إعادة الاعتبار للتعليمي والتربوي وإصلاح المدرسة المغربية
إعادة الاعتبار للتعليمي والتربوي هو المدخل التنظيمي الأساسي لإصلاح المدرسة المغربية وتجويد تدبيرها ومخرجاتها. هذه الخلاصة هي نتيجة سنوات من الممارسة والبحث والمعاينة، والمقارنة بين سياقات من التدبير والنتائج واستحضار واقع المنظومة حاليا والأسباب الكبرى لتدني مستوى مخرجات المنظومة على المستوى التعليمي والتربوي في مقابل تضخيم الهاجس والإجراء التقني بشريا وماديا، رغم حجم المصاريف المالية والتجهيزية وكثرة التدابير التقنية التي تقوم بها الوزارة والأكاديميات والمديريات الإقليمية، يتعلق الأمر بتغيير فلسفة وخيارات التدبير الكبرى وفق طبيعة القطاع والنتائج المنتظرة منه.
لإعادة الاعتبار للتربوي من أجل تحقيق إصلاح فعلي وتجويد سير ومخرجات المدرسة المغربية، وقبل الحديث عن المناهج الدراسية وتدبير وتكوين وتحفيز الموارد البشرية وتنظيم الحياة المدرسية، وشعارات الجودة والإنصاف وتكافؤ الفرض والارتقاء بالقيم…، رغم أهميتها، يتطلب الأمر إعادة النظر في المقاربة “التقنوية” للشأن التعليمي والتربوي، والشروع بتغيير التصور والبنية المؤسساتية على المستوى التنظيمي والهيكلي والتدبيري وذلك من خلال:
– إعادة النظر في وضع “Statut” الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، باعتبارها مؤسسات عمومية لكي تحظى بصلاحيات كبرى على مستوى التدبير التربوي على أساس مشاريع واضحة، انطلاقا من الخصوصيات والموارد والممكنات الترابية الجهوية، في انسجام مع الخيارات الكبرى للوزارة والمنظومة، وتركيز مهامها وعملها التدبيري على الارتقاء بالمنتوج التربوي الذي ظل ضحية ترجيح التدبير التقني اليومي وتصريف المراسلات والإجراءات المركزية للوزارة.
– تغيير الهيكلة التنظيمية للوزارة والأكاديميات والمديريات الإقليمية ووضع “مديريات ومصالح تدبير الشأن التربوي” في مركزها ومقدمتها، على كل المستويات التدبيرية، بدلا من تقديم المصالح المرتبطة بالميزانيات والتجهيز والبنايات والتخطيط والموارد البشرية… عن التدبير التربوي الذي هو أساس المنظومة ومنتوجها وغايتها.
– إسناد مهام تدبير الشأن التربوي جهويا وإقليميا للتربويين الذين يملكون حسا ورؤية تربوية وتجربة وإلماما بالواقع التعليمي والحاملين لتصورات ومشاريع مبتكرة، وليس للتقنيين الإداريين والماليين الذي يفضلون تركيز مهامهم في التدبير التقني والمادي والإحصائي على حساب المنتوج التربوي الفعلي الذي ليست لهم دراية شاملة به وإن كانوا يسعون إليه ويعملون تحت يافطته.
– إحداث مراكز أو مصالح للبحث التربوي والاجتماعي بالأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية، تقدم دراسات وأبحاث وإنتاجات متعددة انطلاقا من واقع الممارسة التربوية والاجتماعية والخصائص الترابية للجهة والإقليم، وبالاشتغال على الإشكالات والحاجيات التي يتم تشخيصها من خلال تحليل الممارسة والتدبير ومواكبة الفاعلين والأسر والمتعلمين.
بعد ذلك، أي تركيز التدبير على التعليمي والتربوي الذي هو أساس ومنتوج وغاية المنظومة، هيكليا وإداريا ومؤسساتيا، يمكن الحديث عن بقية عناصر البنية والتدبير التي يجب أن تخدم سابقتها وتتمحور حولها، بدل أن تتحول إلى غايات وهواجس “تقنوية” مفرطة ومستنزفة، تكون على حساب الإنتاج والتدبير التعليمي والتربوي الفعلي.
باحث في الشأن الأمازيغي، رئيس الجامعة الصيفية أكادير