حزب بمرجعية أمازيغية : البديل


شكلت انتخابات 8 شتنبر الجاري وما سابقها من أحداث وسياقات ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بالحركة الامازيغية/ دينامية/ خطاب/ أفكار/ أفراد / مجموعات.. درسا وافيا وشافيا ومفيدا جدا للجميع. لاسيما نحن المنتمون إلى الحركة الأمازيغية وبالأخص إلى التيار السياسي الذي يسعى إلى بناء تنظيم سياسي حزبي مستقل، يستوعب عصارة الأفكار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والادبية والفلسفية والمطلبية والتنظيمية التي راكمتها الحركة الأمازيغية بالمغرب منذ عقود في تفاعلها مع الديناميات الأمازيغية بالمحيط الإقليمي بدءا بالجزائر والصحراء الكبرى مالي والنيجر ثم ليبيا بعد الثورة، وكذلك تفاعلا مع التجارب التي يراكمها امازيغ الديسبورا/ أوربا / كندا/ أمريكا.

قبل الانتخابات عشنا في كنف سياقات عديدة ومعقدة، وانشطرت الحركة الأمازيغية إلى عدة تيارات أو مكونات، منها من يشتغل في العلن ومنها من يشتغل في الخفاء بتنسيق مع أوساط في الدولة واوساط داخل الاحزاب، أهمها المجموعة التي تم الدفع بها إلى واجهة الأحداث للعب أدوار كومبارسية محددة الأهداف والأدوار، بدعوة الحركة الأمازيغية إلى ممارسة السياسة المباشرة لكن بشرط الدخول إلى أحزاب السلطة والادارة والمال، أو ما يسمى بالاحزاب المخزنية، وكان توجه هذه المجموعة هو الدعاية لحزب سياسي معين وهو حزب أخنوش الحاصل على الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية. مع ضرورة تسجيل ملاحظة غاية في الأهمية مفادها أن الأشخاص او “الرموز ” كما سماهم أخنوش في تصريح تلفزي، الذين تزعموا هذا التوجه لم يتم ترشيحهم ولم يرشحهم الحزب بالرغم من انضمامهم إليه. وبالتالي فهذه المجموعة لعبت دورا محددا قبيل الانتخابات، تجلى اساسا في الدعاية السياسية والاستهلاك الاعلامي لفائدة أخنوش كرئيس حزب سياسي، بمعنى أدق إظهار أخنوش للدوائر العليا في الدولة أنه الوحيد الذي استطاع استقطاب الحركة الأمازيغية ونشطائها الذين كانوا يعارضون البنية الحزبية والمخزنية على حد سواء منذ عقود. لا يهمنا هل فشل او نجح أخنوش في ذلك، هو قام بعملية تسويق سياسي على شاكلة التسويق التجاري التي تحاول الإيقاع بالزبون واقناعه بالمنتوج. أما الذين دخلوا في هذه العملية من الحركة الأمازيغية فيبدو أنهم مقتنعون برهانات العرض والطلب.

أما المجموعة الثانية من الحركة الأمازيغية فهي الفئة التي تتكون من مناضلين ونشطاء وخريجي الجامعات، اقتنعوا بضرورة الدخول إلى المؤسسات المنتخبة خاصة على المستوى المحلي والجهوي في الجنوب الشرقي والحوز وسوس وتامسنا والريف، فكانت دوافعهم شخصية وجماعية منبثقة من قراءة موضوعية للنسق السياسي والحزبي وطنيا وجهويا، هذه الفئة التي تتكون اساسا من الشباب ولجوا عملية الانتخابات عبر مختلف الأحزاب دون الدخول في النقاشات السياسية والفلسفية والايديولوجية بحكم عدة اكراهات، أهمها الاهتمام بما هو محلي وجهوي صرف والاقتصار على المشاركة في الانتخابات لتسيير المجالس المنتخبة، دون الدخول في تحالفات سياسية ذات البعد الوطني، كالمجموعة الأولى التي حاولت الاستفادة من المناصب عن طريق التفاوض القبلي مع الأحزاب واستغلال تراكم الحركة الأمازيغية ودون المغامرة الانتخابية. وكيفما كان الحال، فالمجموعة الثانية التي انطلقت بمبادرات فردية وجماعية ذات البعد المحلي والجهوي(شباب التغيير نموذجا) هي مبادرات مهمة للأمازيغيين الذين خاضوا تجربة الانتخابات.. فبدون شك انهم تمكنوا من الاستفادة منها، وسيخرجون بدروس وعبر مهمة في مقارنة الأفكار السياسية والنظرية بما يجري على أرض الواقع، وكيف ينظر الشعب إلى الانتخابات وإلى السياسة وغيرها. وأنا متأكد جدا أن الذين شاركوا في الانتخابات عبر الترشح باسم أحزاب سياسية قائمة، سيقتنعون تمام الاقتناع بضرورة وجود حزب سياسي بمرجعية أمازيغية…

لنصل إلى المجموعة الثالثة من الحركة الأمازيغية وهي التي تنتمي إلى التيار التنظيمي الذي يحاول ويبادر منذ مدة تأسيس حزب سياسي بمرجعية حضارية ثقافية، خاصة بعد أن منعت الدولة الحزب الديموقراطي الامازيغي المغربي سنة 2008، هذه المجموعة في الغالب لم يترشح اعضائها في الانتخابات الماضية ومنهم من لم يشارك في التصويت باقتناعهم بعدم الجدوى من ذلك بوجود أحزاب لا تؤمن بجوهر القضية الأمازيغية في هوية الدولة واللغة والثروات والموارد والقيم…

هذه المجموعة او التيار، غير معروف العدد، هو غير منظم، قد يكون اعضاءه كثر ومنتشرون في كل مناطق ومداشر المغرب والخارج، قد لا يعرف بعضهم البعض، قد يكونوا فقراء أو اغنياء، قد يكونوا من النخب أو من بسطاء الشعب، من فئات المهمشين او ما شابه ذلك.. لكن من المؤكد أنهم موجودون ومقتنعون بالقضية الامازيغية وطرحها السياسي. وهذا هو الأهم. هذا الوجود وهذا الاقتناع والايمان بالقضية هو الذي يزعج المخزن والاحزاب. لذلك يتم منعهم من التنظيم السياسي وفي المقابل يتم استدراجهم إلى الأحزاب الإدارية والمخزنية.
هذا التيار يؤمن بالمشاركة السياسية والعمل داخل المؤسسات، لكن بشروط وهي أن تكون المشاركة مسنودة بالمرجعية وأن لا تكون ذيلية، بمعنى أن لا يكون الامازيغ ذيليين داخل أحزاب أخرى لا تهتم لا بالفكر ولا بالمشروع ولا بالقضية، تشتغل بمنطق المقاولة….

الرهان اليوم هو الاستعداد للمستقبل، والتضحية في سبيل القضية في زمن طغت فيه لغة المال والمصلحة الشخصية، وموت فكرة الحزب السياسي الذي يحمل المشروع والبرنامج السياسي، و طغيان حزب المقاولة وغطرسة ظاهرة الباطرون السياسي عوض الزعيم السياسي، ودمور مفهوم المناضل وشيوع الزبون السياسي….
إن الأمازيغية في مغرب اليوم والمستقبل إما أن تتحول إلى مشروع البديل يدافع عن الديموقراطية والقيم والحداثة و إما أنها ستصبح أوراقها سياسية بيضاء يضعها أحزاب الإدارة والسطة في رفوف مكاتب التحنيط…

ع. بوشطارت


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments