ماذا يعني أن تكون أمازيغيا اليوم؟
“ ⴰⵔ ⵉⵜⵜⵎⵙⵓⵙ ⵓⴼⵕⴰⵃ ⴰⵍⵍⵉⴳ ⵉⵎⵙⵡⴰ ⴷ ⵓⵇⵕⴰⵃ.”
المرحوم حمو أوالغازي
الثبات و الاستقرار استثناء في الكون، والتحول و التغير هما القاعدة التي تحكمه. إن الرقي و الازدهار و التخلف و التقهقر، و الصعود و النزول ما هي إلا وجوه هذا التبدل و التقلب، و لا شيئ يخرج عن هذا القانون الكوني العام. لقد تغيرت معالم حضارات و تبدلت، و نمت على أرضها أخرى أو استنبثت. فالتحول ظاهرة طبيعية لا قوة توقفها و لا سلطة تبطلها.
و لا تنجو اللغات و لا الثقافات من فعل هذه الظاهرة، فالتاريخ يسجل تحولاتها و الجغرافيا تشهد على وقوعها و تحتفظ على آثار و بقايا كل سابق و تحوله إلى لاحقه. فما خُلقت الأركيولوجيا إلا لمعرفة مخلفات الماضي و الكشف عن تطورات الحياة.
لكن ماذا عن الهويات؟
فبعد المشاق التي عرفتها الأمازيغية عبر المراحل التاريخية الطويلة التي قطعتها، و المعانات العميقة التي التي كابدتها جراء سياسات ممنهجة سعت إلى إبادتها، و العولمة التي جعلت من الكون مختبر الأقوياء و من الضعفاء فئران التجارب، ماذا يعني ان يكون الإنسان أمازيغيا اليوم؟
هل الأمازيغي من يتكلم الأمازيغية؟
لا يكفي في تقديري المتواضع. فالحديث بلغة لا يعني بالضرورة الانتماء إلى أهلها. فهناك أشخاص كثر يتكلمون أكثر من لغة، و هناك من لم تتح له فرصة تعلم لغة أجداده و أسلافه. أما بالنسبة للأمازيغية فمن الأجانب من يتحدثون بها بطلاقة تكاد تفوق كفاءة من وُلد في بيئة أمازيغية. لذلك فالأمازيغوفوني ليس بالضرورة أمازيغيا.
وهل الأمازيغي من يسكن بلاد تمازغا؟
لا يصح مثل هذا القول كذلك، لأن الأمازيغ منتشرون عبر العالم و يسكنون كل بقاع الكرة الأرضية شمالها و جنوبها و شرقها و غربها. فهل من الانصاف أن نصادر حق هؤلاء من هوية يحملونها في قلوبهم و يتوارثونها من جيل إلى جيل منذ قرون؟
أليس الأمازيغي هو من تشبث بالمنظومة القيمية و الأخلاقية و الأعراف و التقاليد التي أثارها ابن خلدون في حديثه عن تاريخ البربر؟
الفضائل كما سماها صاحب المقدمة، كالحرية و الإخلاص و التضامن و غيرها قيم انسانية كونية تناضل من أجلها مختلف القوى الديموقراطية و الحقوقية و الإنسانية عبر العالم، و لا ينبغي ربطها بأي شكل من الأشكال فقط بالأمازيغ، خصوصا و أن بعض الأمازيغ في الوقت الراهن تخلوا عن المبادئ التي كانت تسم و تخص أحرار شمال افريقيا و بلاد الأمازيغ الذين عُرفوا عبر التاريخ بتقديسهم للحرية، و الذين لم يجرؤوا يوما على مقايضتها مهما كان الثمن، وحرصوا على الحفاظ على كرامتهم و احترام كرامة غيرهم و لم يفكروا يوما في تحقير أنفسهم أو إهانة غيرهم. كانوا على وعي تام بأن الكرامة لا يمكن تعويضها مهما كان البديل و أيا كان المقايض.
فماذا يعني إذن أن يكون الشخص أمازيغيا اليوم؟
الهوية الجماعية حقيقة لا غبار عليها، تقول بها و تؤكدها كل العلوم الإجتماعية، و هي خاصية مشتركة بين مجموعة من الكائنات الحية و لا ينفرد بها الإنسان لوحده. غير أنها بالنسبة للإنسان ترتبط ارتباطا وثيقا بتاريخه و وعيه به، و بثقافته و قدرته على الحفاظ عليها. الشيئ الذي يجعل الهوية الجماعية عند الإنسان تتوارث خارج الأمكنة وبطريقة غير واعية من الكبار الصغار، لارتباطها بالسلوك الجماعي و بنظرة أفراد فرقة معينة للعلاقة مع غيرهم و إلى الحياة بصفة عامة.
أن تحمل هوية أمازيغية وفق هذا المنظور، يعني الإحساس بالإنتماء و الاعتزاز به في استقلالية عن المكان الذي تتواجد فيه. و في هذا احترام لحرية الفرد و رغبته في الانتساب أو عدمه. فمن يرغب في البقاء على ما كانت عليه دهيا و ماسينسا و مقاومة الظروف الصعبة التي تمر منها الأمازيغية لغة و ثقافة حر و من يفضل الاستسلام أو الإنسلاخ و التحول حر كذلك و لا يحق لأحد عتابه، لكن على أساس احترام اختياره و الالتزام به. فأمجاد الأمازيغ (و نكساتهم أيضا) شرف لحفذتهم لا لغيرهم، و بطولاتهم مجد و رفعة لمن اختار الانتماء و مقاومة التحديات ، لا لمن انتسب لمن يسعى لمحو آثار الأحرار في الجغرافيا و همة و بسالتهم من التاريخ.
و في الختام، هوأمازيغي من يحس أنه أمازيغي، تحيا بداخله الأمازيغية و يعيش بها. يفرح بها و يحزن بها ينام بها و يستيقظ عليها. و لا أظن أنه من العدل اعتبار من يمتطي الأمازيغية لتحقيق أغراضه الشخصية أمازيغيا، لأن المبدأ يتناقض مع النتيجة.