نشطاء: حصر استمارة اللغات في 20 % من الأسر يستهدف الأمازيغية
ما يزال الإحصاء العام للسكان والسكنى بالمغرب يثير الكثير من ردود الفعل والتساؤلات في صفوف المتابعين والمختصين في اللغة والثقافة الأمازيغيتين على الخصوص، آخر هذه الردود تهُم اعتماد المندوبية السامية للتخطيط استمارتيْن مختلفتيْ المضمون والغرض؛ الأولى قصيرة والثانية مطولة، ما اعتبره متابعون “إجراء غير دقيق لن يعطي نتائج دقيقة”.
واهتدت المندوبية إلى حصر توزيع الاستمارة المطوّلة في عملية الإحصاء على 20 في المائة من الأسر، وهو ما قوبل بالرفض من قبل عدد من النشطاء والمتتبعين للموضوع الذين أثاروا إشكالية كون هذه الاستمارة تتضمن أسئلة حول اللغات الأم والمقروءة والمكتوبة كذلك يجب تعميمها على الأسر المُستجوبة من قبل فرق الإحصاء.
المعلقون على هذا الموضوع كشفوا أن “عينة 20 في المائة من الأسر لا يمكنها أن تعطينا أبدا نتائج واقعية في هذا الصدد؛ فمبدئيا كان على المندوبية إقرار استمارة مطولة واحدة تُضمّنُ داخلها الأسئلةُ حول اللغات. هذه المنهجية غير الدقيقة وغير العلمية لن تعطينا معطيات دقيقة حول الواقع اللساني والثقافي، في وقت لا تتضمن الاستمارة القصيرة الموجهة إلى جميع الأسر أسئلة حول هذه المسألة الحساسة”، داعين المندوبية السامية للتخطيط إلى “توضيحات عاجلة لخطورة الأمر”، حسب تعبيرهم.
“استهداف للأمازيغية”
متحدثا عن الموضوع، قال عبد الله بوشطارت، عضو مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي، إن “اعتماد استمارتين في الإحصاء العام لهذه السنة غير مفهوم، وإدراج أسئلة حول اللغات ضمن الاستمارة المطولة التي تشمل فقط نسبة 20% من السكان، وعدم إدراجها في الاستمارة القصيرة التي تشمل جميع السكان المغاربة بدون استثناء، نعتبره إجراءً غير منصف وفيه إجحاف كبير ويستهدف الأمازيغية بشدة”.
وطالب بوشطارت، المندوبية السامية للتخطيط، بـ”تقديم شروح مقنعة عن المعايير التي استندت إليها لكي تُدرج أسئلة اللغات ضمن استمارة مطولة تقتصر على عينة محدودة في 20% فقط، وعن المجال الجغرافي المستهدف بهذه الاستمارة؛ لأن الآلاف من الأسر المغربية مهتمة بإدراج اللغة الأم الأمازيغية، التي تستخدم يوميا في البيوت والشارع والعمل، ضمن الإحصاء، إلا أن هذه الأسر تصطدم بكونها غير معنية بالاستمارة المطولة”.
وأضاف: “ما يزيدنا شكا في نوايا المندوبية استهداف الأمازيغ والأمازيغية ضمن هذا الإحصاء، هو المنهجية التي تم اعتمادها في التصنيف والتبويب والأسئلة، والتي سبق أن نددنا بها كمجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي في بيانين متتالين، لكن للأسف لا أحد يهتم بما نطرحه كمجتمع مدني مهتم بتتبع الأمازيغية في السياسات العمومية؛ فحتى طرحُ أسئلةٍ حول اللغات المقروءة والمكتوبة ينطوي على حيف؛ لأن الأمازيغية تم إقصاؤها في المدرسة المغربية منذ الاستقلال”.
كما بيّن أن “هذه إشكالات غير دقيقة وغير علمية إطلاقاً، قبل أن يورد: “إذا كانت المندوبية غير مستوعبة للمخاطر والأخطاء التي تتضمنها استمارة الإحصاء فيما يخص اللغات التي أدرجتها مع الأمية، فهذا إشكال كبير وعميق يسائل كفاءة ودور هذه المندوبية ويطرح الأسئلة حول الأهداف الأساسية من وراء كل هذا، فإذا كانت المندوبية تريد الخروج بنفس إحصائيات سنة 2014 بكون الأمازيغ أقلية في وطنهم وأرضهم، فيجب أن تتحمل مسؤوليتها، ونحن نبهناها منذ البداية إلى المنزلقات الخطيرة الموجودة في استمارتها ومنهجيتها المعتمدة”.
“العينة غير دقيقة”
من جهته، قال علي موريف، أستاذ باحث مهتم باللغة والثقافة الأمازيغيتين، إن “اعتماد العينة في مسألة حساسة واستراتيجية كاللغة والثقافة غير علمي ولا يمكن القبول به، إذ من المفروض المرور نحو استمارة موحدة، مع الانضباط للمرجعية الدستورية، ذلك أن القيام بعملية مهمة كالإحصاء يستوجب اعتماد آليات دقيقة وموضوعية، ووجود خلل أو عيب في هذه الآليات والمنهجية المعتمدة سيعطينا بشكل مباشر نتائج غير دقيقة”.
وأضاف موريف، أن “مُنطلق المندوبية ليس واضحا منذ البداية وحتى قبل بداية عملية الإحصاء، إذ كان بإمكانها أن تستشير مع المؤسسات الدستورية الاستشارية التي أقرها الدستور الجديد، وعلى رأسها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لاشتغاله الأساسي على موضوع اللغة والثقافة الأمازيغيتين”.
وتابع الأستاذ الباحث:” لا يمكن أبدا لعشرين بالمائة التي ستوزع عليها الاستمارة القصيرة المتضمنة لأسئلة بخصوص اللغات المتداولة والمقروءة بالمغرب، خصوصا اللغة الأمازيغية، أن تعطينا معطيات ونتائج دقيقة، على الرغم من أن الحقيقة في نهاية المطاف نسبية، إلا أن اعتماد مبدأ العينة في هذا الصدد غير واقعي”، موضحا أن “المهتمين بالموضوع يناقشون اليوم دوافع اتخاذ مثل هذا القرار، وليس القرار الذي صار واقعا للأسف مع انطلاق عملية الإحصاء”.
استمارتان مختلفتان
بالعودة إلى الوثيقة الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، التي توضح جوانب مختلفة من طريقة سير عملية الإحصاء لسنة 2024، كشفت المؤسسة التي يديرها أحمد الحليمي أن “تحصيل المعطيات لدى الأسر سيتم عن طريق استمارتين”.
الاستمارة الأولى، حسب المصدر ذاته، قصيرة موجهة لجميع السكان، تتضمن أسئلة بخصوص البنيات الديمغرافية والظواهر النادرة مثل الهجرة الدولية، إلى جانب تفاصيل الوفيات وحظيرة السكن والمسافة الفاصلة بين المسكن والمرافق الأساسية في العالم القروي.
أما الاستمارة الثانية، التي ظلت محط انتقادات المهتمين بالشأن اللغوي والثقافي الأمازيغي، فهي عبارة عن استمارة مُطولة ستُوجه إلى 20 في المائة فقط من الأسر لا نعرف كيفية انتقائها وتتضمن أسئلة عن الخصوبة والصعوبات المواجهة عند ممارسة الأنشطة الاعتيادية والتغطية الصحية والهجرة الداخلية، إلى جانب الأمية واللغات المقروءة والمكتوبة واللغة الأم واللغات المستعملة محليا، زيادة على أسئلة تخص التعليم واستخدام تكنولوجيا الاتصالات والنشاط الاقتصادي وظروف سكن الأسرة والبيئة.
عبد العزيز أكرام