في معنى النزاهة، ومعنى الشفافية
البيان الذي أصدرته لجنة الأخلاقيات التابعة لحزب “العدالة والتنمية” المغربي حول الوزيرين الإخوانيين مصطفى الرميد ومحمد أمكراز يطرح أمامنا مشاكل عويصة، بالنظر إلى موقع الحزب الأغلبي سواء في الحكومة أو في المجتمع، فالبيان يقول إن الوزيرين قد خرقا القانون فعلا ، لكنه يتدارك ويقول إنهما فعلا ذلك بكل “نزاهة” و”شفافية”، وقد ذكرنا هذا التعبير السريالي بشعر أحمد مطر الذي يقول فيه: “يكذبون بمنتهى الصدق ويغشون بمنتهى الضمير وينصبون بمنتهى الأمانة ويخونون بمنتهى الإخلاص ويُدمّرون بلدانهم بكل وطنية ويقتلون أخوانهم بكل إنسانية”. إنه تعبير ساخر لكنه يقطر مرارة بسبب درامية اللحظة والمشهد، وينطبق هذا على حالنا اليوم.
المفارقة في بيان لجنة الحزب الإخواني أن “النزاهة” تعني في مجال مسؤوليات تدبير الشأن العام التعامل بصدق وبأخلاق عالية وعدم خرق القانون، لأن الفرق بين المسؤول النزيه وغير النزيه هو احترام القوانين التي تدير الشأن العام. وقد ثبت في تصرف الوزيرين أنهما قد خرقا قانون الدولة المغربية وبالتالي لم يتحليا بالنزاهة المطلوبة في مقامهما. ولهذا تحقق النزاهة جودة العمل كما تضمن المردودية المطلوبة ، وتكسب الإنسان نوعا من الرضا النفسي الآتي من تبرئة الذمة في ما يخص حقوق الآخرين. وهذا كله تحقق عكسه تماما في موضوع الوزيرين المغربيين.
وتعني “الشفافية” العمل في وضح النهار وبدون تكتم أو كولسة أو أقنعة، أو غشّ من أي نوع، والحال أن الوزيرين كانا قد خرقا القانون لسنوات طويلة في الخفاء ولولا وفاة كاتبة الرميد لما عرف أحد بالمشكل. ويتضح أكثر بأن سلوك الوزيرين بعيد كليا عن الشفافية في سعي كل منهما إلى التكتم على وضعية لا قانونية حيث عمل أحدهما على إغداق “الصدقات” على كاتبته عوض تسجيلها في الضمان الاجتماعي، وسارع الثاني على الفور بمجرد انفجار القضية إلى تسجيل موظفيه بعد أن ظلوا لمدة طويلة لا ينعمون بهذا الحق. من جانب آخر يتجلى عدم شفافية الوزيرين في صمتهما وهروبهما من الاعتراف بخطئهما وتنظيم ندوة صحفية لمواجهة أسئلة المجتمع. وحتى عندما طرح عليهما سؤال برلماني تهربا من الإجابة، وهذا منتهى البُعد عن الشفافية.
لقد أراد الحزب أن يعمل على تدارك وضعية الحرج التي تسبب فيها وزيران من وزرائه، حتى يحمي نفسه وهو على أبواب الانتخابات في السنة القادمة. وعوض أن يُصلح المشكل زاد الطين بلة ببيانه الغريب الذي أساء فيه إلى نفسه أكثر مما أساء إليه الوزيران، لأنه اعتبر الغشّ “نزاهة” والتحايل على القانون “شفافية”. والمعضلة الكبرى أن الحزب قد اهتم بمصيره الانتخابي دون أن يهتم كثيرا بالمجتمع أو بانعكاس سلوكه على عقلية المغاربة وسلوكهم، فالمشكل المؤرق لنا هو الدرس الذي مرّره الحزب للشعب المغربي، وانعكاس هذا المنطق التبريري الانتهازي على وعي الناس مستقبلا، على هذا المستوى يمكن أن نقول بلا تردّد بأن الحزب الإخواني عوض أن يقدم المثال انخرط في الفساد العام واعتمد نفس آلياته التي تنخر الدولة والمجتمع.
كنت دائما أقول إن لـ”الإخوان” مشروع دولتهم الخاصة ولهم منطقهم الخاص ولغتهم الخاصة ومفاهيمهم التي ليست مفاهيم غيرهم، ومن هنا صعوبة العمل معهم بدون مشاكل، ولهذا فربما في منطق هؤلاء يجوز ما لا يجوز عندنا في اللغة المعتادة.
على كل حال فهذا البيان من أغرب ما أنتجته الحياة السياسية المغربية منذ الاستقلال، ويمكن وضعه إلى جانب الوثائق التي تمثل مفارقات الدولة المغربية التي عرقلت بشكل واضح انتقال بلدنا إلى دولة القانون.
أحمد عصيد كاتب وشاعر وباحث في الثقافة الامازيغية وحقوقي مناضل من اجل القضايا الأمازيغية والقضايا الإنسانية عامة