“تاغروط” عظم كتف الخروف والتنبؤ بأحوال الحياة والطقس
يحرص رحل صاغرو ،كغيرهم من الأمازيغ وساكنة شمال إفريقيا، خلال عيد الأضحى المبارك، على القيام ببعض العادات والتقاليد الموروثة أبا عن جدا،خاصة إيلاء العناية ببعض العادات يوم العيد،خاصة المرتبطة منها بالأضحية ”تافسكا” كما تسمى باللغة الأمازيغية، حيث يضعون لها الكحل، ويطعمونها كمية من الشعير والحناء قبل ذبحها ،كطقوس إعداد الأضحية لتلقى “الله” في حلة جميلة، بالإضافة إلى مسح وجوههم بالطبقة الداخلية الناعمة لجلد الكبش، وهي عادات وطقوس متجذرة في تاريخ وثقافة الأمازيغ يشمال افريقيا منذ القدم.
لكن العادة الأهم في هذه العادات والطقوس،والتي يوليها كبار السن أهمية كبرى،هي عادة قراءة أحوال المستقبل والتنبؤ بأحوال المناخ والطقس و الكوارث، سواء الطبيعية والبشرية، وهي عادة قراءة عظمة الكتف “تاغروط”، خاصة لدى الرحل منهم، كونهم مجتمع مترحل يعتمد بالأساس على الترحال والبحث عن المراعي الخضراء والكلأ والبحث عن الماء، الذي هو المادة الأساس في حياتهم، وكما يقول مثال من تراثهم “أمان إيمان” ،(أي الماء ،أساس الحياة).كلها عوامل تجعل من رحل صاغرو،دائمي الإهتمام بأحوال الطقس والمناخ (أمطار،ثلوج،جفاف،…الخ).
للتنبؤ بهذه الأحوال، يستعين الرحل بعظمة ”تاغروط” كما أصبحت تنطق في اللغة الأمازيغية، لرحل أيت عطا ،وهي عظمة الكتف “أغروظ” ،حيث يحرص كبار السن من الجدات والأجداد،المتخصصين في قراءة العلامات التي تحملها “تاغروط”، حيث تتضمن الأخيرة علامات محددة للدلالة على الأمطار، الثلوج، والجفاف أو موت أحد أفراد الأسرة أو القبيلة.
ليس هذا فقط، بل إن اتجاه تلك العلامات، ووجودها بوسط عظم “تاغروط”، أو على ظهرها له تفسيرات معينة.
غالبا ما تشير نقط سوداء كثيفة على جلود الماعز ، وهذا ينبئ بكارثة تحل بالماشية ، سواء بفعل عوامل طبيعية أو أمراض معدية، بينما تشير الفراغات البيضاء على موسم الجفاف أو الرياح العاتية.
أما العلامات على شكل حفر، فهي ترمز للقبور ويسمونها “تيمضلت” ،على كارثة مؤلمة تحل بأحد أفراد الأسرة أو القبيلة، متمثلة في موت أحدهم بسبب من الأسباب.
كما أن رحل صاغرو من أيت عطا،يتنبؤون عبر علامات اخرى بموت أحد بهائمهم من البغال، والجمال أو الحمير.
أما للتنبؤ بالأمطار ، والثلوج ،واخضرار المراعي، وتوفر مياه العيون والأنهار، فعلامتها هي وجود شريط علوي أسود “أديف” على عظمة “تاغروط” ،وهذا الأخير “أديف” (المخ) هو عبارة عن مادة سائلة توجد بالعظام، وتوجد في عظمة “تغروط” على الجانب العلوي.
وفي الجانب السفلي للعظمة، غالبا ما يلاحظون علامة تتراءى لهم أنها “جلسة إنسان بثياب بيضاء”، طلقون عليها “تغجديمت ن تديالت”، وتعني حرفيا “جلسة الأرملة”، كإشارة إلى موت أحد الرجال وقيام زوجته بارتداء لباس العزاء الأبيض.
ليس كل من هب ودب يمكنه وفي استطاعته قراءة “تاغروط”، بل هي مهمة يختص بها البعض فقط من العارفين بهذا “العلم” المتوارث، والذي يتوارثه الأبناء عن الأجداد.
لقراءة عظمة “تاغروط” و سبر أغوار علاماتها، يشترط لدى رحل أيت عطا صاغرو ، أن يتم إزالة قطع اللحم من عظمة الكتف”تغروط” بأصابع اليد وليس بالأسنان، ويحرصون كل الحرص على أن لا يقوم أحدهم بنزع اللحم من فوقها بالأسنان، وبالتالي تفسد قبل قراءة العلامات التي تحملها.
و جدير بالذكر، أن هذه العادة مازالت موجودة ،في مجتمع الرحل بصاغرو كذلك لدى بعض المستقرين، لكنها تكاد تنقرض، بموت كبار السن .
وإلى وقت قريب جدا، قبل وفاتها(قبل أسابيع) عن سن يفوق المئة سنة، كانت جدتي رحمها الله، من بين النساء العطاويات اللواتي كن يقمن بهذه العادة ،وقراءة “تاغروط” .
في وقتنا الحالي، انقرضت تقريبا هذه العادة، ولم يعد أحد يهتم بها، إلا بعض كبار السن، الذين يعدون على رؤوس الأصابيع، بل تعتبر هذه العادة الثقافية، لدى السواد الأعظم اليوم من أيت عطا وغيرهم مسألة لا يصدقونها ، ويعتبرها كثير منهم عمل مخالف للدين الإسلامي.
بقلم يدير شكري