موت أباعمران يعمق الجراح بين الدولة والأمازيغ
لم نر صور وزير الثقافة تتطاير على منصات التفاعل الفوري ولا على مواقع اليكترونية، ولم نر ايضا، رئيس الحكومة ولا أي رجل دولة، يزور الفنان محمد اباعمران قيد حياته، ولا يمشون في جنازته بعد مماته، ولم ترسل إلى حد الآن جهة رسمية تعزية لعائلته والى جمهوره.
هذا الفنان، العبقري الذي تدرج عن كل الفنون، وتعلم كل الايقاعات، قارعها وهو شاب، بالكاد لم يتجاوز 20 سنة وهو المزداد في سنة 1932، قادته سياحته الفنية الشبابية إلى مسارح إيسوياس داخل مختلف قبائل سوس وتاصورت والحوز ثم وصولا بساحة جامع الفنا، حيث يتعلم جل الفنانين، مهن الفنون والايقاعات، استلهمه عالم الحلقة، واقتحمه المرحوم بكل عفوية وعنفوان.
توفي محمد أباعمران، وصورته تبقى عالقة في كل أذهان جمهوره الغفير، بصوته الجهوري وحنجرته الذهبية، وملامح وجهه التي ترسم حروف الوقر وخطوط الشجاعة والنخوة وقوة الشخصية، صفات تضفي عليها عمامته السوداء التي يضعها دائما على رأسه، حنكة وشموخ قيم إنسان الصحراء، وهو إبن قبيلة آيت رخا، احدى فروع صنهاجة الرمال. صورة أباعمران هي نتاج ضروب الجغرافيا في مسيرة التاريخ، هو حفيد الجيتول، سليل الأمازيغ القدماء، الذين نقل عنهم الاغريق والرومان الشكل الهندسي للمسارح الثقافية الكبرى، المأخوذ من أسايس، وفلسفته.
مسار بوتفناست غريب الاطوار، عاش حيوات متعددة ومتجاذبة في حياة واحدة، جمع ذوات كثيرة في ذات واحدة، إنه كينونة فنية قائمة. هو خريج مدرسة أحواش بامتياز، وتمرس في معاهد الحلقة المفتوحة، منها صقل موهبته في التمثيل والفكاهة والسخرية، ثم اختمرت تجربة الفنان في جامعة تيرويسا، حيث انفجر الابداع في روعة بوسالم الخالدة، التي رسم بها محمد أباعمران مجدا فنيا لا يناقش، في زمن يصعب فيه على فنان المغامرة ويتجه إلى الاستوديو لتسجيل أغنية، بسبب وجود عمالقة الروايس في الساحة الفنية، امثال واهروش، والبنسير وبيزماون وآخرون…أباعمران الذي يعني الشجاع تجرأ واقتحم أسايس وكان له النجاح الباهر.
لقد مات محمد اباعمران، ولكن الرجل خلد اسمه في التاريخ، كمؤسس للسينما الأمازيغية، في عمله الخالد بوتفوناست…وهو الفيلم الاسطوري، الذي لن يمحوه التاريخ، ليس كممثل وبطل الفيلم فحسب، ولكن نجاحه أيضا في الفكرة والسيناريو والحبكة، مادام أن الفنان قد سبق له أن سجل قصة بوتفوناست في شريط صوتي منذ عقد السبعينيات….إنه الفنان الوحيد الذي تفوق على غيره، بتعدد الابعاد والاوجه الفنية، مارس الحلقة وفن الفكاهة، تفنن في تيرويسا بالعزف والاداء والغناء واللحن والتأليف، ثم مارس أيضا السينما واتقن التمثيل ايما اثقان، واستحق لقب البطل.
وماذا تريدون، وما الذي تطلبونه بعد كل هذا يا وزير الثقافة والاتصال ؟
فعلا؛ بعد كل هذا، همش الفنان في الحياة والممات، المشكل الحقيقي انه يبدع بلغته الأم، الامازيغية، ومع احترامي التام لجميع الفنانيين، فإن الدولة تهتم وتنعي في وفاة فنانيين اقل بكثير من مسار وتراكم وحضور وانتاج محمد أباعمران، ولكن يتلقون الاهتمام البالغ، ويحظون بالزيارات، آخرها التي قام بها وزير الثقافة والاتصال الحالي…للاسف ليس أن الوزير والحكومة لا تعرف عنوان إقامة الفنان ولكن لانهم لا يعرفون الفنان، أو لا يريدون أن يعرفوه،وما بالك بزيارته والاهتمام به، والاحتفاء به.
في كل مرة، يتوفى فنان امازيغي سواء في الشمال او الجنوب او الوسط، تقابله الدولة بالصمت والتجاهل، هل الدولة لا تهتم الا بالفنانيين والفنانات الذين يتكلمون او ينتجون بتعبير معين دون اللغة الأمازيغية الوطنية والرسمية.
هذه سلوكات موروثة عن العقل القديم للدولة المغربية التي كانت تعتبر الثقافة الأندلسية هي ثقافة الدولة الرسمية وثقافة النبلاء…قد قطعت الدولة اشواطا مهمة في الاعتراف باللغة الرسمية ولكن هذا الاعتراف يجب ان لايكون بالتقسيط، وإنما يجب ان يكون اعترافا شموليا معزز بسياسة متينة وواضحة في تدبير التعدد الثقافي واللغوي..وقبل هذا وذاك فالدولة تنتظرها مصالحة حقيقية مع الأمازيغ، وأفضل مراحل هذه المصالحة أن تبدأ بمصالحة الفنانين وانصافهم …
مناضل أمازيغي وإعلامي وكاتب وباحث في التاريخ