كيف قصمت الأمازيغية ظهر الإسلام السياسي بالمغرب؟


لم نقرأ إلى حد الآن مقالات تحليلية حول ظاهرة السقوط السربع الذي عاشه الإسلاميون في شخص حزب العدالة والتنمية. يعني اجتهادات وافكار مبنية على مناهج تحليل وفق الاستناد على بنك معلومات والمعطيات والأرقام والظواهر التي يمكن اتخاذها كمؤشرات الاستبيان على الانهيار الذي عانى منه الاسلاميون الذين قبلوا الدخول في المؤسسات والحكم مع مؤسسة المخزن اعتمادا على آلية الانتخابات.

المعروف في كل بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن الاسلاميين وتيارات الاخوان يعتبرون وحوشا انتخابية تفترس الصناديق بملايين الأصوات وتلتهم كل الأحزاب السياسية المنافسة لها بمختلف توجهاتها الايديولوجية اليسارية والاشتراكية واليمينية واللبرالية، ولم يفلح احدا في التصدي لها مما جعل الانظمة تلجأ لقوة الجيش والعسكر والشرطة للدخول في غمار المنافسة السياسية عبر آلية القوة والقمع والعنف.

في المغرب حصل العكس، لكن للأسف لم نتابع تحليل علمي وسوسيو-سياسي يعتمد على مقاربة شمولية لفهم ظاهرة الانهيار الشامل الاسلاميين، فالبعض يهتم فقط بما هو بارز على الواجهة السياسية من خلال التركيز على ما قام به عزيز أخنوش منذ توليه رئاسة حزب الأحرار سنة 2016 والانزال اللوجيستيكي والتنظيمي والمالي الكبير لأكبر ملياردير في تاريخ المغرب المعاصر،( أنظر حوار محمد الطوزي بالفرنسية على جريدة Jeune Afrique عدد 13 شتنبر 2021) دون التركيز على عوامل أخرى ساهمت في تدهور صورة الاسلاميين أمام الشعب وداخل أوساط المجتمع. فعوض التركيز على قوة عزيز أخنوش وجاذبيته السياسية التي صنعها بفعل المال الوفير، لابد التركيز أيضا على اسباب الضعف والانهيار الداخلي وسط حزب العدالة والتنمية ومحيطه الشعبي والانتخابي الذي يتكون من الأوساط المحافظة والدينية داخل المجتمع المغربي. فالحزب قتل نفسه بنفسه لأنه انفجر في الداخل بفعل وجود تناقضات أيديولوجية خطيرة بين الخطاب الإسلامي الديني والدعوي والممارسة السياسية. فالحزب الإسلامي يحمل تناقض باطني لم يظهر للعلن إلا بوصوله إلى الحكم، فوقع له انفجار وانشطار.

لكن هذا لا يكفي لفهم أسباب السقوط الشامل، فإذا وضعنا جانبا عوامل التدهور الداخلي، وقوة المنافس أي أخنوش لاسيما وجود عمال المال والنفوذ. فتمة عوامل أخرى لعبت أدورا حاسمة في إزالة حجاب القوة على وجه الاسلاميين وأظهرت ضعفهم وجبنهم السياسي وعدم قدرة خطابهم السياسي على مواجهة التحديات والتحولات السياسية التي تعرفها الدولة والمجتمع المغربي. أهمها ما قامت به الأمازيغية في ابعادها وحمولتها الثقافية والسياسية الشاملة في تفكيك أيديولوجيا الاخوان والاسلام السياسي بشكل عام. ويمكن اجمال ذلك في النقط التالية :

  • الأمازيغية لعبت دورا محوريا في اقناع عموم المغاربة بضرورة العودة والتحصين بأنماط التدين المغربي الأصيل أو ما نسميه في ادبياتنا السياسية داخل الحركة الأمازيغية بالاسلام الأمازيغي، وهو نمط من التدين يرتكز على الوسطية والاعتدال والتصوف وعدم إدخال الدين وأمور الشريعة في السياسة والشأن العام، واستوعبت الدولة هذه الإشارات من خلال إعادة الاعتبار لوظيفة الزوايا والطرق الصوفية والاهتمام بوظيفة (الطالب/الفقيه) داخل المجتمع من خلال ادماجه داخل المنظومة الإدارية لوزارة الاوقاف وعزله عن السياسة، وهي عملية العودة إلى المنظومة الأمازيغية المحلية حيث كان الطالب/ الفقيه يشترط لدى القبيلة لتولية أمور المسجد والصلاة فقط دون غيرها، ولا يتدخل في أي قضية او نازلة تقع خارج أسوار المسجد. هذه العملية استوعبتها الدولة مبكرا في سنة 2003 في إطار اصلاح الشأن الديني واستقدمت المؤرخ والمتصوف الامازيغي احمد التوفيق الذي تولى وزارة الاوقاف والشؤون الدينية في وقت يعيش فيه المغرب على وقع المد القوي للاسلام السياسي والسلفية الجهادية وغيرها من التيارات الدينية… فالحديث عن انهيار الاسلاميين انتخابيا يتطلب إجراء تحليل شمولي مبني على مقاربات ومناهج مختلف خلال فترة زمنية متوسطة تبدأ على الأقل في سنة 2003 أي بعد أحداث 16 ماي الإرهابية…
  • قضية التعريب وتدريس اللغة العربية، لاشك فيه أن أيديولوجية الاخوان المسلمين ترتكز على عدة مقومات ومواقف راسخة يعتمد عليها الإسلاميون في تجييش العواطف وشحذ اهتمام الجماهير والأنصار، لا سيما المرتبطة بقضايا الهوية والقومية منها الدفاع عن اللغة العربية التي تعتبر في المنظومة القيمية الإسلامية والاخوانية بمثابة اللغة المقدسة ولغة القرآن، لذلك يدافع الإسلاميون على التعريب والعربية واجبار استعمالها في جميع مؤسسات الدولة والادارات والفضاءات العامة. وشن اخوان العدالة والتنمية حينما كانوا في المعارضة معارك قوية وحارقة في سبيل تعريب التعليم والمزيد من التعريب والاهتمام باللغة العربية ضدا في اللغة الامازيغية واللغات الأجنبية خاصة الفرنسية. لكن بعد وصولهم للحكومة والهيمنة السياسية على البرلمان وعلى المجالس المنتخبة، سنوا بأيديهم تشريعات وقوانين تضرب في تعريب التعليم بل اكثر من ذلك وافقوا وصوتوا على قانون جديد ينص على إسقاط التدريس بالعربية للمواد العلمية وتدريسها باللغة الفرنسية والأجنبية. وهو قانون 17/51 الذي دعى ابن كيران نواب العدالة والتنمية إلى اسقاطه في البرلمان. لكن لم يتوفقوا في ذلك، وتم التخلي عن جزء من تعريب التعليم على عهد حكومة يترأسها حزب إسلامي. لكن من هي القوة الاجتماعية والسياسية والثقافية الوحيدة في المجتمع التي تجرأت منذ عقود على مناهضة التعريب سياسيا وثقافيا ؟ انها الحركة الأمازيغية التي ناضلت لعقود بكل الوسائل السلمية والقانونية والمدنية من أجل إلغاء قوانين التعريب التي اعتمدها الدولة بعد الاستقلال، ودعت بضرورة الاهتمام باللغة الأمازيغية واللغات العالمية الحية. فالحركة الأمازيغية ليست هي الدولة وليست هي الحكومة ولا علاقة لها بالدولة العميقة ولا بالعفاريت وإنما هي تجسد القوة المجتمعية الحية التي تنظر إلى الأمور والقضايا المصيرية للدولة من زاوية موضوعية علمية، بعيدا عن نوازع العاطفة والمصلحة الذاتية. فالامازيغية هي الروح الأخلاقي للدولة والمجتمع، كان عليها أن تقول كلمة حق، ونطقت بها وهي أن تعريب التعليم هو سياسية فاشلة وغير مجدية اولا لأنها اقصائية في حق لغة الوطن والأرض والتاريخ اي الأمازيغية، وثانيا كارثية في حق أبناء المغاربة وتؤثر على مستقبلهم وعلى ملكة الإبداع والفكر ومسايرة أجيال التطور والابتكار العالمي.
  • إعادة العلاقات الديبلوماسية بين المغرب ودولة إسرائيل، التي وقع العثماني أمين عام حزب العدالة والتنمية بصفته رئيسا للحكومة على اتفاقيات التعاون والشراكة بين الحكومة المغربية والوزراء والمسؤولين الاسرائليين بمدينة الرباط. وهو حدث سياسي وتاريخي كبير يحمل عدة ابعاد جيوستراتيجية في غاية مو الأهمية. هذه الاتفاقيات الرسمية التي يسميها القوميون العرب والاسلاميين بالتطبيع مع إسرائيل، هي التي أدت إلى انهيار صورة الحزب أمام انصاره وأتباعه لاسيما اتباع حركة التوحيد والإصلاح التي تدل عدة مؤشرات على مقاطعتهم للانتخابات أو التصويت العقابي ضد حزبهم العدالة والتنمية والانتقام من آمين العام العثماني خاصة في دائرة المحيط التي ترشح بها في الرباط والتي فشل في الحصول على مقعد برلماني، فقضية التطبيع مع إسرائيل اعتبرت داخل أوساط الاسلاميين الخط الأحمر والخطأ الجسيم الذي لم ولن يغتفر للحزب وقيادته ووزرائه. فحتى المتعاطفين مع الحزب الإسلامي من المحافظين والسلفيين انتفضوا ضده بل منهم من صوت عقابيا ضده.
  • وهذه القضية أيضا أي إعادة العلاقات الرسمية بين المغرب وإسرائيل تعد من بين المطالب الأساسية للحركة الأمازيغية، بل تعتبر القوة السياسية والاجتماعية التي تتجرأ المطالبة بإعادة العلاقات البينية، وضرورة الاهتمام باليهود المغاربة في إسرائيل ونسج علاقات صداقة وتعاون بين البلدين، وقد راكم بعض النشطاء الامازيغ تجارب مفيدة في التعاون الثقافي والاكاديمي مع اليهود المغاربة في إسرائيل. وقد سجل التاريخ مرة أخرى قوة موقف الأمازيغية في مقاربة هذه القضية بعيدا عن التزمت القومي والتعصب الديني بعد استعادة العلاقات بين المغرب وإسرائيل، واتضح أن الحركة الأمازيغية كانت تبني مواقفها وسلوكها السياسي على معطيات ومرتكزات علمية وتاريخية وحضارية…. وليس في خطابها أي تناقض مثل الاسلاميين الذين يلعبون على العاطفة الدينية….

فالامازيغية هي التي تمثل الضمير الحي للمغاربة في الاعتماد على خصوصياتهم الثقافية والحضارية لتكوين شخصيتهم السياسية المبنية على عراقة التاريخ وتطور الحضارة وتنوعها، فبعد أن حاول الإسلاميون تشويه الهوية المغربية والزج بالمغرب في قضايا الشرق الأوسط، فإن الأمازيغية نهضت وقامت بدورها التاريخي في إعادة تموقع المغرب على جغرافيته الإفريقية…

الامازيغية التي نتحدث عنها هنا هي الروح والضمير هي الوعي بالذات الذي يقاوم كل أشكال التزييف والأسطرة وتحريف التاريخ والواقع….


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments