لمصلحة من ينشر الإسلاميون الأضاليل والفتنة؟


بعد الإعلان عن الاتفاق المغربي الأمريكي الذي تعترف بموجبه واشنطن بمغربية الصحراء، هاجمته وبشراسة مبالغ فيها، تنظيمات الإسلام السياسي، وتحركت أدواتها الدعائية موظفة كل ما من شأنه التشكيك في وطنية وذمة ونوايا مهندسي الاتفاق من المغاربة. كما حاولت زرع بذور الشك في نفوس المواطنين، اعتمادا على التضليل والإفتراء. 

فإسلاميو الحكومة، استعانوا بالتَقْنيعْ بغية حجب الحقيقة بالأقنعة، فهذا مثلا وزير الشغل السيد محمد أمكراز، يضع قناع شبيبة الحزب على وجهه لعل وعسى يحجب وجه الوزير، حتى يكون منسجما مع موقف حزبه من الاتفاق المغربي الأمريكي بشأن الصحراء. تقنيع لم يستسغه كل من شاهد مروره على قناة الميادين اللبنانية، الممولة من إيران وحزب الله. فشل الوزير أمكراز في مسرحية الميادين، أبرز محدودية نهج التقية، الذي تعتمد عليه نخب الحزب، للعب على كل الحبال، والأكل من جميع الموائد باختلاف مصادر تمويلها.  

أما البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، المقرئ أبو زيد الإدريسي، فقد كان مروره المطول (أزيد من ساعة زمنية) على شبكات التواصل الإجتماعي، سيلا مسترسلا من تهم العمالة والتخوين، موجهة بالأساس إلى مؤسسات الدولة المغربية وإلى كل أولئك الذين يصفهم الإسلاميون بالمُطَبعين. رغم أن كل القوى الحية بالمغرب أعلنت وبالإجماع، بأن الاتفاق المغربي الأمريكي، لن يكون له أي تأثير على الدعم المغربي لنضالات الشعب الفلسطيني في قيام دولته، في احترام تام للشرعية الدولية.

ولخطورة ما جاء في ذلك المرور البئيس، من أضاليل من شأنها تضليل الرأي العام ونشر الفتنة، ارتأينا المساهمة في فضحها ودحض مضامينها، في حدود ما يسمح به المقام والمقال. 

اعتبار الاتفاق أسوأ من معاهدة الحماية والتآمر على العرش

في مروره البئيس، أصر المقرئ في مقدمة قصيرة، على تزوير تاريخ سقوط غرناطة سنة 1492، بغية تحقيق هدفين إثنين. أولهما استهداف اليهودية وتخوين كل اليهود المغاربة. وثانيهما، الإرتكاز على سقوط غرناطة وكل ما يرمز إليه، ليؤسس عليه هجومه على الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وعودة الدفء إلى العلاقات المغربية الإسرائيلية.

بعد أن انتهى من تزوير التاريخ، أُطلقَ المقرئ العنان لخياله، فكل ما من شأنه تحطيم كل المطبعين وكل من يعتقدهم خصوما له ولحزبه وحركته، يجب أن يوظف، ولو اقتضى الأمر الإساءة إلى رموز البلاد وتزوير التاريخ، واتهام مؤسسات البلاد والدبلوماسية المغربية، بما هو أسوأ من توقيع معاهدة الحماية يوم 30 مارس 1912، وبما هو أفظع من التآمر على العرش.

وإمعانا منه في لي عنق الحقائق، أكد أبو زيد، على أن أسوأ حدثين مرا على المغرب في هذا الخمس الأول من القرن الواحد والعشرين، هما يومان. يوم إقرار القانون 50 – 17 الذي تراجع عن التعريب، ويوم 10 دجنبر الماضي، يوم الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وعودة العلاقات بين المغرب وإسرائيل. واسترسل أبو زيد الإدريسي مهاجما على مؤسسات البلاد ورموزها ومكتسبات الشعب المغربي، قائلا:

ولقد عشنا في القرن العشرين يومين عصيبين، لا أرى أسوأ منهما إلا هذين اليومين، الذين نعيش ثانيهما، وارجو ان يكونا آخرهما هذه الأيام. في القرن العشرين، اليوم الأول هو 30 مارس 1912 عندما وقع المغرب معاهدة الحماية، أي عندما وقع المغرب الرسمي دخول الإستعمار الفرنسي بمسمى الحماية. وثاني أسوأ يوم هو يوم 20 غشت 1953 عندما أقدم الإستعمار الفرنسي على نفي محمد الخامس رحمه الله إلى خارج الوطن بعد عزله عن عرشه…”.

بربطه بين تاريخ 10 دجنبر 2020 يوم الإعلان عن الاتفاق الأمريكي المغربي بشأن الصحراء، وتاريخ 30 مارس 1912 يوم التوقيع على معاهدة الحماية بين فرنسا والمغرب، يتهم البرلماني الإسلامي المقرئ أبو زيد، مؤسسات البلاد والدبلوماسية المغربية، بالإقدام على ما هو أسوأ من فتح أبواب المغرب أمام القوى الإستعمارية.

وهذا الاتهام من شأنه ليس فقط، الإساءة إلى مؤسسات البلاد والشعب المغربي، بل تضليل الرأي العام وتأليب جموع المريدين والغوغاء من المتعاطفين مع الإسلام السياسي، للتحرك لمواجهة تداعيات حدث اعتبره أسوأ من معاهدة الحماية. فما أقدم عليه برلماني المصباح، هو في العمق محاولة بئيسة لنشر الفتنة ومحاولة زعزعة الاستقرار.

أبو زيد يتنمر على المغرب وينبطح أمام تركيا وقطر

في هجومه على مؤسسات البلاد وشعبها، تعمد أبو زيد، تجاهل الاتصال الهاتفي بين الملك محمد السادس والرئيس الفلسطيني محمود عباس، في نفس اليوم الذي أُعلن فيه عن الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وعودة العلاقات بين المغرب وإسرائيل. كما تجاهل التوضيحات التي أدلت بها الدبلوماسية المغربية، بشأن الطبيعة الخاصة للعلاقة بين المغرب وإسرائيل. 

فالمغرب لم يطبع علاقاته مع إسرائيل، بل أعاد تلك العلاقات إلى ما كانت عليه من سنة 1994 إلى سنة 2002، كما أن تواجد مليون مغربي بإسرائيل متشبثين بمغربتيهم، يفرض على البلدين، تدبير هذا الوضع، بما يحفظ لليهود المغاربة بإسرائيل حق العودة أو زيارة بلادهم متى شاؤوا، وواجب المساهمة في نمائها وتطورها.

رغم كل تلك التوضيحات، أصر أبو زيد على التنمر على بلاده، وهو الذي ظل إلى عهد قريب يدافع عن العلاقات التركية الإسرائيلية، معتبرا علاقات العثمانيين بإسرائيل، عمل يخدم القضية الفلسطينية. وفي الوقت الذي تأسف فيه على إفطاره دون أن يدري على ثمر إسرائيلي سرق من أرض فلسطين، سكت عن سبعة ملايير من الدولارات، هي قيمة المبادلات التجارية بين إسرائيل وتركيا. 

فأريع ثمرات إسرائيلية أكلها أبو زيد بالمغرب، أخطر من أنبوب إسرائيلي تركي للغاز سيشرع في أشغاله عما قريب، وأخطر من مائتي ألف سائح إسرائيلي يزورون تركيا كل سنة، وأخطر أيضا من الصناعات المعدنية المشتركة بين البلدين. فلمصلحة من يشتغل أبو زيد ومن معه؟

هذا السؤال مشروع، ويجب على غلاة الإسلاميين ومن معهم تقديم ما يلزم من التوضيحات للشعب المغربي بشأنه، خصوصا وأن أبوزيد الإدريسي تطرق في طلته على المغاربة، إلى موضوع تجارة المواقف والضمائر في صفوف شيوخ الإسلاميين. فقد هاجم بشدة ووقاحة، الشيخ الموريتاني المحفوظ بن بيه، النائب السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يرأسه المصري يوسف القرضاوي. فتجارة الفتاوى والذمم رائجة في صفوف شيوخ الإسلاميين، فإن باع الشيخ الموريتاني، الذائع الصيت، نفسه للإمارات، كما قال عنه أبو زيد، أفلا يستقيم القول بأن أبو زيد قد باع ما لديه لتركيا وقطر؟

يبكي أبوزيد معاناة اللاجئين الفلسطينيين، الذين لا يتجاوز عددهم سبعة مائة ألفا شخص سنة 1950، ليصل اليوم إلى قرابة ستة ملايين لاجئ موزعين على العديد من الدول. لكنه لم يجرؤ على الإشارة، لا من بعيد ولا من قريب، إلى الآلاف من ضحايا الحرب الاهلية السورية وإلى 13 مليون نازح سوري، هربوا من بلادهم بعد أن نشرت فيها تركيا الخراب والرعب، مسنودة بالحركات الإسلامية ودول الخليج. فالدم الفلسطيني مثله مثل الدم السوري وغيرها من دماء البشرية، والسكوت عما أحدثه العثمانيون الجدد من خراب في سوريا، نذالة ووقاحة ما بعدهما نذالة ووقاحة. 

الولاء الأعمى لتركيا وقطر، دفع بالمقرئ أبو زيد إلى وصف ثورة الشعب السوداني على نظام عمر البشير، بثورة عصابة العملاء. لا لشيء إلا لأنها تهدد مصالح تركيا بالسودان، وطالبت تركيا بإخلاء جزيرة “سواكن” السودانية، التي باعها الرئيس المخلوع عمر البشير لأنقرة. 

مخجل حقا، ان تكون زبدة نخبة الحركة الإسلامية بهذا المستوى وبهذا الانبطاح والعمالة لتركيا وقطر، وفي نفس الوقت تريد أن تتنمر على بلادها وعلى مؤسساتها. 

على سبيل الختم

في كتاب “أوراق قطر”، الصادر سنة 2019، يشرح مراسلَيْ التحقيق الفرنسيين، جورج مالبرونو وكريستيان شينو، كيف تشتري قطر النخب والمثقفين عبر العالم، في إطار صناعة القوة الناعمة القطرية. كما أن حكومة حزب العدالة والتنمية بتركيا، أصبحت الراعي العالمي لحركات الإسلام السياسي، وخصوصا حركة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها حزب العدالة والتنمية المغربي.

إن ولاء النخب الإخوانية بالمغرب للثنائي القطري التركي، لم يعد سرا، بل أصبح يعبر عنه جهرا. لذلك فالهجوم الشنيع لهذه النخب على اتفاق يوم 10 دجنبر الماضي، لا يمكن فهمه إلا على ضوء مصالح قطر وتركيا.


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments