الأمازيغية، التعليم والمجلس الوطني للغات والثقافة
من خلال تحليل مسار تفعيل المقتضيات الدستورية والقانون التنظيمي للأمازيغية، وإدماجها في منظومة التربية والتكوين وبقية مجالات الحياة العامة، يتأكد بكل وضوح أن الإخفاق الذي راكمته التدابير الحكومية والمقاربات والإجراءات السابقة لن يتم تداركه وتحقيق التقدم المطلوب إلا بالشروع بتدريس الأمازيغية بسلك التعليم الثانوي، وبإرساء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية باعتباره مؤسسة دستورية مستقلة حددت مهامها في مواكبة واقتراح ودراسة وتقييم الإجراءات والتدابير الكفيلة بذلك.
انطلاقا من هذا الاستنتاج الموضوعي وخبرتنا في الملف، نؤكد على ما يلي.
إن تعميم تدريس الأمازيغية لن يتحقق بسلك الابتدائي، فبعد مرور 20 سنة على بداية الإدماج، وصدور العديد من المذكرات الوزارية التي لم تنفذ، وعلى الرغم من المقاربة التدبيرية التي يعمل بها الوزير الحالي والتي يتتبع من خلالها تنفيذ المشاريع والإجراءات الوزارية، فإن تنفيذ المذكرة 28/23 التي صدرت مؤخرا سيبقى محدودا. ونظرا لأسباب وعوامل عديدة سيلقى نفس أشكال التحايل والتعاطي الإداري التي عرفها تنفيذ المذكرات السابقة.
المدخل والإجراء الأساسي والبديل الذي يجب أن يعتمد حاليا هو الشروع في تدريس الأمازيغية بسلك التعليم الثانوي، بالموازاة مع الابتدائي، وإصدار مرسوم تطبيقي للقانون التنظيمي وليس مذكرة وزارية، والرفع من مناصب التوظيف وتعيين أساتذة التخصص أمازيغية بالثانوي.
ويجب التنبيه إلى أن خرق هذه المذكرة لمقتضيات القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بتمديد الآجال بـ5 أو 6 سنوات إضافية، يمكن أن يكون بداية التملص من مقتضيات القانون التنظيمي في بقية مجالات الحياة العامة وتمديد الآجال إلى 20 و30 سنة؛ وهو ما يتنافى والتزامات الدولة الساهرة على تطبيق الدستور والقوانين التنظيمية المتممة له.
المؤسسة الدستورية والمستقلة التي أوكل لها الدستور والقانون التنظيمي الخاص بها مهام دراسة واقتراح التوجهات الاستراتيجية والبرامج الكبرى اللازمة لتنفيذ المقتضيات الدستورية في الشأن اللغوي والثقافي، ومواكبة إعداد والبت في مقترحات ومشاريع القوانين والنصوص التنظيمية ذات الصلة، وتقديم إلى الحكومة التدابير التي يتعين اتخاذها من أجل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ورصد وتحليل وتتبع وضعية اللغة الأمازيغية وإعداد تقارير في شأنها….هي المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. وفي غيابه وعدم إرسائه ستظل الأمازيغية تتخبط في دوامة القرارات والمخططات والمذكرات التي لن تنفذ…
يمكن أن يتغير المخطط الحكومي الحالي ومقاربة الوزارة لتدريس الأمازيغية بمجرد تغيير حكومي أو تغيير الوزير، وجميع الوزراء السابقين أصدروا مذكرات لم تنفذ، ورئيس الحكومة السابق قدم مخططا حكوميا في آخر ولايته وقدمت الحكومة الحالية مخططها…
بمعنى أن تنفيذ المقتضيات الدستورية والقانون التنظيمي صار شأنا حزبيا ومرتبط بالانتخابات، وهذا هو المأزق وأصل الإشكالات التي تواجه الأمازيغية؛ في حين أنه شأن استراتيجي يهم الشأن اللغوي والثقافي والهوياتي الوطني، من مسؤولية الدولة حسن تدبيره وتفعيل المقتضيات الدستورية والقانونية الخاصة به.
باحث في الشأن الأمازيغي، رئيس الجامعة الصيفية أكادير