معتقلو “حراك الريف” ودولة الجائحة
ابتداءً أحب أن أطَمْئن القارئ المحتمل بأني لن أُمْطِرَه بوابل من الخواطر والتأملات شبه الفلسفية أو الدينية في الحال والمآل، مِمّا يمليه زمن كُورونا الذي أناخ بكُلْكُلِه على صدور العالَمين؛ فقد تكفل بذلك غيري كثير، وبكرم حاتمي…
لكن قصارى ما أقصد إليه في هذه المقالة الوجيزة أن أربط بين الروح الجديدة التي تهيمن على تدبير الدولة للآثار الاجتماعية للجائحة، وبين الروح التي حفَّزت الحركات الاجتماعية في مختلف مناطق المغرب في السنوات الأخيرة، والتي كان للريف منها الحظ الأوفر مدةً وعددا وعقابا؛ حيث لا يزال معتقلو حراك الريف يقبعون في الزنازين ويتشردون في المنافي…
لقد أبانت الدولة خلال هذه الجائحة عن حِسٍّ أو روح آخرَ غيْرَ روح هاجس الضبط الأمني الخالص الذي يعالج الأعراض بإخمادها عن طريق تسخير القوة العمومية، تاركا الأمراض تستفحل وتتفاقم تحت غطاء من الاستقرار الزائف، الذي كثيرا ما كان بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة: َحركة اجتماعية فَقَمْعٌ فاستقرار زائف فانفجار اجتماعي فقمع فاستقرار ظاهري فانفجار اجتماعي فقمع… وهكذا دواليك مما سجله تاريخ مغرب الاستقلال.
لقد برهنت الدولة خلال أيام الجائحة الأولى على أنها تستطيع أن تستمع إلى نبض الجسد الاجتماعي وتحاول، بما تيسر لها من إمكانات، أن تعالج أدواءه الأكثر إيلاما. والشعب قادر على تقدير الأمور حق قدرها؛ فلا يطلب من دولته الإتيان بالمعجزات؛ بل هو يثمن كل إشارة من الدولة مهما كانت رمزية تُشعِرُه بأن له دولة ترعى مصالحه، وتعمل ما في وسعها لأجل توفير الضروري من احتياجاته؛ ومنها الأمن بطبيعة الحال، لكن ليس أمن القبور (أمن الاستقرار الزائف، الناتج عن المعالجة القمعية للاحتجاجات الاجتماعية).
هذه هي الدولة التي خرج في طلبها مغاربة الريف في حراكهم، ومغاربة جرادة وآيت باعمران والأطلس والجنوب حديثا، ومغاربة الاستقلال في مختلف جهات المغرب بالأمس القريب والبعيد…
فأَمّا وقد لاحت بشائرُ هذه الدولة الاجتماعية المواطِنة، فإنه من باب انسجام الدولة مع ذاتها الجديدة تلك أن تطلق سراح المعتقلين من أبناء حراك الريف وتجبر الضرر المادي والمعنوي، الذي تكبدوه جرّاءَ معالجة دولتية لم تكن قد تخلصت بعدُ من إرث الماضي في تدبير الاحتجاج الاجتماعي.
وعدا مطلب انسجام الدولة مع ذاتها، فإن الإفراج عن معتقلي حراك الريف، إذا تمَّ، سيكون سببا آخر من أسباب تعزيز وتحصين الشعور بالوحدة والانتماء لدى أبناء الوطن الواحد؛ وهو ما سيعزز بدوره، لا محالة، عملَ الدولة في جميع الأحوال: السرّاء منها والضرّاء.
فهل سيعلو صوت العقل والحكمة على صوت المُرْجفين من بِطانة السوء؟