أي حضور للأمازيغية في التدبير الترابي؟
لقد تبنى المغرب نموذجا ترابيا يقوم على “الجهوية الموسعة”، وهو قرار ينبغي أن ينهض بالتنمية المجالية لجميع مناطق المغرب بشكل متوازن يلبي الحاجيات المحلية، ويسمح لكل جهة باقتراح وإعداد وتنفيذ مبادرات تنموية تتناسب مع مؤهلاتها الذاتية ومحيطها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. وهذا يعني أن أدوار المجالس الجهوية ومجالس الجماعات الترابية يجب أن تكون أكثر فاعلية، لأن القانونين المنظمين لهذه المجالس يمنحانها اختصاصات وصلاحيات على قدر كبير من الأهمية في ما يتعلق بتدبير الشأن المحلي. لكن ما يهمنا في هذا المقام هو مدى استجابة القانونين المنظمين لكل من الجهات (111.14)، والجماعات (113.14) للمضامين الدستورية التي تتعلق بالحكامة اللغوية وتدبير التنزيل الفعلي لترسيم الأمازيغية:
1-الجهات:
في ما يتعلق بالجهات لا يتضمن القانون التنظيمي رقم 111.14 أية إشارة لأي دور يمكن أن تقوم به الجهة لإعداد السياسة اللغوية الجهوية التي تحقق مطلب ترسيم الأمازيغية وتساهم في تطويرها. لكن القانون المذكور يتضمن مجموعة من الفصول التي ينبغي استثمارها كمدخل للمبادرة إلى تفعيل المقتضيات الدستورية.
– في المادة 46 نجد من ضمن اختصاصات مجلس الجهة برنامج التنمية الجهوية. وهو إطار مناسب للتفكير في آليات تحقيق تنمية لغوية على مستوى الجهة.
– في المادة 51 “… تكون جلسات مجلس الجهة مفتوحة للعموم…”. وهذا يعني أن المجلس ملزم بالتداول باللغتين الرسميتين معا، وذلك انسجاما مع النص الدستوري الذي يضمن حق المواطن في الحصول على المعلومة.
– تنص المادة 80 على الاختصاصات المرتبطة بالتنمية المندمجة والمستدامة. وتتضمن مجموعة من المهام، من بينها “العمل على تحسين القدرات التدبيرية للموارد البشرية وتكوينها”. وهذا يعني أن الجهة ملزمة بإعداد برامج لتكوين مواردها البشرية. ولا بد أن تحظى الأمازيغية بعناية خاصة في هذا الباب، لأن ولوج اللغة الأمازيغية للإدارات والمؤسسات العمومية يقتضي تكوين موظفين تسند إليهم مهمة إدماجها في كل الإجراءات والوثائق الإدارية التي تخص المواطن.
– المادة 82 تتعلق بالاختصاصات الذاتية للجهة، وتتضمن في المستوى المتعلق بالثقافة اختصاصين:
– الإسهام في المحافظة على المواقع الأثرية والترويج لها.
– تنظيم المهرجانات الثقافية والترفيهية.
وهذان مدخلان أساسيان لتكريس الطابع الرسمي للأمازيغية من خلال منح الفرصة أمام كل الأشكال الثقافية المعبرة عن الأمازيغية (في المسرح والشعر والموسيقى والصناعة التقليدية وغيرها…).
– المادة 91 تتناول الاختصاصات المشتركة بين الجهة والدولة. وفي المستوى الثقافي تم تحديد ثلاثة اختصاصات مشتركة هي:
– الاعتناء بتراث الجهة والثقافة المحلية.
– صيانة الآثار ودعم الخصوصيات الجهوية.
– إحداث وتدبير المؤسسات الثقافية.
هذه الاختصاصات تطرح إشكالية تتعلق بطبيعة الشراكة بين الطرفين. أي إن الجهة ستظل تحت وصاية الدولة، خصوصا في ما يتعلق بتوفير الموارد والاعتمادات المالية لتنفيذ هذه المهام المشتركة.
-المادة 117 تقضي بإحداث هيئة استشارية (من بين هيئات أخرى) لدى مجلس الجهة “بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني التي تختص بدراسة القضايا الجهوية المتعلقة بتفعيل مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع”.
وهذا يقتضي الانفتاح الجدي على الجمعيات الثقافية والتنموية التي تعنى بالأمازيغية لتقديم اقتراحاتها ومشاريعها والاستفادة من تجاربها وتبني مبادراتها التنموية في كل ما يتعلق بتحقيق أجرأة الترسيم.
2- الجماعات الترابية:
القانون التنظيمي للجماعات الترابية 113.14 لا يتضمن أيضا أية إشارة لدور الجماعة في المساهمة في إدماج الأمازيغية في التدبير الترابي، لكن يمكن الإشارة إلى مادتين ينبغي استثمارهما على هذا المستوى:
– تنص المادة 78 المتعلقة بالاختصاصات الذاتية للجماعة الترابية على مجموعة من المهام، من بينها “تشوير الطرق العمومية”. وهي مهمة ينبغي العناية بها في مختلف الجماعات بما يسمح للأمازيغية بولوج الفضاء العام في كل اللافتات والعلامات التشويرية الخاضعة لنفوذ الجماعة، وهو إجراء تم العمل به حتى قبل الإفراج عن القانون التنظيمي للأمازيغية، لكنه الآن ينبغي أن يكون إلزاميا.
– وردت في المادة 87 نقطة تتعلق بالمحافظة على التراث الثقافي المحلي وتنميته، وذلك من خلال:
-إحداث مراكز الترفيه.
-إحداث المركبات الثقافية.
-إحداث المكتبات الجماعية.
3- مقترحات لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في الجهات والجماعات الترابية:
-تشكيل مجالس جهوية تابعة “للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية” من أجل تتبع تنفيذ السياسة اللغوية والثقافية جهويا ومحليا، يكون تدخلها متعلقا بالخصوص بتنمية وحماية الأشكال الثقافية المحلية، باعتبار أن السياسة اللغوية هي من اختصاص المجلس الوطني.
-إعداد ميثاق جهوي يحدد السياسة اللغوية بالجهة في ما يرتبط بالحفاظ على التعبيرات اللغوية المحلية وصيانة التراث المحلي.
-تكوين الموظفين الجهويين والجماعيين في اللغة الأمازيغية، وفتح المجال أمام توظيف أطر جديدة مؤهلة من حاملي الشهادات العليا في مسلك الأمازيغية.
-منح الأمازيغية مكانتها اللائقة كلغة رسمية، وذلك من خلال رفع عدد ساعات تدريسها إلى المستوى الذي يجعلها في نفس مقام اللغة العربية، بالإضافة إلى تعميمها فعليا في كل المدارس الابتدائية في أفق إدماجها في المستويات الإعدادية والتأهيلية. وإذا كان هذا القرار يهم الدولة والقطاع الوزاري المشرف على التربية والتعليم، فإن إشراك المجالس الجهوية والجماعية ضروري على مستوى المساهمة في إعداد مقررات وبرامج تعنى بالثقافة المحلية.
-استعمال اللغتين الرسميتين معا في كل الفضاءات العمومية.
-تحرير كل الوثائق الإدارية التي تتعلق بشؤون المواطنين باللغة الأمازيغية إلى جانب العربية.
-تعديل القوانين المنظمة للحالة المدنية، حيث تنص المادة 23 من ظهير 1.02.239 الصادر في 3 أكتوبر 2002 على ما يلي: “يحدث دفتر عائلي للحالة المدنية يحرر باللغة العربية مع كتابة الأسماء الشخصية والعائلية ومكان الولادة وأسماء الأبوين بالحروف اللاتينية بجانب كتابتها بالحروف العربية”، لذلك ينبغي تعديل هذه المادة بما ينسجم مع المقتضى الدستوري. (الأمر نفسه ينطبق على نسخ رسوم الحالة المدنية التي ينبغي أن تكتب بالأمازيغية أيضا)…
إن مطلب تدبير السياسة اللغوية يظل شأنا مشتركا بين الدولة والمجالس المنتخبة جهويا ومحليا، لكن اختيار المغرب لمشروع الجهوية الموسعة يمنح لمسيري الشأن المحلي دورا كبيرا في الرقي بالتنمية المجالية. وفي هذا الإطار يجب أن نضع في اعتبارنا أن المغرب حديث العهد بالتجربة اللغوية الجديدة؛ فالأمازيغية تحتاج أولا إلى جبر الضرر بالمعنى الحقوقي للمفهوم، أي إننا نحتاج إلى عدالة لغوية حقيقية حتى لا يظل الترسيم حبرا على ورق. وتلك هي المهمة الأساسية التي ينبغي أن تناط بـ “المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية”؛ فالأمازيغية في حاجة ماسة إلى الحماية والتنمية في أفق ترسيمها في كل مناحي الحياة. ومن ثم، يلزم أن تكون هذه المؤسسة الدستورية جهازا تقريريا يسهر على مراقبة وتوجيه المستوى الإجرائي لترسيم الأمازيغية، ويساهم في تقوية حضورها في كامل التراب الوطني.