بين وهم التنمية وصراخ الجبال: الأمازيغ المهمشون يكشفون زيف العدالة المجالية في سباق المونديال


تُسلط الحلقة الثانية من الموسم 15 من برنامج “أمودو”، التي بُثت مؤخراً على القناة الأولى، الضوء على الواقع القاسي الذي يعيشه سكان قرية “أنرغو”، وهم جزء من المجتمع الأمازيغي المنسي في المغرب هذا البرنامج يُظهر بوضوح التهميش والعزلة التي تعاني منها هذه المناطق النائية، والتي تُركت لسنوات طويلة على هامش التنمية. هنا، تُطرح أسئلة جوهرية حول السياسات الحكومية التي تُكرس الظلم المجالي وغياب العدالة الاجتماعية والمجالية.

المفارقة الكبيرة تكمن في هذا التناقض الصارخ بين طموحات الدولة في تنظيم أحداث عالمية ضخمة، مثل كأس العالم 2030، وبين الواقع المُرّ الذي تعيشه القرى الأمازيغية والجبلية هذه المناطق تُحرم من أبسط حقوقها في الحصول على الخدمات الأساسية مثل الماء، الرعاية الصحية، التعليم، والبنية التحتية، في حين تُصرف الملايين على مشاريع ضخمة لا تمس حياة المواطن البسيط في تلك المناطق، حيث تُنفق الدولة أموالاً طائلة على بناء الملاعب والمنشآت الترفيهية في المدن الكبرى، بينما يعيش سكان “أنرغو” وأمثالهم في عزلة شبه تامة، محرومين من الضروريات الأساسية للحياة.

إن القروض الضخمة التي تحصل عليها الدولة لتمويل مشاريع ترفيهية ومنشآت رياضية هي في الواقع عبء جديد على الاقتصاد الوطني، لكنها لا تفيد سوى فئة قليلة في المناطق الحضرية الكبرى، هذه القروض، التي من المفترض أن تساهم في تنمية شاملة، تتحول إلى مشروعات استعراضية تخدم مصالح نخبة معينة، بينما تترك الفئات الأكثر هشاشة تَغرق في الفقر والتهميش، حيث يُترك سكان القرى الأمازيغية في مناطق مثل “أنرغو” لمواجهة مصيرهم، وكأنهم غير موجودين في حسابات التنمية الوطنية.

إن استغلال موارد البلاد الطبيعية والبشرية في مشاريع لا تُراعي الفئات المهمشة هو ما يعكس غياباً واضحاً للعدالة المجالية. هذه السياسات تُكرس الفوارق الاجتماعية والمجالية وتُعمق شعور سكان المناطق الريفية والجبلية بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، كيف يمكن لدولة تدعي السعي نحو التقدم والتنمية أن تتجاهل جزءاً كبيراً من شعبها، وتُبقيهم في وضعية تهميش مستمر؟ هل يمكن الحديث عن تقدم حقيقي بينما يعيش الآلاف من المغاربة في ظروف بائسة، محرومين من المياه الصالحة للشرب، والتعليم الجيد، والرعاية الصحية الأساسية؟

إن الحكومة ايضا تُعزز هذه الفوارق من خلال تجاهلها الواضح لهذه الفئات وتقديم أولويات غير منطقية بدلًا من تركيز الجهود على تحسين جودة الحياة في المناطق النائية وتطوير بنيتها التحتية، وهو ما يوضح ان الحكومة تضع مواردها في مشاريع تتماشى مع أجندات دولية، هذه السياسات لا تعكس إلا افتقاراً لرؤية عادلة وشاملة للتنمية، حيث يتم تفضيل مشاريع ترفيهية جذابة على حساب حقوق الإنسان الأساسية التي يجب أن تُعطى لها الأولوية.

إن برامج مثل “أمودو” هو تذكير قاسٍ بمدى فشل الحكومة في تحقيق تنمية عادلة وما اسمته بالدولة الاجتماعية، وما تلك المشاهد التي نراها في القرى النائية إلا دليل على عجز سياسات الحكومة عن تلبية احتياجات مواطنيها، خصوصًا الأمازيغ الذين يعيشون في المناطق الجبلية. هؤلاء السكان، الذين لطالما تم إقصاؤهم، بحاجة إلى أكثر من مجرد تقارير إعلامية؛ هم بحاجة إلى سياسات فاعلة تنقذهم من دوامة التهميش والفقر والإقصاء.

من وجهة نظري ارى انه لا يمكن اعتبار التنمية ناجحة أو مستدامة إذا كانت تترك فئات واسعة من الشعب المغربي خلف الركب، محرومة من أبسط حقوقها، إد وجب على الحكومة ان تعيد النظر في سياساتها وتضع العدالة المجالية في قلب اهتماماتها، وإلا فإن الدولة الاجتماعية و التقدم الذي تتغنى به سيظل مجرد قشرة سطحية لا تعكس الواقع الحقيقي للملايين من المغاربة المهمشين.

أسامة لمين ناشط امازيغي حقوقي


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments