الامازيغية في دينامية التحولات الاجتماعية


ملخص :

         أدت التحولات الناتجة عن العولمة في العالم إلى دينامية تحولات اجتماعية كبيرة مست جوانب كبيرة في حياة الناس وهمت بشكل أساسي بنية الثقافات العالمية، وهذه الدينامية العصرية الجديدة هي في الواقع مؤشر على الانتقال من طور المجتمعات ذات الخصوصيات الثقافية المنكفئة على ذاتها إلى طور المجتمعات المتفاعلة والحديثة، وهذا التفاعل الديناميكي ليس خيارا بل هو واقع جديد مفروض يؤدي إلى ذوبان الخصوصيات الثقافية للشعوب في إطار ما أسماه زيجمونت باومان ” الحداثة السائلة ” ومفهوم السيولة يعني عدم وجود حدود فاصلة تمنع من وصول الحداثة إلى أعماق الثقافات المنكفئة على الذات، بيد أن العولمة وهي من سمات الحداثة تعمل على إخراجها من عزلتها والزج بها في دينامية التحول؛ بحيث تتخلى تدريجيا عن سماتها الأصلية لتأخذ بعضا من سمات الحداثة، وليس هذا فحسب، بل إن الثقافات غير المحصنة بوعي المجتمع أو الشعب الذي ينتجها تتحول مع مرور الوقت إلى ثقافة جامدة أو ميتة.

الكلمات المفتاحية : الامازيغية – الدينامية – التحولات الاجتماعية – العولمة – الحداثة.

ⴰⵙⴳⵓⵎ

ⵉⵙⵏⴼⵍⵏ ⵏⵏⴰ ⴷ ⵢⵉⵡⵉ ⵓⵎⴰⴹⴰⵍ ⵙ ⵜⵎⵙⴷⴰⵍⵜ ⵏ ⵓⵎⴰⴹⴰⵍ ⵙⵙⴽⵔⵏ ⵜⴰⴷⵉⵏⴰⵎⵉⵜ ⵏ ⵉⵙⵏⴼⵍⵏ ⵉⵏⴰⵎⵓⵏⵏ ⵉⵅⴰⵜⴰⵔⵏ ⵏⵏⴰ ⵉⵙⵏⴼⵍⵏ ⵉⴳⵔⴰⵏ ⵉⵅⴰⵜⴰⵔⵏ ⴳ ⵜⵓⴷⵔⵜ ⵏ ⵎⵉⴷⴷⵏ ⴷ ⵉⵙⵏⴼⵍⵏ ⴳ ⵓⴷⵖⴰⵔ ⵏ ⵜⴷⵍⵙⵉⵡⵉⵏ ⵜⵉⵎⴰⴹⵍⴰⵏⵉⵏ, ⴷ ⵜⴰⴷⵉⵏⴰⵎⵉⵜ ⴰⴷ ⵜⴰⵎⴰⵢⵏⵓⵜ ⴳ ⵜⵉⴷⵜ ⵜⴳⴰ ⴰⵙⵏⵎⴰⵍⴰ ⵏ ⵓⵙⵏⴼⵍ ⵙⴳ ⵜⵎⵙⵎⵓⵏⵉⵏ ⵏⵏⴰ ⴷⴰⵔ ⵜⵥⵍⴰⵢⵉⵏ ⵜⵉⴷⵍⵙⴰⵏⵉⵏ ⵜⵉⵣⴳⵣⴰⵡⵉⵏ ⵙ ⵜⵎⵙⵎⵓⵏⵉⵏ ⵜⵉⵜⵔⴰⵔⵉⵏ ⵏⵏⴰ ⴷⴰⵔ ⵜⵣⵎⵎⴰⵔ ⵏ ⵓⵎⵢⴰⵡⴰⴹ.

ⴷ ⵜⴰⴷⵉⵏⴰⵎⵉⵜ ⴰⴷ ⵏ ⵓⵎⵢⴰⵡⴰⴹ ⵓⵔ ⵉⴳⵉ ⵢⴰⵏ ⵓⵙⵜⴰⵢ, ⵎⴰⵛⴰ ⵜⴳⴰ ⵢⴰⵜ ⵜⵉⵍⴰⵡⵜ ⵜⴰⵎⴰⵢⵏⵓⵜ ⵉⵜⵜⵓⵢⴰⵙⵙⵏⵏ ⵏⵏⴰ ⵢⵉⵡⵙⵏ ⴳ ⵓⵙⵎⵓⵏ ⵏ ⵜⵥⵍⴰⵢⵉⵏ ⵜⵉⴷⵍⵙⴰⵏⵉⵏ ⵏ ⵉⵡⴷⴰⵏⵏ ⴳ ⵓⴳⵏⵙⵓ ⵏ ⵎⴰⴷ ⵉⵙⵎ ⵏⵏⵙ ⵙⵉⵊⵎⵓⵏⵜ ⴱⵓⴼⵎⴰⵏ “ⵜⴰⵎⵜⵔⴰⵔⵜ ⵜⴰⵣⴳⵉⵍⵜ” ⴷ ⵓⵔⵎⵎⵓⵙ ⵏ ⵜⵣⴳⵉⵍⵜ ⵏⵏⴰ ⵎⵉ ⵓⵔ ⵉⵍⵍⵉ ⴽⵔⴰ ⵏ ⵓⴱⴰⵔⴰⵣ ⵏ ⵓⴱⴰⵔⴰⵣ ⵏⵏⴰ ⵢⴰⵊⵊⵏ ⵜⴰⵜⵔⴰⵔⵜ ⴰⴷ ⵜⵍⴽⵎ ⵉ ⵓⴳⵏⵙⵓ ⵏ ⵜⴷⵍⵙⵉⵡⵉⵏ ⵜⵉⵣⴳⵉⵍⵉⵏ.

                     ⵎⴰⵛⴰ, ⵜⴰⵎⴰⴹⵍⴰⵏⵜ, ⵜⴳⴰ ⵢⴰⵜ ⵙⴳ ⵜⵎⴰⵜⴰⵔⵉⵏ ⵏ ⵜⵎⴰⵜⵔⴰⵔⵜ, ⴷⴰ ⵜⵙⵙⵓⴼⵖ ⵙⴳ ⵓⴱⵔⵔⴰⴽ ⵏⵏⵙ ⴷ ⴷⴰ ⵜⵙⵙⴽⵛⵎ ⴳ ⵜⴰⴷⵉⵏⴰⵎⵉⵜ ⵏ ⵓⵙⵏⴼⵍ, ⴰⵔ ⵜⵙⵙⵓⴼⵖ ⵉⵎⵉⴽ ⵙ ⵉⵎⵉⴽ ⵙⴳ ⵜⵎⴰⵜⴰⵔⵉⵏ ⵏⵏⵙ ⵜⵉⴷⵙⵍⴰⵏⵉⵏ ⵃⵎⴰ ⴰⴷ ⵜⵙⵙⴽⵛⵎ ⴽⵔⴰ ⵏ ⵜⵎⴰⵜⴰⵔⵉⵏ ⵏ ⵜⵎⴰⵜⵔⴰⵔⵜ, ⴷ ⵓⵔ ⴷ ⵖⴰⵙ ⵎⴰⵢⴰ, ⵎⴰⵛⴰ ⵜⵉⴷⵍⵙⵉⵡⵉⵏ ⵓⵔ ⵉⵃⴱⴰⵏ ⵜⴰⵡⵏⴳⵉⵎⵜ ⵏ ⵜⵎⵙⵎⵓⵏⵜ ⵏⵖⴷ ⵏ ⵓⴳⴷⵓⴷ ⵏⵏⴰ ⵉⴼⴼⵖⵏ, ⴷⴰ ⵜⵜⵓⵙⵏⴼⴰⵍⵏ ⴳ ⵓⵣⵎⵣ ⵏ ⵜⵉⵣⵉ ⵙ ⵢⴰⵜ ⵜⴷⵍⵙⴰ ⵉⵔⵡⴰⵏ ⵏⵖⴷ ⵉⵎⵎⵓⵜⵏ.

  • ⵜⵉⴳⵓⵔⵉⵡⵉⵏ ⵜⵉⵎⵣⵡⵓⵔⴰ :  ⵜⴰⵎⴰⵣⵉⵖⵜ – ⵜⴰⴷⵉⵏⴰⵎⵉⵜ – ⵉⵙⵏⴼⵍ ⵉⵏⴰⵎⵓⵏⵏ– ⵜⴰⵎⴰⴹⵍⴰⵏⵜ – ⵜⴰⵜⵔⴰⵔⵜ

.

مقدمة :

        ليست الثقافة الأمازيغية في منآى عن التحولات الجارية في الكون تحت تأثير العولمة والحداثة، بل هي منخرطة بشكل لا إرادي في دينامية هذه التحولات، وهذا الإنخرط القسري والذي أخرجها من طور الإنكفاء على الذات إلى طور التفاعل له جوانب إيجابية وأخرى سلبية، فإن كانت إيجابياته تتمثل في الإستفادة من الجوانب المشرقة في الثقافات الإنسانية، إلا أن الجوانب السلبية تتمثل في الذوبان السريع الذي قد يفقدها خصوصيتها ويحولها إلى مجرد بقايا لثقافة ميتة أو مهجورة، وموت الثقافة هو أمر وارد كما أشار إلى ذلك ماريو فارغاس يوسا في كتابه ” موت الثقافة ” سنة 2015؛ بحيث يؤدي اِنشغال الناس بالضاغط اليومي والمحاكاة التامة للمنطق الآلي للتقنية إلى انسلاخهم عن هويتهم الثقافية والإنسانية الأصلية، حيث تحولت علاقة الإنسان بالثقافة ( الموسيقى – المسرح – السينما – الشعر ) إلى طقوسية فردية منغلقة تحكمها أجهزة الحاسوب والهواتف الذكية.

التحول في خطاب الهوية ( الامازيغية والخطابات الموازية ) -I

يشير مفهوم التحول – Transformation  في علم الاجتماع إلى الانتقال من حالة طبيعية إلى حالة أخرى سواء جيدة أو سيئة، أو الانتقال من حالة اجتماعية إلى حالة أخرى مغايرة ومختلفة، ويعرف موريس جينسبورغ – M Gensburg التحول الاجتماعي بأنه كل تغير يطرأ على البناء الاجتماعي، فيؤثر على أدوار الأفراد التي كانوا يمارسونها في ظل البناء الاجتماعي القديم، وهو يؤثر على أنماط الفعل الاجتماعي، وتنعكس التغيرات التي تصيب البناء الاجتماعي على السلوكيات والقيم والمعايير والمنتجات الثقافية والرموز المختلفة[1].

وينتج التحول بفعل الدينامية – Dynamisme[2] التي تعزى إلى تلك القوة المحركة للمجتمع أو تلك الطاقة التي تخضع المجتمع للحركة والتغيير والتطور مثل جميع الكائنات الحية، وهذا المفهوم لا يقتصر على مجال دون آخر بل يشمل جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتحكم الدينامية باعتبارها نشاط وحركة وتفاعل سياقات متعددة، مختلفة ومتغيرة في الزمان والمكان، بحيث تؤدي الظروف الاجتماعية والاقتصادية السياسية إلى إنتاج التغيرات التي تصيب السمات الأساسية للمجتمع، ويؤدي عدم قدرة المجتمع على التكيف والابتكار إلى الخضوع للتغيرات الجذرية التي تغير معالمه الأصلية فيخضع بالتالي لشرط التحول الذي قد يجعله شيئا آخر غير ذاته وكينونته الأصلية.

إلى جانب خطاب العولمة والحداثة يتفاعل الخطاب الأمازيغي والثقافة الأمازيغية في إطار الدينامية المجتمعية مع الخطابات أو السرديات الأخرى المجاورة مثل خطاب تمغربيت و الخطاب الموري أو السردية التاريخية.

  1. الخطاب  أو السردية الأمازيغية :

 ينطلق الخطاب الأمازيغي من الهوية الامازيغية للمغرب والتي تمتد جذورها في التاريخ البعيد، وتسم معالمه بسمات خاصة وتسبغ عليها خصوصية متفردة هي التي تجعله مختلفا عن غيره من البلاد والدول، وتجعل الشعب المغربي بكل مكوناته التي أنتجها التفاعل والدينامية التاريخية مختلفا عن غيره من شعوب المعمور في جميع مناحي حياته الثقافية والاجتماعية، وهذا الخطاب الذي أنتجته الحركة الأمازيغية كخطاب هوياتي يروم إلى إعادة الإعتبار للمكون الثقافي الأمازيغي كمكون أصلي وجعله يتبوأ المكانة التي يستحقها ضمن تصور يشيد مقولات علمية ويعمل على صياغة خارطة ثقافية وهوياتية لا تلغي المكونات الأخرى بل وتجعلها تساهم جميعها في بناء الشخصية المغربية المتفردة، وتوجد اللغة الأمازيغية في صلب المعادلة الهوياتية للخطاب الأمازيغي، وقد مر هذا الخطاب بمراحل وتحولات همت المرحلة الجنينية وهي مرحلة البحث في التراث الشفهي ثم مرحلة التدوين مع تأسيس أول إطار جمعوي في سنة 1968 والذي هو الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي بالرباط من طرف ثلة من الطلبة الجامعيين المنحدرين من المناطق الناطقة بالأمازيغية، مرورا بمرحلة التكتل في إطار الحركة الأمازيغية والترافع في إطار نقاش عمومي وطني ثم مرحلة التنسيق ورفع المطالب إلى السلطات إلى مرحلة الاعتراف من لدن الدولة وهي المرحلة المؤسساتية التي شهدت بدورها طفرات مهمة، وتوجت هذه المراحل بخطاب أجدير بتاريخ 17 أكتوبر 2001 والذي أعلن فيه ملك البلاد الاعتراف الرسمي بالثقافة الأمازيغية و إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، معتبرا الاهتمام بها يندرج في صميم المشروع الديمقراطي الحداثي للمؤسسة الملكية، وكانت مرحلة دسترة اللغة الأمازيغية في دستور 2011  من أهم المراحل التاريخية التي عرفتها في المغرب، وما تلاها من صدور القانون التنظيمي حول تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بتاريخ 12 سبتمبر 2019، إلى إقرار رأس السنة الأمازيغي يوم عطلة رسمية سنة 2023.

  • خطاب أو سردية تمغربيت

في كتابه الموسوم ب ” تمغربيت – محاولة لفهم اليقينيات المحلية – ” حاول الأستاذ سعيد بنيس تأصيل هذا المفهوم باعتباره يروم إلى جمع الغنى الهوياتي وعراقة التاريخ المغربي، وشكل هذا المفهوم خطوة من أجل الاعتزاز بالهوية والحضارة المغربية المتعددة المكونات والروافد، انسجاما مع الواقع السوسيولوجي للمغرب، وقد وظف الأستاذ عدة مترادفات لهذا المفهوم على منوال :  ” تَمغْرابيت ” و “تَمْغاربيت ” و ” تَمغْرٍبيت ” و” تَمغْربيت” و ” تمَاغرابيت ” و “تموريت” المأخوذة من كلمة ” أمور ” مؤنثها ” تمورت [3]” وتعني الموطن أو البلد ودلالتها اللغوية تحيل على الأرض المغربية  والموطن المغربي، ومنها أشتقت كلمة موروكو – Morocco  باللغة الإنجليزية و ماروك – Maroc  باللغة الفرنسية، ولفظة المور ترتبط بالمجموعة البشرية التي سكنت شمال افريقيا  منذ آلاف السنين، وترمز لفظة ” تمغربيت ” إلى ومجمل التفاعلات التاريخية و الاجتماعية التي حدثت بأرض المغرب منذ فجر التاريخ إلى عصرنا الراهن، والموسومة بالعيش المشترك والهوية الجمعية للإنسان المغربي[4]، وسردية “تمغربيت” تحاول صنع توليفة خاصة بين الخطابات والسرديات المتفاعلة وأحيانا المتصارعة في الساحة الثقافية والسياسية بالبلاد والتي لها نزوعات انكفائية وتعمل على التقريب بينها باعتبارها تشكل نسقا واحدا لهوية مغربية متعددة، وتستحضر هذه السردية جميع التقاطعات السوسيولوجية الجهوية والترابية والعنف المجتمعي في أفق البحث عن المشترك الاجتماعي لخدمة مقولة الشخصية المغربية والهوية الجماعية.

  • الخطاب الموري- الهوياتي أو السردية التاريخية

تنطلق هذه السردية من الحقيقة التاريخية لشمال إفريقيا والتي تعتبر هذه الرقعة الجغرافية الموطن الأصلي للشعب المغربي الموري الأمازيغي ويمتد تاريخها إلى ما قبل الدولة الادريسية التي تعتمدها الرواية الرسمية والسلفية منطلقا لبداية تاريخ المغرب، وترتكز هذه السردية على الهوية الأصلية للشعب الموري، وحسب بيان إعلان التيار المغربي الموري المنشور في موقع بهذا الإسم: ( التيار المغربي الموري )[5] فإن هذه السردية ترتكز على الهوية الأصلية للشعب المغربي الموري باعتبارها الهوية “القاعدية والحضارية” لسكان شمال إفريقيا والتي على أساسا تمت جميع التفاعلات التاريخية التي حدثت في هذه الرقعة الجغرافية والتي يشكل المغرب جزءا لا يتجزأ منها، ويعتبر الأستاذ عبد الخالق كلاب من رواد ومنظري هذه السردية الأوائل بل والمؤسسين لها، وقد حاول في كتابه ” أوثان السلفية التاريخية” تأصيل مفهوم ” الهوية المورية ” وصياغة السردية التاريخية التي يرتكز عليها اِنطلاقا من نقد الأطروحة السلفية والقومية، والتي ترفض فكرة الإستلاب التي تربط أصل ومصير سكان المغرب وشمال إفريقيا بالشرق الأوسط، وتطرح السردية التاريخية مشكلة التعارض مع الخطابين القومي والإسلامي باعتبارهما يطرحان مسألة الهوية في إطار بعدها القومي العربي والعقدي، وتذهب هذه السردية في طرحها بعيدا بحيث تلغي الوجود العربي في المغرب وشمال إفريقيا؛ وتعتبر أن الناطقين بالدارجة المغربية ماهم سوى أمازيغ مستعربين، الشئ الذي جعلها مزعجة جدا و في تصادم مع هذين الخطابين الأخيرين، فهل يمكن اعتبار كل من خطاب ” تمغربيت” وكذا الخطاب الموري مكملان للخطاب الأمازيغي وبالتالي تطورا له باعتبار أنهما يتقاطعان معه في عدة أفكار ومبادئ ؟ أم يشكلان بديلا و تجاوزا له؟  خاصة أمام واقع حقيقة ضعف ووهن وتضعضع الخطاب و الحركة الأمازيغية الظاهر للعيان.

التحول الذي طرأ على مستوى اللغة ( واقع اللغة الامازيغية)-II

اللغة كائن حي معرض للموت ويعترضه نفس العوارض التي تعترض جميع الكائنات الحية من نمو وتطور ومرض وموت، وقد شهدت اللغة الأمازيغية بدورها في إطار دينامية التحولات التي شهدتها المسألة الأمازيغية عدة محطات في سيرورة الاعتراف بها كلغة رسمية في المغرب، وكذا في سيرورة تطورها من لغة شفهية إلى لغة مكتوبة قابلة لأن تشكل وعاء للمعرفة العلمية، بدأت هذه المراحل بإنشاء الإطارات الجمعوية المهتمة باللغة والثقافة الأمازيغية والتي أخذت على عاتقها مهمة الدفاع والترافع عنها في المحافل الوطنية الرسمية وغير الرسمية.

وقد طرحت نتائج الإحصاء الأخير التي صرحت بأن نسبة الناطقين باللغة الأمازيغية بجميع تنوعاتها الشفهية الموجودة في المغرب لا تتجاوز 24.8%، إشكالية مستقبل هذه اللغة؛ سواء بالنسبة للدولة أو بالنسبة للناطقين بها؛ بحيث يستخلص من هذه النتائج أن هذه اللغة في طريقها إلى الإندثار والانقراض، ما يطرح على الناطقين بها وعلى الدولة كذلك سؤالا كبيرا يتمثل في ماهية الإجراءات المستعجلة التي وضعتها لحمايتها من الإندثار ويتطلب ذلك تطويرها وإدخالها في جميع مستويات المنظومة التعليمية والإعلامية والمؤسساتية. ورغم تسجيل مجموعة من الملاحظات حول نتائج الإحصاء إنطلاقا من طريقة إجرائه التي اِعتبرت غير علمية، غير أن النتائج المعبر عنها، تدق ناقوس الخطر وتدعو إلى تضافر الجهود والعمل بسرعة على اِنقاد هذه اللغة قبل فوات الآوان.

 تشير الدراسات اللسنية إلى أن لغات عديدة في العالم كان مصيرها الإندثار والإنقراض، مثل ( لغة الياغان – Yaghan ) في التشيلي في سنة 2023، حيث توفيت آخر امرأة تعرف هذه اللغة عن عمر يناهز 93 عاما[6] في منطقة تييرا ديل فييغو – Tierra del fuego أو ما يعرف بأرض النار وهي منطقة مشتركة بين الشيلي والأرجنتين – وتشير التقديرات أن 200 لغة من أصل 7400 في العالم مهددة بالانقراض، و أن 30% من هذه اللغات ستختفي بحلول نهاية القرن[7]. ويكشف أطلس لغات العالم المهددة بالإندثار الصادر عن منظمة اليونسكو أن لغة واحدة تنقرض كل أسبوعين، وهذا يعني أن 25 لغة تنقرض سنويا، وإذا استمر الحال على هذا المنوال؛ فسوف يؤدي إلى اختفاء 90% من اللغات المهددة أو التي تعاني من خطر الإنقراض، وتشمل هذه اللغات النادرة “لغة جبل نفوسة” التي تنتمي للغات الأفريقية- الآسيوية، وتعد لغة أمازيغية قديمة يتحدث بها القليل جدا من سكان غربي ليبيا وجنوبي تونس وخاصة منطقة جبال نفوسة الليبية[8]، ولغة ” جزيرة “جربة” بجنوب تونس، وهي أيضا لغة أمازيغية قديمة يتحدث بها عدد قليل من سكان جنوبي تونس.

و من العلامات الدالة على أن اللغة تمر في طريق اللغات السائرة في طريق الانقراض كونها تمر بمراحل هي:

  1. الاستبدال أي استبدال لغة بأخرى
  2. مرحلة الاتجاه الوحيد للغة أو ثنائية اللغة لدى الأشخاص( لغة الأم ولغة الدولة ) ، لغة تحظى بحظوة مؤسساتية ولغة أخرى لا تملك أية حظوة مؤسساتية – مع مرور الوقت سوف يتحول الناطقون باللغة الأم إلى استعمال لغة الدولة في حياتهم اليومية ونشاطهم الاجتماعي.
  3. مرحلة الانقراض : الاستعمال المفرط للغة الدولة في البيت والشارع والمؤسسات وتخلي الأبناء عنها مع مرور الوقت بالنظر إلى الجانب الرمزي الذي يوفره التواصل بلغة الدولة بالنسبة لهم مقارنة مع لغة الأم.

 لابد من الاعتراف اِنطلاقا من الملاحظة الميدانية الأولية للغة الأمازيغية بجميع فروعها ( تاشليحيت- تازايانت – تاريفيت)؛ على أن هذه اللغة تعيش مراحل الانقراض، ما لم يتم اِتخاذ إجراءات مستعجلة من طرف الدولة والمجتمع المدني الأمازيغي والناطقين بها، فأغلب الأسر في المدن لا تتكلمها سوى في البيوت وفي بعض المناسبات فقط وتستبدلها بالدارجة في الغالب، والأبناء و الأحفاد لم يعودوا يتحدثونها حتى داخل البيوت بل يتحدثون بالدارجة، والشباب في القرى الناطقة بالأمازيغية لا يستعملونها في وسائل التواصل الاجتماعي سواء بالكتابة أو بالتواصل الشفهي ويستعلمون عوضها الدارجة التي يكتبونها بالحرف اللاتيني، ويلاحظ كذلك الاستعمال المفرط للدارجة سواء في الفضاء العام أو في البيوت وحتى في القرى الجبلية النائية.

التحول الذي طرأ على مستوى الثقافة -III

من أبرز تأثيرات تكنولوجيا الإتصال على الثقافة الأمازيغية تراجع الإنتاجات السينمائية والأفلام والأغاني المصورة – Clip vidéo التي كانت غزيرة في التسعينيات بفضل تقنية الفيسيدي -Vcd والديفيدي- Dvd، وكان ينتظر أن تملأ قناة تمزيغت الفراغ الذي تركه التحول الرقمي من هذه الوسائط إلى الوسائط الاجتماعية الجديدة مثل يوتيوب – YouTube وغيرها، غير أن هذه القناة تكتفي بإنتاج فيلم أو مسلسل واحد بكل تنويع لهجي من التنويعات الثلاث في رمضان من كل سنة، وهذا أثر على الجانب الاجتماعي والمادي للمخرجين و الممثلين والسينمائيين الأمازيغ بشكل عام، ما حدا ببعضهم إلى فتح قنوات في اليوتوب، بينما التحق البعض الآخر بالمخرجين الناطقين بالدارجة، كما أن السينما الأمازيغية لا تستفيد من دعم المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ولا من المركز السينمائي المغربي، وعندما نتحدث عن السينما الأمازيغية فإننا نتحدث بالطبع عن اللغة الأمازيغية؛ فتراجع الإنتاجات الأمازيغية أثر على مستوى توظيف اللغة الأمازيغية في الفن، كما أثر تراجع عدد الناطقين بها أيضا على الإنتاج الفني عموما، ويلاحظ أن أغلب الممثلين الأمازيغ صاروا ينتجون سلسلات في اليوتوب بالدارجة.

من التحولات الجذرية التي تشهدها الثقافة الأمازيغية كنتيجة لسياسات التعريب من طرف الدولة والمؤسسات ووسائل الإعلام الرسمية كذلك ( والتعريب المقصود هنا ليس هو نشر اللغة العربية بل إن نتائج التعريب أدت إلى نشر الدارجة وليس العربية )، تغير التقاليد الاجتماعية في البادية وتقاليد الأعراس و دخول الدجيجي – Djedji إلى القرى والدواوير و نزوع الشباب القروي إلى استبداله في المناسبات الاحتفالية  بالرقص الجماعي ( أحواش أو أحيدوس وغيرهما )، كما أنهم أنشأوا مجموعات في الواتساب –  Wattssapp لمناقشة القضايا والمشاكل المتعلقة بقراهم وصاروا يتواصلون فيما بينهم بالدارجة سواء كتابة أو بواسطة الاوديوهات، كما نشير أيضا إلى توجه بعض الروايس إلى الغناء بالدارجة، وبعضهم يغنون بالأمازيغية لكنهم يتحدثون في وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام مع جمهورهم بالدارجة، وجميع هذه المظاهر أو هذه الممارسات تجسد نوعا من الاستبدال الذي هو من سمات نزوح اللغة نحو الإنقراض.

ومن ناحية أخرى، فإن العوامل المتعلقة بالتغيرات المناخية وندرة الموارد في البادية دفعت سكان المناطق الناطقة بالامازيغية في الأطلس الكبير بشكل خاص نحو الهجرة الجماعية نحو المدن وهوامشها أو نحو بلدان المهجر، وأدى إلى تخلي الكثير من الأسر المهاجرة عن عاداتها وتقاليدها وعن لغتها الأمازيغية التي كانت تمارسها في القرى التي نزحت منها؛ بحيث وإن كان الآباء لا يزالون يتحدثون بها في البيت، إلا أن الأبناء وتحت تأثير الواقع الخارجي في الشارع والمدرسة بدؤوا يتخلون عنها وإن كانوا تحدثون بها في البيت فقط.

خاتمة :

لابد من الإشارة إلى أن اللغة والثقافة الأمازيغية تعرف تحولات  ذاتية وموضوعية كثيرة في جميع المجالات؛ في التعليم والإعلام والمؤسسات وفي الواقع الاجتماعي والثقافي، فبقدر ما تحقق من إنجازات ومكتسبات في ظرف قياسي بقدر ما بدأت جملة من التراجعات تهدد هذه المكتسبات، وذلك بحكم أن الحركة الأمازيغية أصيبت بالجمود  والضعف جراء الصدمة التي خلفتها عملية الدسترة وعدم قدرتها على الخروج من الإنتظارية التي خلفتها لها تلك الصدمة؛ وما تتج عن ذلك من عدم القدرة على العمل على تجديد الخطاب وأدوات الإشتغال، علاوة على تشتت المهام وتعدد الرهانات وتراكم التحديات وعدم وجود خارطة طريق جديدة وغياب الرؤية والإسترتيجية التنسيقية وتعدد منهجيات التعاطي مع المستجدات، كما أن جزءا من المناضلين التحقوا بالعمل السياسي سواء مع الأحزاب السياسية المتواجدة في الحكومة أو المعارضة، علاوة  على تشتت المناضلين الأمازيغيين القدامى بين الولاءات السياسية والخيارات الأيديولوجية لهذه الأحزاب، و فضلا عن مسألة شيخوخة الجسد الجمعوي للحركة الأمازيغية وعدم وجود جيل جديد شاب مهتم بالقضية والنضال الأمازيغي، يتمتع بالعنفوان ويمتلك رؤية وآليات عمل جديدة. 

 كما أن المؤسسات التي أوكلت إليها مهمة العناية باللغة والثقافة الأمازيغية والنهوض بها تعاني من غياب الرؤية والإستراتيجية في العمل، فمؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مثلا وهي مؤسسة أكاديمية استراتيجية تتوفر على ميزانية مهمة، وقد مر حتى الآن ربع قرن على وجودها، تكتفي فقط بإنجاز الدراسات والتقارير وإصدار بعض الإبداعات الأدبية ووضعها في الرفوف، ويبدو أنها مسيجة باختصاصاته أو كونها استنفدت أدوارها خاصة بعد ورود إمكانية الإستغناء عنها في ظل انتظار تفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وقناة تمزيغت التي كان يعول عليها في النهوض بالثقافة الأمازيغية أصبحت تكتفي بترجمة الأفلام والبرامج القديمة الناطقة بالدارجة، في حين هناك تدهور للغة والثقافة الأمازيغية على مستوى الواقع، فالجوانب المهمة من هذه الثقافة والتي تعتبر قريبة جدا من الوجدان العام للأمازيغ أصبحت تتآكل بفعل الإهمال وعدم الاهتمام.

التوصيات:

  • ضرورة وضع استراتيجية وطنية للنهوض باللغة الامازيغية من طرف الدولة و المؤسسات وخاصة منها التي تعنى باللغة والثقافة الامازيغية : وزارة الثقافة – وزارة الاتصال – المعهد الملكي – قناة تمزيغت – المركز السينمائي المغربي – المسارح الوطنية وجميع المؤسسات العمومية التي تعنى بالثقافة المغربية.
  • ضرورة وضع استراتيجية وطنية جديدة وتجديد الخطاب وآليات الإشتغال للنهوض باللغة الامازيغية من طرف المجتمع المدني الامازيغي ( الحركة الامازيغية ).
  • تفعيل ورش تعليم اللغة الامازيغية في الإعدادي والثانوي والجامعي، وفتح شعب للغة الامازيغية بالجامعات.
  • خلق آليات للحفاظ على اللغة أو اللغات الأمازيغية في إطارها المجالي والترابي وتثمينها وتقوية حضورها الاجتماعي والمؤسساتي، مع ضرورة العمل على نشر اللغة الأمازيغية المعيارية وجعلها تخوض غمار التجربة المعرفية والبحث العلمي.
  • انخراط الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية في ورش النهوض باللغة والثقافة الأمازيغية.
  • تشجيع الكتابة والإبداع والبحث باللغة الامازيغية من طرف الدولة والمؤسسات العمومية والمجتمع المدني والجماعات الترابية و تخصيص جوائز حولها.
  • تشجيع الترجمة إلى اللغة الامازيغية من طرف الدولة والمؤسسات العمومية والمجتمع المدني.
  • تحسيس الشباب في القرى والمدن من خلال الوسائط الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي وفي المناسبات الاجتماعية بأهمية الحفاظ على اللغة الأمازيغية واستعمالها في الأنشطة اليومية، والدعوة إلى تكثيف التحدث بها في المناسبات الاجتماعية واللقاءات الرسمية وفي وسائل التواصل الإجتماعي، والتحسيس بأهمية اللغة الأمازيغية في الحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية.

[1]  – محمد  علي عبد المنعم  مراد –  التحولات الاجتماعية وانعكاساتها على دور الدولة في المجتمعات العربية ( دراسة سوسيولوجية)  – مجلة بحوث كلية الآداب حلوان – مصر – العدد 104 – السنة 2016 –  ص 2

[2]  – دعاء فتحي فضل الله عيسى –  العوامل المستحدثة المؤثرة على ديناميكية جماعات النشاط المدرسي – مجلة بحوث في الخدمة الاجتماعية التنموية – جامعة بني سويف – عدد 2 – مارس 2023 – ص 4

[3]  – سعيد بنيس – تمغربيت – محاولة لفهم اليقينيات المحلية – ص 5

[4]  – نفس المرجع السابق ص 6

[5]  – موقع بيان التيار المغربي الموري – https://tinyurl.com/4ksvkjuc

[6]  – أندريا فالنتينو  – 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.  – https://tinyurl.com/yh43nk28

[7]  –  عبد السلام خلفي – انقراض اللغات : اللغة الامازيغية كنموذج – https://tinyurl.com/mspcdukz

[8]  – الجزيرة نت – نصف لغات العالم مهددة بالانقراض – https://tinyurl.com/33xfad9u


3 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments
الامازيغية في دينامية التحولات الاجتماعية | amaroc.info

[…] يشير مفهوم التحول – Transformation  في علم الاجتماع إلى الانتقال من حالة طبيعية إلى حالة أخرى سواء جيدة أو سيئة، أو الانتقال من حالة اجتماعية إلى حالة أخرى مغايرة ومختلفة، ويعرف موريس جينسبورغ – M Gensburg التحول الاجتماعي بأنه كل تغير يطرأ على البناء الاجتماعي، فيؤثر على أدوار الأفراد التي كانوا يمارسونها في ظل البناء الاجتماعي القديم، وهو يؤثر على أنماط الفعل الاجتماعي، وتنعكس التغيرات التي تصيب البناء الاجتماعي على السلوكيات والقيم والمعايير والمنتجات الثقافية والرموز المختلفة[1].  […]

الامازيغية في دينامية التحولات الاجتماعية | amaroc.info

[…] التحول بفعل الدينامية – Dynamisme[2] التي تعزى إلى تلك القوة المحركة للمجتمع أو تلك […]

الامازيغية في دينامية التحولات الاجتماعية | amaroc.info

[…] “تموريت” المأخوذة من كلمة ” أمور ” مؤنثها ” تمورت [3]” وتعني الموطن أو البلد ودلالتها اللغوية تحيل على […]