نتائج الإحصاء حول نسبة الناطقين بالأمازيغية هل هي إحصاء أم إقصاء ؟


أثارت نتائج الإحصاء المتعلقة بنسبة الناطقين باللغة الأمازيغية والتي أعلن فيها المندوب السامي الجديد للمندوبية السامية للتخطيط السيد شكيب بنموسى يوم أمس الاثنين 17 دجنبر 2024 على أن نسبة الناطقين باللغة الأمازيغية لا تتجاوز 24.8% بكل فروعها في المغرب، الكثير من الإستغراب والدهشة لدى الرأي العام المغربي سواء المهتم بالشأن الأمازيغي أو غير المهتم، وهذه النتائج تطرح علامات استفهام كبيرة حول دور الدولة الحقيقي والجاد ومؤسساتها في النهوض بالأمازيغية، خاصة أمام الإنجازات الهامة التي راكمتها القضية الأمازيغية من خلال مسلسل إنشاء معهد ملكي للثقافة الأمازيغية و إدماجها في التعليم والإعلام وترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور كلغة رسمية وتشريع قانون تنظيمي من أجل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في الفضاء العام والمؤسسات إلى الإعتراف بالسنة الأمازيغية واعتبار ” ئض ئناير” يوم عطلة مؤدى عنها، مع ضرورة الإشارة إلى أن الحكومة الحالية أعلنت أنها خصصت مليار درهم من أجل النهوض بالأمازيغية في أفق 2025. وبالتالي فالنسبة المعلن عنها تعتبر نكوصا لهذه الإنجازات، بل إنها تعبر على أن هذه اللغة تسير في طريقها نحو الانقراض، وأن جميع المجهودات المؤسساتية التي تبذل من أجل تنميتها وتطويرها والنهوض بها ماهي إلا ضرب من العبث.

ظروف وملابسات الإحصاء

يقول المثل الفرنسي : Les statistiques c’est l’art de mentir avec précision

انطلاقا من هذا المثل أو هذه المقولة يمكن لنا أن نشك في نتائج الإحصاء الأخيرة حول نسبة الناطقين باللغة الأمازيغية، باعتبار أنها بعيدة كل البعد عن الواقع، خاصة مع استحضار الظروف والملابسات التي أحاطت بعملية الإحصاء والتي تتمثل في   طريقة إجرائه خاصة ما يتعلق بجزئية اللغة المستعملة أو المنطوقة، بحيث تضمنت العملية استمارتين؛ الأولى قصيرة و تتم تعبئتها من طرف جميع المبحوثين، والثانية مطولة تخص اللغة وتتم تعبئتها تحت الطلب، والكثير من المبحوثين لا يعلمون بوجودها، والمكلفون بعملية الإحصاء لا يعبؤنها إلا لمن يطلبها، وقد سبق لمجموعة من الفعاليات الأمازيغية أن نبهوا إلى هذا الخطأ المنهجي في طريقة الإحصاء، بحيث أن منهجية الإحصاء كنوع من البحوث الميدانية هي التي تتحكم في النتائج.

ينطلق الشك في نتائج الإحصاء حول نسبة الناطقين باللغة الامازيغية كذلك من كون أن ضمن المبحوثين الذين تم إدراجهم ضمن نسبة الناطقين بالدارجة المغربية – والتي تمثل حسب الإحصاء 91.9% – من يتحدثون بأحد فروع اللغة الأمازيغية إلى جانب الدارجة وبالتالي فالنسبة المعلن عنها حول عدد الناطقين بالدارجة ستكون هي نفسها نسبة الناطقين بالأمازيغية أو على الأقل قريبة منها.

الخلفيات الأيديولوجية للإحصاء

إن الشئ البديهي أن كل إحصاء أو استطلاع للرأي أو بحث ميداني توجد وراءه خلفيات أيديولوجية مهما كانت صدقيته ومهما كان أقرب إلى العلمية، لأن الموضوعية في العلوم الاجتماعية نسبية، ونتائج الإحصاء كعلم من العلوم الاجتماعية وكنوع من البحوث الميدانية تعتمد على العينة المبحوثة، باعتبار أن هذه الأخيرة يجب أن تكون محددة وشاملة أو على الأقل يجب التصريح على أن عملية الإحصاء شملت نسبة معينة من المبحوثين، والحالة هنا أنها انتقائية وعشوائية، أي كونها لم تشمل جميع الناطقين باللغة الأمازيغية في المدن والبوادي، ولا نتحدث هنا عن هامش الخطأ المتعلق بغياب المبحوثين عن أماكن إقامتهم أو بالأخطاء التي قد يرتكبها المكلفون بالإحصاء، بل عن الدوافع الأيديولوجية التي قد تكون وراء الظروف المحيطة بالعملية منذ البداية وبالتالي تصبح النتائج المعلنة عبارة عن تحصيل حاصل فقط.

يلاحظ أن نسبة الناطقين باللغة الأمازيغية حسب الإحصاءات المعتمدة من طرف المندوبية السامية للتخطيط التي كان على رأسها  السيد أحمد الحليمي علمي قبل أن يتسلمها المندوب الحالي السيد شكيب بنموسى بتاريخ 18 أكتوبر 2024، في تناقص بحيث انخفضت من 72% سنة 1994  إلى 28.3% في سنة 2004 و 26% في سنة 2014 و 24.8% في سنة 2024، ما يطرح بالتالي التساؤل حول مدى وجود رغبة لدى الدولة في جعل الناطقين بهذه اللغة أقلية، وهذا الأمر يطرح كذلك إشكالية أهمية و مستقبل هذه اللغة سواء بالنسبة للدولة أو بالنسبة للناطقين بها.

تناقض نتائج الإحصاء مع سياسة الدولة  

تطرح نتائج الإحصاء تناقضا كبيرا مع سياسة الدولة حول النهوض بالأمازيغية، هوية، ولغة، وثقافة ، وبالتالي فالجهود المبذولة من طرف هذه الأخيرة تعتبر مفارقة – Paradoxe  في مسألة التعاطي مع الأمازيغية، وتطرح نوعا من الضبابية لدى الفاعل الامازيغي حول  التعاطي مع الأمازيغية من طرف مؤسسات الدولة، باعتبار أن المرجعية القانونية والسياسية للنهوض بالأمازيغية في المغرب هو الخطاب الملكي في أجدير سنة 2001، والذي يعتبر أن النهوض بالأمازيغية مسؤولية وطنية، ولا تقتصر فقط على مكون دون آخر، كما تطرح هذه النتائج نوعا من التعارض بين متطلبات النهوض بالأمازيغية كرؤية ملكية متبصرة وحكيمة، وبين التصورات والرؤى أو الدوافع الأيديولوجية لبعض القائمين على المؤسسات العمومية والذين لم يستوعبوا مضامين خطاب أجدير بشكل جيد بعد، رغم مرور أزيد من 20 سنة عليه.


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments