الأمازيغية والإشكال الهوياتي


شكل إصلاح دستور المملكة المغربية سنة 2011 لحظة مفصلية في إعادة تعريف جديد لإشكالية الهوية الثقافية، مبني على معطيات سوسيو- ثقافية وتاريخية تتطابق مع خصوصية المجتمع المغرب.

كان المطلب الهوياتي حاضرا إبان الحراك الشعبي أو ما أطلق عليه بـ” ربيع الشعوب” في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط وكذلك الأمر بالنسبة للمغرب، ويعود الفضل في ذلك للحركة الأمازيغية التي أثارت هذا الإشكال وكانت في طليعة الحاملين لهذا المطلب، لاعتبارات تعود إلى طبيعة دفتر مطالبها التي ناضلت عليها طيلة أربعة عقود من الزمن.

لقد تفاعل الإصلاح الدستوري مع المطلب الهوياتي، وهكذا أعادت الوثيقة الدستورية تصحيح هذا الإشكال من خلال التنصيص في ديباجة الدستور على أن “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”.

كما وضع المشرع في نفس الديباجة الدين الإسلامي فوق باقي مكونات الهوية وربط ذلك بالإيمان والتشبث بقيم كونية “الهوية المغربية تتميز بتبويء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء”، ويرجع ذلك إلى خصوصية النظام السياسي الذي يشكل الدين الإسلامي أحد مصادر شرعيته وحكمه بالمغرب، ويعتبر الملك أميرا للمؤمنين يحتكر تدبير المجال الديني.

والأكثر من ذلك لم يكتف المشرع الدستوري بالديباجة، بل نص الفصل الخامس من الدستور الذي يحصن هذه الهوية الثقافية مؤسساتيا على إحداث “المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية” كمؤسسة وطنية دستورية مرجعية تعمل على بلورة السياسات العمومية المتعلقة باللغات ومختلف التعبيرات الثقافية الوطنية. وتكمن أهمية هذا المجلس في كون المشرع الدستوري خص له قانونا تنظيميا ينظم صلاحياته وتركيبته وكيفيات سيره.

كما أقر لهذه الهوية مشروعية دولية مرتبطة بحقوق الإنسان من خلال التأكيد في ديباجة الدستور على سمو المواثيق والمعاهدات الدولية على التشريعات الوطنية “جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة”.

أقر دستور 2011 مفهوما جديدا للهوية الثقافية يصحح ما تضمنته مختلف دساتير المملكة منذ أول دستور لها سنة 1962 إلى دستور 1996، على الرغم من تشبث المغرب بمبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا ومصادقته على مجموعة من الاتفاقات الدولية لا تخرج على ثنائية “العروبة والإسلام”، مما جعله مفهوما ناقصا لا ينسجم في العمق مع الثقافة والجغرافيا والتاريخ، ناكرا بذلك مختلف الأبعاد والروافد التي تشكل مصدر غنى وقوة هوية متعددة في إطار الوحدة والانسجام.

عرف المطلب الهوياتي بالمغرب، تاريخيا، إنكارا من قبل أحزاب الحركة الوطنية وكذلك من قبل الملك الراحل الحسن الثاني، لعوامل متعددة سبق لنا أن تطرقنا إليها بتفصيل في مؤلفنا الجديد “المسألة الأمازيغية بالمغرب… من المأسسة إلى الدسترة”.

لكن دينامية الحراك الشعبي وتداعياته على المغرب من خلال حركة “عشرين فبراير”، دفعت الملك محمد السادس إلى أن يبادر إلى تصحيح هذا الإشكال من خلال خطاب التاسع من مارس سنة 2011، وبعد ذلك جاءت لحظة “دسترة” الثقافة واللغة الأمازيغية في خضم المراجعة الدستورية لسنة 2011، والتي شكلت للدولة حسب تعبير الدكتور عبد اللطيف أكنوش “فرصة للتذكير الدستوري بالأصول الثقافية للمغرب والمغاربة والمتجسدة في الأمازيغية والعربية والحسانية والعبرانية للتعبير عن التنوع الثقافي للمغرب كما كان منذ 740 ميلادية، بل وحتى قبل هذا التاريخ بكثير”.

إن اختبار مصداقية المفهوم الجديد للهوية الثقافية المغربية من لدن الدولة يجد جوابه مستقبلا في كيفية تنزيل “المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية”، وكذلك في طبيعة السياسات العمومية التي سيتم تسطيرها للنهوض بكل مقومات الهوية الوطنية الموحدة، في أفق إقرار عدالة ثقافية ولغوية كأساس دولة الحق والقانون في زمن أصبحت فيه الثقافة مؤشرا قويا ودالا على دمقرطة الفاعلين والمؤسسات.


1 Commentaire
Inline Feedbacks
View all comments
سوس .م .د

بداية القرن العشرين كانت نسبة الأمازيغ حسب إحصاء المستعمر الفرنسي 98 في المئة من الشعب .ثم تحولت حسب إحصاء الدولة العروبية العرقية إلى 27 في المئة بعد بضعة عقود وكأن الأمازيغ تبخروا (بدلناهم تبديلا) . العقل السليم يرفض التناقض و الخرافة . منذ منتصف القرن العشرين و اللوبي العروبي ينشر خطابه لتغليط الشعب واستحماره لأغراض سياسية قومجية عربية .دمر الأمازيغية وحاصرها ونشر اكذوبة أن من يتكلم الدارحة فهو عربي . لكن الشباب الذي يخطبه ذئاب العروبة التوسعية اليوم له فكرة أخرى .يرفض من يضحك عليه ، يدبر الخطاب العرقي العربي بالعقل والمنطق و يفكك نواياه الخبيثة بجودة التحليل العلمي و… Lire la suite »