أي أفق للنهوض الفعلي بالأمازيغية؟


عمدت بعض الفعاليات الأمازيغية خلال الأيام الأخيرة إلى مراسلة رئيس الحكومة المكلف على ضوء النتائج التي أفرزتها انتخابات 8 شتنبر. وتضمنت هذه الرسالة تهنئة خاصة بعبارات الود والثناء لرئيس الحكومة الجديد عزيز أخنوش، وحزبه التجمع الوطني للأحرار. أما في ما يتعلق بمكانة الأمازيغية في البرنامج الانتخابي للحزب الفائز بالاستحقاقات التشريعية الأخيرة فتقول الرسالة مخاطبة رئيس الحكومة: “وإذ ننوه بالمكانة والأهمية التي أوليتموها في برنامج حزبكم الانتخابي لتفعيل الطابع الرسمي للغة والثقافة الأمازيغية فإننا نرجو تحقق ذلك، ونؤكد لكم دعمنا لكل المبادرات والإجراءات الرامية إلى تفعيل الطابع المؤسساتي لهذا الالتزام خلال ولاية ترؤسكم للحكومة الجديدة”.

من الواضح أن الفعاليات المشاركة في صياغة هذه الرسالة تعلق آمالا كبيرة على الحكومة الجديدة لإخراج الأمازيغية من نفق الترسيم المعلق؛ فقد قدم “حزب الحمامة” نفسه خلال السنتين الأخيرتين كمدافع عن الأمازيغية “مؤسساتيا”، لذلك نجح في استقطاب عدد من النشطاء الذين أسسوا أو التحقوا بجبهة العمل السياسي الأمازيغي، وضمهم إلى صفوفه. وهكذا انخرط عدد من المحسوبين على الحركة الأمازيغية ممن يؤمنون بأطروحة “التغيير من الداخل” في المشروع السياسي للحزب، ودعوا إلى التصويت لمرشحيه في الانتخابات الأخيرة، كما تقدم بعضهم بترشيحات باسم هذا الحزب للظفر بمقاعد في المجالس الجماعية والجهوية والبرلمانية أيضا…لكن “الجبهة الأمازيغية” لم تقدم حتى الآن معطيات إحصائية دقيقة حول نتائج هذا الانخراط السياسي والانتخابي لمنتسبيها تحت يافطة “الأحرار” تنويرا للرأي العام.

تنويه الرسالة المشار إليها أعلاه بمكانة الأمازيغية في البرنامج الانتخابي للتجمع الوطني للأحرار يحتم علينا أن نقرأ هذا البرنامج ونحلل مضامينه في ما يتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؛ فقد حدد الحزب في برنامجه الانتخابي خمسة التزامات وخمسة وعشرين إجراء، حيث يحضر ملف الأمازيغية في الإجراء رقم: 23، الذي يقضي بإحداث صندوق تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.

ونقرأ في التفاصيل أن “الإرادة السياسية القاضية بالمضي قدما في ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية لن تكون ذات جدوى في غياب تعبئة الموارد المالية اللازمة لتحقيق هذا الطموح” (ص: 156). لذلك يدعو الحزب إلى إحداث صندوق خاص كآلية مالية تمكن من إدماج الأمازيغية في عدد من المجالات، وقدر برنامجه موارده التي سيستمدها من ميزانية الدولة في مبلغ مليار درهم، وذلك في أفق سنة 2025.

إحداث هذا الصندوق (إذا تحقق) سيكون له تأثير إيجابي على مسلسل الترسيم الفعلي للأمازيغية، لأن تحقيق هذا الطموح يتطلب اعتمادات مالية مهمة في مختلف المجالات؛ لكن هذا الإجراء يحتاج إلى تدبير سياسي وقانوني، لأن إعادة الاعتبار للأمازيغية تتطلب مجهودات متضافرة لكل الفاعلين على كل المستويات…

وبما أن مهمة التدبير في الحكومة المقبلة لن تكون من نصيب حزب التجمع الوطني للأحرار وحده فإنه ينبغي أن نتوقف عند البرنامجين الانتخابيين لشريكي “الأحرار” في الأغلبية الحكومية، بحيث يحضر ملف تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في برنامج حزب الاستقلال في الورش المعنون بـ: “تعزيز منظومة القيم وروح الانتماء للوطن”. وهكذا نقرأ في التدبير رقم 145 ما يلي: “التنزيل الفعلي للأمازيغية كلغة رسمية للمملكة، والعمل على تجميع وتدوين مختلف تعابير الثقافة الأمازيغية، بما في ذلك النهوض بالإبداع الفني الأمازيغي” (ص: 56).

هذه العبارة لا تتضمن إجراءات عملية ولا تقدم التزاما واضحا من شأنه أن يتحول إلى برنامج حكومي قابل للتنفيذ. ثم إن مواقف هذا الحزب المعروفة بمعاداتها للأمازيغية يمكن أن تساهم في استمرار مسلسل التعطيل المتوافق عليه. أما بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة فلا نجد في برنامجه الانتخابي أي حضور للأمازيغية، وهو ما يطرح علامات استفهام كبيرة.

إن المضي في تنفيذ قرار الترسيم عمليا لا يمكن أن يحقق النتائج المرجوة دون إحداث مؤسسة حكومية تعنى بملف الأمازيغية في علاقته بمختلف القطاعات المعنية بتفعيل مطلب الترسيم الفعلي. وهكذا يبدو المدخل الضروري لتحقيق هذا المطلب هو إحداث وزارة منتدبة لدى رئيس الحكومة مكلفة بالنهوض بالأمازيغية. وبدون هذا الشرط ستظل كل الخطوات والإجراءات المعلنة في هذا الباب غير مجدية، وذلك بالنظر إلى حاجة الأمازيغية إلى جبر الضرر الكبير الذي لحقها… فهل يمكن لتحالف الأغلبية أن يخصص حقيبة خاصة للأمازيغية في الحكومة المرتقبة أو في مرحلة ما من ولايتها؟.

يبدو الأمر مستبعدا في هذه المرحلة على الأقل، إذ مازال قطار الأمازيغية يسير ببطء شديد، لأن الإرادة السياسية اللازمة للحسم في مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية تقتضي أن يكون هذا الملف أولوية للدولة نفسها حتى لا يتحول إلى مجال للمزايدات والحسابات الحزبية والإيديولوجية. وهنا نتوقف عند عبارة وردت في البرنامج الانتخابي للتجمع الوطني للأحرار، تصف تعطيل إخراج القانون التنظيمي للأمازيغية الذي استمر لمدة ثماني سنوات بـ”الركود المحافظ”.

واضح أن هذه العبارة تحمل “البيجيدي” مسؤولية ذلك التأخر الكبير، لكن “حزب الحمامة” يتناسى بأنه كان جزءا من الحكومة التي تتحمل كلها مسؤولية تعطيل مسار أجرأة المقتضى الدستوري بخصوص الأمازيغية.

ولأن التاريخ لا ينسى، فإن الذاكرة مازالت تحتفظ بإقدام “حزب الحمامة” في نونبر 2013 على سحب مشروع القانون التنظيمي للأمازيغية من لجنة العدل والتشريع في الغرفة الأولى؛ وذلك بعدما تبنى هذا الحزب المشروع المذكور، (الذي بلورته الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة)، وأودعه لدى مجلس النواب عندما كان في المعارضة خلال النسخة الأولى من حكومة بنكيران، لكن انضمامه إلى الحكومة في نسختها الثانية جعله يعمد إلى سحب المشروع…وهو ما يعني أن “الركود المحافظ” كان متوافقا عليه… وستظل الأمازيغية مجرد ملف مطلبي لأجل غير مسمى إذا استمر هذا التوافق السلبي في المرحلة المقبلة.


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments