آلية التبرير في النقاش العمومي
آلية التبرير من المفاهيم المعتمدة في مجال التحليل النفسي، ومعناها كما حدّدها الأب المؤسس لهذا العلم “سيغموند فرويد”، السلوك الذي بموجبه يعمل الفرد على إيجاد التبريرات المختلفة للأخطاء التي يقترفها بغرض التخفيف من وطأة الصراع النفسي الناتج عن الشعور بالذنب، حيث يقوم “الأنا الأعلى” ممثل سلطة المجتمع في الجهاز النفسي للشخصية، بمحاسبة الوعي على تخاذله في مراقبة “الهو” ممثل الغريزة، ومن أجل إعادة التوازن النفسي للشخصية وتجنب الوقوع في “العُصاب ” أي المرض النفسي، يقوم “الأنا” ممثل الوعي بإيجاد التبريرات الضرورية لتخفيف ذلك الشعور المأساوي بالذنب لدى الشخصية.
ولكي نقوم بتبسيط هذا المفهوم نعطي المثال التالي: عندما يقوم تلميذ بالغش في الامتحان، فإن التبرير الذي يقدمه لنفسه للتخفيف من وطأة فعلته هي القول “إن الجميع ينقلون”، وهي نفس العبارة التي ينطقها أيضا عندما يتم ضبطه من طرف الحراس، بينما هي عبارة تبريرية لا تمحو خطأه المتمثل في خرق القانون.
وإذا خرجنا من إطار الشخصية الفردية إلى مجال الشخصية الاجتماعية فسنجد بأن هذا المفهوم يصلح لتحليل وفهم سلوك المغاربة أمام العديد من الأزمات التي يتسبب فيها نمط الوعي السائد.
ولفهم بعض آليات الدفاع لدى الشخصية المغربية من أجل حلّ الصراع النفسي دون حلّ المشاكل الفعلية بطريقة واقعية، نورد الأمثلة التالية:
كلما طرح الإعلام والمثقفون والملاحظون ظواهر اجتماعية سلبية للمناقشة، والتي تتمثل في سلوكات وأنماط وعي بعض المواطنين، إلا وتسابق الكثير من المغاربة لتبرير تلك الأفعال عوض الإقرار بها والبحث عن طرق تداركها، فعندما نقول إن مجتمعنا يطبعه الاستبداد من الأسرة إلى السلطة، يقولون إن المجتمعات الأخرى كذلك تعرف أشكالا من الاستبداد، وعندما نتحدث عن العنصرية في بلادنا يتسابقون في الحديث عن أمريكا وعنصرية جهاز الأمن ضدّ السود، وعندما نطرح موضوع الحريات الفردية يقولون إن فرنسا تمنع “الحجاب” في المؤسسات، وعندما نثير موضوع السقوط الأخلاقي وأزمة القيم يعتبرون الغرب هو معدن الانحلال، وحتى عندما نثير موضوعا مثل نبش قبور المسلمين وتخريبها يقولون إن هذا العمل قد مارسته النازية واليمين المتطرف في الغرب أيضا، وعندما نطرح مشكلة العنف ضدّ النساء يأتون بإحصائيات تقول بوجود العنف ضد النساء في مجتمعات غربية.
هذه الأساليب التبريرية تظهر ما يلي:
ـ عدم وجود رغبة في الاعتراف بالخطأ ووضع حدّ لسلوكات سلبية.
ـ وجود رغبة أكيدة في تعميم حالتنا وإسقاطها على الغير.
ـ عدم التمييز بين الظواهر السلبية في بلادنا والبلدان الأخرى، فالكثير من هذه السلوكات التي ذكرنا (مثل العنف ضد النساء مثلا) يتم تجريمها في الغرب بعقوبات شديدة، بينما عندنا تعتبر طبيعية ومبررة، بل يتم الامتناع عن إصدار قوانين لتجريمها بمبررات دينية (الاغتصاب الزوجي مثلا).
ـ وجود رغبة ملحة في تخفيف المحاسبة الذاتية من خلال التركيز على قبح الآخر، والهدف هو التطبيع مع هذه الحالات المنحرفة وإخفاء عيوب الذات وتجنب أي نقد ذاتي.
ونشير بهذه المناسبة إلى أنه حتى في حالة عدم عثورنا على مُبرر خارجي للتخفيف من أخطائنا، نستمر في اقترافها، مما يدلّ على أن غرضنا هو تبرير أفعالنا السلبية وجعلها أفعالا طبيعية عوض الحدّ منها.
لقد تبين من التاريخ الحديث لبلدان ناهضة بأنّ آلية التبرير لا تساعد على الخروج من التخلف، وأن المنطلق الصحيح هو النقد الذاتي وتقوية البيت الداخلي عبر إصلاحات حقيقية، وأولها إصلاح التعليم، وأنّ رمي الناس بالحجارة لا يكون له من هدف سوى أن ننسى هشاشة وضعنا الداخلي.
أحمد عصيد كاتب وشاعر وباحث في الثقافة الامازيغية وحقوقي مناضل من اجل القضايا الأمازيغية والقضايا الإنسانية عامة