القضية الفلسطينية والاستثناء المغربي
أولا، لم يتخل المغرب عن القضية الفلسطينية ولن يتخلى عنها، لأن هذا من أساس سياسته الخارجية، ومن الأسس الأخلاقية للمغاربة في تضامنهم مع الشعوب المقهورة.
ثانيا، المغرب لم يوظف القضية الفلسطينية في صراعاته الخارجية كما وظفتها بعض الدول العربية ذات التوجه القومي والاشتراكي. ولم تمتد يده لقتل الفلسطينيين كما فعلت سوريا في عهد حافظ الأسد، ولم يطرد أي فلسطيني من أرضه كما فعلت ليبيا، ولم يتبن فصيلا فلسطينيا لضرب فصيل الرئيس عرفات كما فعلت عراق صدام حسين.
نعم وظفت الدولة المغربية القضية الفلسطينية داخليا في صراعها مع اليسار المغربي القومي والماركسي الذي وظف هذه القضية في صراعه مع الحكم في المغرب واتخذها وسيلة لاستمالة الجماهير لاستنساخ التجربة الناصرية في المغرب، لكنه فشل، ولو نجح، لا قدر الله، لأصبح المغرب مثل سوريا والعراق حاليا.
ما تبقى من الأحزاب المغربية اليسارية والتيارات الإسلامية توظف القضية الفلسطينية من أجل مكاسب داخلية وانتخابية… وهذا معروف، وما يقوم به الآن أتباعهم لتجييش العواطف هي المتاجرة بالقضية سياسيا أو إيديولوجيا أو دينيا أو نفسيا. الإسلاميون يؤيدون حماس وإمارتها بغزة، واليساريون يؤيدون فتح في الضفة الغربية، وهم مقسمون إيديولوجيا بين دولة فلسطينية إسلامية إخوانية في غزة وأخرى مدنية في رام الله.
ثالثا، المغرب دولة مستقلة، وهو حر في علاقاته الدولية وفقا لمصالحه، بما لا يتنافى مع المبادئ الإنسانية و الأخلاقية.
رابعا، الفلسطينيون أنفسهم، يتخذون مواقف أحيانا معادية للمغرب وفق مصالحهم: لن ننسى سنة 1988، في مؤتمرهم بالجزائر العاصمة شبهوا المغرب بإسرائيل والبوليساريو بالفلسطينيين وحضر زعيم البوليساريو مؤتمرهم هذا. وإلى الآن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية المزعومة.
خامسا، الفلسطينيون أنفسهم يعترفون بإسرائيل، وتعمقت علاقاتهم الأمنية والإدارية والاقتصادية والاستخباراتية بها …
الفلسطينيون أنفسهم غدروا بالمرحوم الملك حسين وقاموا بالانقلاب عليه، فطردهم من أرضه بقوة السلاح، غدروا بالكويت أيام احتلال صدام لها، فطردتهم الكويت من أرضها بعد تحريرها، سوريا بشار الأسد طردت حماس لغدرها به… الاستثناء هو المغرب، لم يطرد أي فلسطيني عندما غدروا به في مؤتمرهم بالجزائر سنة 1988، وعاشوا مكرمين في أرضه رغم هذه الطعنة الغادرة، عكس الجزائر التي طردت 45 ألف مغربي وشتت الأسر بعد استرجاع المغرب لصحرائه.
الحل الديموقراطي للقضية الفلسطينية والتي نومن بها لتحقيق السلام في الشرق الأوسط ونكررها دوما، هو نفس الطرح السياسي لأصحاب القضية، ومنهم الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين بزعامة نايف حواتمة:
– إقامة دولتين، إسرائيلية وعاصمتها القدس الغربية، وفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. وفق القرارات الدولية.
– إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية، ونقل المستوطنات الإسرائيلية فيها إلى داخل إسرائيل، أو مبادلة الأراضي بين الدولتين.
– السماح بعودة اللاجئين أو التعويض لهم.
لكن المعضلة الأساسية اليوم هي من سيوحد الفلسطينيين الموزعين الآن بين إمارة حماس في غزة، وحكومة فتح في رام الله.
نحن دوما، كما رضعناه من ثقافتنا الأمازيغية، مع القضايا الإنسانية بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللغة، فالقضية الفلسطينية قضية إنسانية نؤيدها كمبدأ أساسي، لكننا لا نتاجر بها، وهذا هو مكمن خلافنا مع المتاجرين بها انتخابيا وسياسيا في بلدنا لتحقيق مصالح داخلية في وطننا المغربي، لأننا لا ننطلق من إيديولوجية ما، ما تنطلق منه هو مصلحة وطننا أولا ثم مناصرة الشعوب المقهورة.
باحث وناقد و روائي أمازيغي ومن أكبر المساهمين في دينامية الكتابة الأدبية الأمازيغية. أصدر أول عمل أدبي سنة 1994 بعنوان «موزيا»، وهو مجموعة من الحكايات المشهورة في منطقته بالجنوب الشرقي. وأصدر بعدها أربعة مجاميع قصصية ورواية، كما ترجم قصة «المعطف» للكاتب الروسي نيكولاي غوغول إلى الأمازيغية.