أسئلة حول -مبادرة النقد والتقييم- داخل حزب العدالة والتنمية
النقاش الذي أثير داخل اللجنة السياسية التابعة للمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المغربي في ما سمي بـ”مبادرة النقد والتقييم” التي أطلقها مجموعة من شباب ومناضلي الحزب هو نقاش إيجابي وهام بلا شك، ولكن هل يبلغ الغاية في إبراز أزمة الحزب على جميع المستويات بما فيها مستوى الأطروحة السياسية الفكرية عوض البقاء في المشاكل التنظيمية والتقنية وصراع الأجنحة ؟
إن المعضلة الكبرى التي يظلّ الحزب غارقا فيها والتي تسببت في انعدام الثقة فيه سواء من طرف النخب المغربية أو الأحزاب الأخرى بما فيها الحليفة في الحكومة ـ دون الحديث عن رغبة النظام السياسي في التخلص منه ـ هي معضلة المرجعية الفكرية والإيديولوجية، فالحزب الذي يعتبر نفسه حزبا ذا “مرجعية إسلامية” لم يقم بالجهد المنتظر منه لتجديد معنى اعتماد الدين الإسلامي مرجعية في السياسة اليوم وفي السياق المغربي، إذ من المعلوم أن الرغبة في اعتماد هذه المرجعية قد أدى إلى خراب شامل في العديد من البلدان الإسلامية، كما عرقل تطور بلدان أخرى، بل إنه أصبح يشكل تهديدا للدول الغربية ذات التجارب الديمقراطية العريقة.
إذا كان قانون الأحزاب المغربي ينصّ على حظر استعمال الدين في العمل الحزبي، فما معنى أن تكون حزبا “إسلاميا” اليوم ؟ وبأي معنى تريد اعتماد الإسلام مرجعية في العمل السياسي ؟ وبأية قراءة للدين وأي فهم لنصوصه يريد الحزب أن يشكل قيمة مضافة في الحياة السياسية المغربية ؟ هل توجد لدى الحزب هيئة فكرية مهمتها تجديد الفكر السياسي الديني وابتكار مفاهيم جديدة من أجل القطع مع الفهم التراثي المتأزم والذي أدى إلى نتائج كارثية ؟ نقول هذا ونحن على علم بأن “حركة التوحيد والإصلاح”، الذراع الدعوية للحزب، باتت عاجزة كليا عن القيام بهذا الدور الحضاري الكبير الذي يبدو أنه يتجاوز طاقتها الفكرية وإمكانيات أعضائها المحدودة، كما أن إيديولوجيا “الدعوة” عموما ـ التي باشرها الإسلام السياسي منذ عقود ـ لا ترقى إلى لعب هذا الدور بسبب ضيق أفقها وعدم واقعيتها.
لقد قام الحزب بجهد كبير من أجل التبرؤ من تنظيم “الإخوان المسلمين” والتنصل من انتمائه إلى الإيديولوجيا الدعوية للإسلام السياسي، لكنه لم يقم بنفس الجهد من أجل التجديد الفكري وتحديث منظومته المفاهيمية حتى يحقق التميز الفعلي عن “الإخوان”، فالمعارك التي خاضها الحزب ضدّ الحريات والمساواة وحقوق الإنسان بالمغرب هي نفسها التي خاضها “الإخوان” في مصر والأردن وغيرهما من البلدان، بل إن نفس المفاهيم النكوصية التي استعملت في المعارك و”الغزوات” الإعلامية لـ”لإخوان” هي نفسها التي اعتمدت لدى الحزب المغربي وحركته الدعوية.
إن مشكلة الحزب ليست هي “زيغ قيادته عن التوجهات والمبادئ الأصلية”، بل هي في تلك “التوجهات” ذاتها وتلك “المبادئ” التي جعلت من الحزب جزيرة معزولة داخل الساحة السياسية، حيث أبانت الممارسة المؤسساتية عن عدم واقعيتها وقصورها الذي جعل منها عراقيل حقيقية سواء في طريق الحزب أو في التطوير الديمقراطي عامة. وهذا يجعل من المهام الصعبة الملقاة على شباب الحزب حاليا هو تخليص الإيديولوجيا البيجيدية من قبضة المشايخ الجامدين للتنظيم الدعوي.
وإذا تركنا المسألة الدينية جانبا وتحدثنا في السياسة، هل تستطيع هذه “المبادرة النقدية” الداخلية إلقاء الضوء على أخطاء الحزب التي أبان فيها سابقا عن انتهازية كبيرة في علاقته بالنظام، حيث اعتقد بأنه بتقاربه مع المخزن التقليدي سيستطيع القضاء على خصومه العلمانيين والحداثيين والتمكين لنفسه حليفا للسلطة، وعلى حساب مسلسل التطور الذي أرهصت به سنة الحراك الشعبي 2011 ؟
لقد فشل الحزب عمليا في أن يحظى بدعم القوى الديمقراطية بسبب نزوعه المحافظ المفرط الذي جعل ولايتيه الحكوميتين تتحولان إلى سدّ منيع ضدّ إصدار قوانين مطابقة للمكتسبات الدستورية، ولعل هذا يتوافق تماما مع أهداف وأسلوب عمل المخزن التقليدي، لكنه في النهاية يضرّ بالحزب من حيث تجربته السياسية التي صُنفت من طرف الديمقراطيين المغاربة ـ المدنيين والسياسيين ـ بأنها لم تكن ناجحة في تدعيم مسلسل الانتقال نحو الديمقراطية في بلدنا (هذا إذا كان الحزب مقتنعا أصلا بأن الديمقراطية لا يمكن اختزالها في آليات الاقتراع ولعبة الصناديق وحدها).
إن الأجدى في اعتقادنا ـ والحزب يمرّ بمرحلة صعبة تهدّد تماسكه الداخلي ـ أن ينصرف اهتمام الحزب بعد تقوية صفوفه إلى تجويد أدائه ودوره في إنجاح الترسيخ الديمقراطي من الناحية القيمية والتشريعية، عوض التفكير فقط في رأب الصدع الداخلي خوفا من فقدان تصدره للانتخابات، ذلك لأن بلدنا لم يستفد حتى الآن أي شيء من صدارة حزب المصباح بقدر ما عانى من رغبته في إرضاء السلطة والتوسع داخل المؤسسات.
أحمد عصيد كاتب وشاعر وباحث في الثقافة الامازيغية وحقوقي مناضل من اجل القضايا الأمازيغية والقضايا الإنسانية عامة