في سلوك سياسة إسلامية، ولن ييأس من تحقيق هذا التناقض (لأنه مسيحي) من أن يجعل من مولاي يوسف سلطانا أكثر من سلطان، وأكثر نزاهة وأكثر شريفية (cherifien) من أولئك الذين سبقوه، بالسهر بدقة على الاحتفاظ على نزاهته(7).

وقد أورد جيل لافوينت كذلك بخصوص هذه السياسة فقرة من الرسالة التي بعثها ليوطي لنفس الشخص في 10 دجنبر 1922، والتي جاء في أحدى فقراتها ما يلي: “أؤكد باعتقاد متزايد أن قوتنا ومستقبلنا بالمغرب يعتمدان على سياسية محافظة تقليدية وتراتبية لا عن تطور ديموقراطي عصراني”.

ويعني بـ”التراتبية” الأخذ بعين الاعتبار الطبقات الاجتماعية المغربية وتفادي القيام بما قد يخل بترتيبها في سلم المجتمع المغربي ليبقى الأعيان أعيانا والصناع صناعا والفلاحون فلاحين، كما صدر عنه هذا التصريح: “إن المخزن السعيد والرؤساء المقربين يشكلون حوله (العرش) تاجا ساطعا بالجواهر النفيسة. وكلكم تعلمون مدى التزامي دوما بعناية، وكذا مساعدي، على أن تحترم التراتبات ويبقى الأشخاص والأشياء في موضعهم القديم، وأن يحكم من هم الرؤساء الطبيعيون ويخضع الآخرون”(8.

وهكذا أقدم ليوطي على تأكيد حق الطبقة الحاكمة في تمليك السلطة، معتبرا ذلك أمرا طبيعيا لأن هذه الطبقة رصدت في نظره لتولي الأمور، وأن أية محاولة لتغيير الأماكن المعهودة للأشخاص والأشياء يؤدي حتما إلى زعزعة النظام الذي خلقا (الأشخاص والأشياء) من أجله، وأن المصلحة تقتضي إبقاء الأوضاع على حالها واستغلالها في إطار ما هو منتظر منها.

وفي رسالة أخرى له بتاريخ 28 شتنبر 1917، أكد ليوطي مرة أخرى التأهيل الوراثي للنخب في تسيير شؤون البلاد، والأهمية البالغة التي يوليها لمساهمتها في تحقيق سياسته، نذكر من هذه الرسالة هذه الفقرة: “إن الحظ ساعد هذه الإيالة بأن وفر لها نخبة نيرة متميزة بأصولها وممارستها التقليدية والوراثية للسلطة، وكذا تعاطيها لتجارة عالية وللأعمال، إضافة لميولها للدراسة والتقدم. ونرجو الله ألا يحرمنا من مساعدتها النفيسة التي نقدر مدى قيمتها.”(9)

أما الباحث بيير فيرموران ( (Pierre Wermeren فقد أورد من جهته هذه التعليمات لليوطي بخصوص ولوج مدرسة الدار البيضاء العسكرية: “يجب أن يتم اختيار الضباط الأهالي بطريقة تمكنهم من أداء الخدمات المنتظرة منهم. ولهذا ينبغي أن يتحقق تجنيدهم في وسط نخب المجتمع المغربي ليعرف الجنود أنهم منتمون لأسر محترمة ذات نفوذ في البلاد حتى يتمتعوا لأول وهلة بسلطة معنوية تدعمها الدرجة العسكرية المحصل عليها”(10)

وليس غريبا في هذه الحالة أن تكون أعلى درجة حصل عليها المتخرجون من هذه المدرسة كتتويج لخدمتهم العسكرية في عهد الحماية من نصيب الجنرال الكتاني ويليه الكولونيل بنحيون.

وأخيرا أورد الجنرال سبيلمانSpillmann عن المارشال ليوطي أن هذا الأخير استدعاه وهو مازال فتى ضابطا للعمل معه في الإقامة العامة الفرنسية بالرباط. ولما اعتذر له معبرا عن رغبته في البقاء بالبادية، رد عليه المارشال بقوله: “رائع جدا أن تحب البادية ولكن إن لم تغادرها ستصبح أبله. إنني كذلك أحب الفلاحين البرابرة فهم محاربون مجدون وأقوياء، إلا أنهم لا يحكمون البلاد، والأهم هو المخزن الشريف، وأعني الحكومة وأعيان المدن التقليدية الذين تتشكل منهم الحكومة، وبالأخص الشباب المتطور والمثقف الذي يزودها بأجود الأطر”.(11)

وهكذا تتجلى بما لا غبار عليه نظرة ليوطي المستقبلية للأمازيغ، مع أنه يوصف بمبدع السياسة البربرية، التي قال عنها (شارل روبير أجرون Charles Robert Ageron) إنها تنحصر في تطوير البلاد في نطاق مؤسساتها التقليدية، أو ما عبر عنه المارشال بالتزامه بسلوك سياسة تقليدية محافظة، والتي تعطي الحظوة للأعيان.(12)

ولم يكن ليوطي يكتفي فقط بالاهتمام باستمالة النخب لمؤازرة مخططاته الاستعمارية وإضفاء المشروعية عليها، بل كان يولي عناية خاصة لتثقيف أبنائها لتخلف الأطر التقليدية للإدارات المخزنية وتلعب دور الوسيط بين سلطات الحماية والمواطنين، فأعد لها تعليما خاصا بها في إطار سياسته التعليمية النخبوية التقليدية.

هذه السياسة المتميزة بهذين البعدين:

1 ـ الأول يهدف إلى حرمان الجماهير من أي تعليم جدي. وهذا الاختيار التمييزي علله جورج هاردي مدير التعليم العمومي بمسألة أمنية في ملاحظته هذه: “إن أطفال الطبقات الفقيرة أكثر تقبلا للأفكار العصرية، وإن من بينهم، أكثر من صفوف البورجوازية، سيخرج الشباب ذوو العمامات المعادون لهيمنتنا”.

2 ـ البعد الثاني، ينطلق من سياسة الأعيان التي ترتكز على إعداد دعائم مغرب الغد في نطاق الوسط الاجتماعي للطبقة المتعاونة.(13)

وقد أكد ليوطي هذه السياسة في التصريح الذي نسبه إليه كاتبه الخاص ديدي مدراس ((Didier Madras، والذي جاء فيه ما يلي:

“إنني متيقن من أن هذا الشعب مازال مؤمنا بالتراتبات الاجتماعية. ولهذا توصلت بدون تردد إلى استنتاج أدى إلى إحداث نوعين من المؤسسات المدرسية.(14). النوع الأول: تعليم عال بالمقابل مخصص للنخبة الاجتماعية يمهد للالتحاق بإعدادية التعليم الثانوي لأبناء هذه النخب. والثاني يرمي إلى إحداث مدارس مهنية مجانية يتعلم فيها أبناء طبقات الصناع التقليديين والعمال النجارة والحدادة والأشغال اليدوية مع تلقي التعليم الابتدائي الضروري”.

وعلل هذا الاختيار بقوله:

“إن أبعاد سياستنا التعليمية تهدف إلى تكوين نخبة مثقفة يمكن التعامل معها على أن لا تفقد جذورها لتكون صلة وصل بيننا وبين الطبقات الأهلية.”(15)

ونتج عن هذه السياسة التعليمية النخبوية أن جل التلاميذ الذين تمكنوا من متابعة دراستهم في بداية الخمسينات بإعداديات عهد الحماية هم أبناء الأعيان، بصرف النظر عن الذين يلتحقون بالثانويات الفرنسية.

ولاحظ ريفي Rivet في هذا الصدد أن إعدادية مولاي إدريس المدشنة في سنة 1916 كانت أداة أعدتها يد ماهرة لتسلح ثقافيا جيل أنباء الأعيان، ومختبر عصرنة يفتح للنخب نافذة على العالم أجمع بحلقات محاضراته الليلية.(16). وكانت هذه الإعدادية لا تختلف عن الثانويات الفرنسية إلا في هوية التلاميذ الذين يلتحقون بها.(17)

ومنها تخرج محمد بن عبد الجليل المتنصر بباريس سنة 1927 حيث أرسله ليوطي ليتابع دراسته بجامعة السوربون، وأصبح أحد رجال الكنيسة بهذه المدينة، وكان أخا لعمر بن عبد الجليل أحد مؤسسي حزب الاستقلال.

في حين ينحصر دور إعدادية “أزرو البربرية” المخصصة لأبناء الأعيان بالمناطق الجبلية لتخريج أعوان التنفيذ بمكاتب الشؤون الأهلية بالقرى المغربية، وكذا المرشحين للمدرسة العسكرية. وبذلك كانت آفاقه محدودة.

وقد أدت هذه السياسة التعليمية النخبوية والسلبية بالنسبة للطبقات الشعبية الأهداف المرسومة لها بأن ساعدت الأسر المخزنية المتعاونة على تثقيف أبنائها وتأهيلهم ليلعبوا دور الوسيط المتميز الذي لا غني عنه، ومكنتهم هذه الوضعية من تسلم مقاليد الحكم غداة الاستقلال والاستيلاء على مراكز القرار في ا لقطاعين العمومي والخاص.

وماذا استفاد الأمازيغ من فترة الاحتلال بعد معاناتهم على مدى ربع قرن تقريبا، من 1912 حتى 1934، من ويلات السياسة البربرية بمعناها الهمجي الذي مارستها فرنسا ضد القبائل الأمازيغية المجاهدة بكل من الأطلس الكبير والمتوسط والصغير والريف، مستعملة في معاركها العسكرية كل وسائل التقتيل والتخريب والتشريد والتهجير؟ هذه الفترة التي اغتنمها العملاء لإنماء ثروتهم وتقوية نفوذهم وتثقيف أبنائهم حتى أن سلطات الحماية كانت تنعتهم بمفخرة سياسة ليوطي التعليمية. وزمرة من هؤلاء الأبناء الروحيين للمارشال ليوطي الذي كان يسهر على تعليمهم وتوظيفهم هم الذين ساروا في ركاب ندهم عبد اللطيف الصبيحي الموظف بالإقامة الفرنسية بالرباط بعد تلقي تكوين بفرنسا، حيث أوفده أبوه الروحي، ليبادروا إلى الطعن من الخلف في من يصفهم آباؤهم بـ”الفجار” المتمردين، في وقت كان يضحي فيه هؤلاء من أجل إعلاء راية الإسلام والذود عن كرامة البلاد، وذلك ليخلو الجو لهم، هم الأبناء الروحيون لليوطي، بعد أن ينحوا من الساحة من يخشون منافسته.

الجواب على هذا السؤال أتى من المستشرق ومفتي حزب الاستقلال جاك بيرك(*) بملاحظته هذه: “إن سياستها (الحماية) مستوحاة بكل بساطة من محمية وطنية تكون قبائلها سيكويانا (*) (nos sequoias) ليبقى بربرنا متوحشين شرفاء يستحقون العطف والاحترام . غير أن الوسيلة الوحيدة لترقيتهم لن تتعدى الحصول على رتب في الجيش”.(18)

وهكذا نرى ليوطي وجاك بيرك، رغم تباين آرائهما ومواقفهما حول السياسة الفرنسة بالمغرب، متفقيْن على وضعية الأمازيغ خلال فترة الاحتلال، هذه الوضعية المتمثلة في الإصرار على تهميشهم وإبعادهم عن الحياة السياسية للبلاد وعدم اتخاذ أية مبادرة لإسهامهم في تسيير شؤون المغرب، لتأتي أطروحة “الظهير البربري” لتعزيز هذا التهميش مع حرمان أبنائهم من التعلم. النهج الذي كان يسهر على تنفيذه مدير ليوطي للتعليم العمومي في إطار مخطط تقليص تعليم أبناء الطبقات الشعبية، وكما أوصى بذلك الكاتب الكولونيالي روني أولوج ((René Euloge مؤلف كتاب أبناء الظل الأخيرون ((Les derniers fils de l’ombre عن سكان مناطق جبال الأطلس الكبير، وحذر فيه فرنسا من “ارتكاب خطأ فادح إن حاولت تثقيف أبناء تلك المناطق، ناصحا بمدهم بالنعال والمحاريث بدل منحهم الشهادات، معتبرا أن الأمازيغي بدائي وينبغي التعامل معه على أساس هذه الصفة والتحدث معه عن الغنم والشعير والسكر والشاي بدل التعليم، لأنه إذا تثقف سيصبح من الصعب إرجاعه للأشغال الفلاحية أو حانوت أبيه”.(19)

وهنا يطرح السؤال: من هم أحفاد ليوطي الحقيقيون؟

*****

*****

*لما أعلن الحسن الثاني في20 غشت 1994 عن قراره بتدريس الأمازيغية، بادر حزب الاستقلال إلى استفتاء جاك بيرك حول المسألة، وأفتى هذا الأخير بعدم تدريس الأمازيغية بفاس. فنشر الحزب هذه الفتوى في جريدة العلم لتأييد موقفه المناهض للأمازيغية.

* سيكويا في الأصل اسم رئيس قبيلة من قبائل الهنود الحمر، وصار يطلق على صنف من الأشجار بكاليفورنيا بالولايات المتحدة، وهي كبيرة الحجم علوها يتجاوز 110 مترا ويبلغ عمرها 2000 سنة. ولوقايتها من الانقراض أصبحت منطقتها محمية.

المراجع :

1-4-7-8-Gilles lafuente “la politique berbère de France et le nationalisme marocain p.p 213–212–31–3.

19-3-2-محمد منيب – الظهير البربري أكبر أكذوبة سياسية في المغرب المعاصر ص.91-64-60.

Guy Delanoë –Lyautey Juin, Mohamed-V- p.p 18-19- -9-5

10–17 Pierre Wermeren –Ecole, élite et pouvoir .p.83–75

11-Mustapha El Qadiri –«les sciences sociales» des affaires indigènes au Maroc.p.19

6-13-15-Abou Elkacem Elkhatir (Afulay) *nationalisme et construction culturelle de la nation au MAROC. Processus et réactions.p.p122–123–124

Didier Madrasse. Dans l’ombre de lyautey.p.25-14

16-D.Rivet de Lyautey à Mohamed V .p.251.

12-Charles Robert Ageron –la politique berbère du protectorat français .p.116.

18-Mohamed ben lahcen – Moha Ou Hmmou zayani .p.168.


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments