الحسن زهور: الأمازيغية لغة دولة بورغواطة المنسية
تعرضت الدولة البورغواطية في المغرب لحيف تاريخي كبير قديما وحديثا:
قديما، لا يفسر هذا الحيف إلا بكون هذه الدولة ابتعدت عن الدين المهيمن في مساحات واسعة جدا من العالم آنذاك ابتداء من الأندلس وشمال أفريقيا إلى حدود الصين وهو الدين الإسلامي. أنشأت دولة بورغواطة كيانها السياسي وشرعت لدينها الذي اعتبر زندقة وضلالا من لدن الجميع، أي من لدن الدول والإمارات المحيطة بها كالأدارسة وبني مدرار بسجلماسة، والأمويين بالأندلس، وإمبراطورية المرابطين والكل حاربها إلى أن قضى عليها الموحدون بعد 350 سنة من وجودها.
حديثا، يفسر هذا الحيف بكون هذه الدولة لا تساير هوى الأيديولوجيات المهيمنة في المغرب بعد الاستقلال القومية منها أو السلفية أوالإسلامية..
أورد عبيد الله البكري القليل من أخبار هذه الدولة، وعن بعض زعمائها وعن نبيها صالح بن طريف وديانته وبعض طقوسها، وعن كتابها المقدس( قرآنها) بالأمازيغية الذي يتلونه في صلاتهم ويأخذون بأحكامه وشريعته. .
لكن رغم الطول الزمني الذي عاشته هذه الدولة ( أكثر من 350 سنة إلى أن قضى عليها الموحدون) لم يصلنا أي من كتبهم الدينية ولا الأدبية لنعلم أدب وثقافة وديانة هذه الدولة، لكن ما نعلمه حسب المؤرخين أن كتابهم المقدس كان بالأمازيغية وبالتالي فستكون شروحاته وكل ما يتعلق بشريعته وكتبه باللغة الأمازيغية.
الإشارة التي وردتنا في بعض كتب التاريخ والتي لم ينتبه إليها الكثير من المؤرخين المعاصرين أو لم يريدوا الانتباه إليها، هو أن لغة الكتابة في الدولة البورغواطية هي الأمازيغية، لكن ما هو الخط الذي اعتمدت عليه؟ لا ندري.
هذه الإشارة أوردها المؤرخون الذين عاصروا هذه الدولة أو كانوا قريب العهد بزوالها بطريقة غير مباشرة، منهم عبيد الله البكري وابن عذارى، حيث ذكر هذان المؤرخان سفارة سفير دولة بورغواطة لدى الحكم المستنصر بالله في الأندلس، والخليفة المستنصر حسب هذين المؤرخين احتاج إلى من يترجم له كلام سفير بورغواطة باللسان العربي، بمعنى أن السفير البورغواطي لا يتقن العربية، وهذا يجرنا إلى القول بأن دولة بورغواطة اعتمدت على اللغة الأمازيغية في تعاملاتها داخل حدودها، إضافة إلى ما قاله المؤرخون من إن كتابها المقدس كان بالأمازيغية وما يتبع الكتاب من كتب تشرحه وتفصل في شريعته.
الإشارة التاريخية كما أوردها عبيد الله البكري المتوفى سنة 487ه وبعده المؤرخ ابن عذاري المتوفى سنة 712ه:
يقول البكري في شأن هذه السفارة: أخبر أبو صالح زمور. . وكان صاحب صلاتهم، حين قدم على الحكم المستنصر بالله رسولا من قبل صاحب بورغواطة أبي منصور بن عيسى.
وكان وصوله إلى قرطبة شوال سنة اثنين وخمسين وثلاثمائة وكان المترجم عنه، بجميع ما أخبر به الرسول الذي قدم معه، هو أبو موسى عيسى بن داود بن عشر السطاسي من أهل سلة مسلم من بيت خيرون بن خير كتاب المسالك والممالك، تحقيق جمال طلبة، الجزء الثاني ص 318. طبعة 2003، دار الكتب العلمية، بيروت.
ويقول ابن عذاري: وفي سنة 352، وفد على الحكم المستنصر بالله أبو صالح زمور البرغواطي رسولا من أمير برغواطة أبي منصور بن أبي الأنصار، وذلك في شهر شوال من هذه السنة. وكان المترجم عنه باللسان العربي عيسى بن داود السطاطي فسأله الحكم عن نسب برغواطه ومذهبهم، فأخبره. كتابه: البيان المغرب في اختصار أخبار المغرب والأندلس، تحقيق بشار عواد معروف ومحمد بشار عواد، الجزء الأول، ص 237- 238, مطبعة دار الغرب الإسلامي، تونس، 2013.
فإذا كان السفير لا يعرف العربية، وهو العالم بأمور دين بورغواطة حسب المؤرخ البكري، والعالم يجب أن يكون ملما بأمور دينه، قارئا، وشارحا ومؤلفا. . فأية لغة هذه التي يكتب بها السفير العالم إذا كان لا يتقن العربية؟ أليست هذه اللغة هي لغة دولته؟ إذا عرفنا أن دولة بورغواطة ازدهرت فيها العلوم خصوصا علوم الفلك وهو ما أشار إليه المؤرخ البكري عن علوم بورغواطة حين كتب عنها: وهناك العلم العظيم عندهم ص 323 من نفس الكتاب. وبأية لغة ستكتب هذه العلوم إن لم تكن اللغة الأمازيغية! وسفيرهم الممثل لدولتهم إلى الأندلس لا يعرف العربية أي أن دولته لا تستعمل العربية.
باحث وناقد و روائي أمازيغي ومن أكبر المساهمين في دينامية الكتابة الأدبية الأمازيغية. أصدر أول عمل أدبي سنة 1994 بعنوان «موزيا»، وهو مجموعة من الحكايات المشهورة في منطقته بالجنوب الشرقي. وأصدر بعدها أربعة مجاميع قصصية ورواية، كما ترجم قصة «المعطف» للكاتب الروسي نيكولاي غوغول إلى الأمازيغية.
[…] الحسن زهور: الأمازيغية لغة دولة بورغواطة المنسية – الح… […]