الفنان الامازيغي : تكلم ومُت


لم يعد هنالك أي خيار أمام الفنان الامازيغي إلا القيام بقطيعة تاريخية كبرى مع الأسلوب العتيق في طبيعة علاقتهم مع المهنة ومحيطها، الذي دأب عليه أغلب المبدعين في الفنون الأمازيغية المختلفة، خاصة في مجال الأغنية والمسرح والسينما. بالرغم من أن فئة قليلة من الفنانين/ت تفطنوا منذ سنوات إلى عمق المشكلة التي يواجهونها.

إن القطيعة / الضرورة التي وجب إحداثها، وبسرعة، لا تتعلق بماهية الفن وجوهريته المرتبطة بقضايا التجديد والتحديث وتطوير المدارس والمدارك، أو بالهزات والرجات التي وقعت للفن والثقافة بشكل عام بسبب سيادة العولمة وانتشار التكنولوجيا الحديثة ذات الإعلام والتواصل المفتوح والفوري، سواء تعلق الأمر بفنون تيرويْسا أو بمدارس المجموعات او ظاهرة الفيزيون.. فتلك أمور تتعلق بمواهب وابداع وتجارب ومستويات التكوين وقدرات كل فنانة/ن على حدة، وإنما ما نقصد هنا بالقطيعة فهو يعني بالضرورة “شخصية الفنان” فالمبدع بالامازيغية يجب عليه أن يدرك أنه ينتج ويبدع بلغة تعيش وضع خاص، تعيش ضمن واقع حتمي، وضع الهشاشة واللامساواة بفعل سياسات الدولة، وهو واقع ثقافي وسياسي لا يعترف بالامازيغية ولا تدخل في إطار “اللغة المنتجة” فهي من وجهة نظر الدولة ليست لا لغة أولى ولا لغة ثانية، وربما لا تعتبرها حتى لغة الدرجة الثالثة، بالرغم من كونها “أيضا لغة رسمية في الدستور”. فاللغة الأمازيغية تعيش خصوصيات كثيرة ويتقلص مجال استعمالها وتداولها باستمرار بسبب انتشار التعريب بشكل كثيف ومخيف.

وبالتالي، وجب على جميع الفنانين الامازيغ، الوعي بالقضية الأمازيغية باعتبارها قضية ذات أولوية ومصيرية بالنسبة لمسارهم الفني أولا ولمعيشهم اليومي ثانيا. فلم يعد الصمت يجدي نفعا، فلا خيار للفنان الامازيغي اليوم إلا تملك ثقافة الحقوق والوعي السياسي بضرورة النضال من أجل تطبيق الدستور واحقاق المساواة اللغوية والثقافية، والنضال من أجل النهوض بالامازيغية لغة، ثقافة وحضارة. فلم تعد القضية، قضية مناضلين ومناضلات، في الجمعيات والجامعات، وإنما أصبحت اليوم قضية الجميع، وبالأخص قضية الفنان.

فما جدوى التغني بالحب والجمال والطبيعة باللغة الأمازيغية في وقت تسير فيه هذه اللغة نحو الإنقراض والزوال. في المقابل يمكن التزاوج في التعبير عن كل هذه القضايا في تكامل وتوازن، على سبيل المثال، يمكن التغني بالحب والجمال والفراق والطبيعة… وكل الاشياء الجميلة دون اغفال الدفاع عن الهوية والثقافة الامازيغيتين وكل القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها الأمازيغ، ويبقى نموذج الرايس محمد ألبنسير نموذجا فريدا نجح في صنع شخصية فنية مميزة خاصة به، فهو لن ينارعه أحد في شعر الغزل والحب والجمال ولكن أيضا لن يستطع احدا منافسته في الشعر السياسي و الأغنية السياسية الملتزمة، وفي الدفاع عن قضايا المقهورين والمهمشين وكذلك الدفاع عن اللغة الامازيغية في زمن صعب فيه الكلام عن مثل هذه القضايا، وقد ذاق ألبنسير مرارة الشعر الأغنية الملتزمة ودفع تضحيات كبيرة، لكن سجل اسمه في التاريخ بمداد من ذهب، كفنان أسطوري فاق صيته وشهرته كل ارجاء المغرب وخارجه.

إن الفقيد أحمد بادوج قد قام، قيد حياته، بمسؤوليته التاريخية، فظل ينادي بالعدل والمساواة وتحقيق الرفاه للفنان الامازيغي دون أن ينسى الدعوة إلى الدفاع عن الأمازيغية كلغة وثقافة وهوية…

قال الكاتب الامازيغي الجزائري المغتال سنة 1993 برصاص الظلام والعذر : “إذا تكلّمتَ تموت وإذا سكتَّ تموت، إذن تكلّم ومُت”.


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments