11 يناير و13 يناير: مفارقات الوطنية المغربية
الدولة المغربية جعلت من يوم 11 يناير يوما وطنيا ويوم عطلة. لأن واحد جوج دالناس في سنة 1944 كتبوا واحد العريضة، فيها ربعة ديال سطور، كايتوسلوا فيها فرنسا تعطيهوم الاستقلال. يعني المناطق التي لا تحكمها فرنسا غير معنية بالعريضة إطلاقا وهي: مدينة طنجة كان فيها نظام حكم دولي، ثم الريف الكبير الذي كانت فيه اسبانيا ثم ايت باعمران بمنطقة افني التي كانت فيها اسبانيا ومناطق الصحراء بالساقية الحمراء ووادي الذهب.
الدولة المغربية جعلت من اكذوبة ما يسمى الحركة الوطنية، الاساطير المؤسسة لها بعد سنة 1956. حرفت الهوية وزورت التاريخ المغربي وشوهت الثقافة الوطنية، وانتجت عصيرا مشوها للشخصية المغربية مبني على الاحادية والاقصاء. وتقديس العروبة. وهاديك العريضة أصبحت مثل صك الوراثة الذي اعطى الشرعية للموقعين عليها لأكل المغرب بعد الاستقلال، ووزعوا الخيرات والأراضي والمناصب وأورثوها لأبنائهم.
إن ما يسمى بوثيقة 11 يناير ليست بوثيقة للمطالبة بالاستقلال فقط في سنة 1944 التي كانت فيها فرنسا متعبة ومنهارة جدا بفعل تداعيات الحرب العالمية الثانية التي جعلت فرنسا لم تعد قادرة على تعزيز قوتها في المستعمرات الإفريقية، وإنما هي وثيقة عبارة عن تعاقد سياسي بين الحركة الوطنية وفرنسا لتدبير شؤون المغرب ما بعد مرحلة خروج فرنسا منه، هذا التعاقد السياسي كان على حساب الامازيغ والقبائل الامازيغية التي كانت تتزعم المقاومة سواء في الجبال والحواضر، لذلك نفهم لماذا كان تعاقد 1944 باسم العروبة والسلفية بدعم من فرنسا.
لكن بعد صعود الحركة الامازيغية التي انبثقت بالأساس من رحم التمييز اللغوي والثقافي الذي كرسته ما يسمى بالحركة الوطنية سواء في الجزائر سنة 1948 أو في المغرب بعد تداعيات ما يسمى بالظهير البربري وعزل المختار السوسي، ولكن تحديدا وبشكل واضح انبثقت الحركة الأمازيغية بعد اندلاع انتفاضة عدي اوبيهي والحكم عليه بالإعدام ثم موته “مسموما” وكذلك أيضا بعد اندلاع انتفاضة الريف 1958 /1959…كلها أحداث تدل على أن التعاقد السياسي في سنة 1944 هو تعاقد هش وضعيف، يمشي على رجل واحدة وهي العروبة…. هذا ما قامت الحركة الأمازيغية على تصحيحه طيلة عقود، واليوم بعد إعادة النظر في الهوية واللغة والثقافة وبعد ترسيم اللغة الامازيغية في الدستور… لم يعد أي مبرر للاحتفال بيوم مرتبط بحدث عادي جدا قام به حزب سياسي كان في بداية تشكله ويخص فئة محدودة جدا لا تتجاوز 60 فردا اغلبهم شباب وتلاميذ…. ولا يخص جميع المغاربة… وغير مرتبط حتى بالدولة…
الدولة المغربية ترفض ترسيم رأس السنة الامازيغية وجعله يوما وطنيا ويوم عطلة. في وقت تسمح لتنظيم الحفلات والانشطة التي تخلد هذا اليوم في مجموع التراب الوطني. وهي احتفالات خرجت من البيوت والقرى والبوادي إلى القاعات والساحات العمومية بجل المدن الكبرى.
ينم ذلك عن حقيقة واحدة وهي أن الدولة تعيش تناقض صارخ من الداخل، تناقض بين الشخصية الوطنية المغربية الحقيقية الراسخة بمنطق التاريخ والعلوم وبين الشخصية المزورة المصطنعة المبنية على الاساطير والأكاذيب المؤسسة التي رسختها الوطنية المزعومة والسلفية واحزابها العروبية.
11 يناير تخلده الدولة وهو مستحدث بعد سنة 1956، باقتراح من الحزب الذي ارتبط تأسيسه وولادته بهذه الوثيقة، ولا يشعر المواطن بأي معنى تجاهه الا الموظفين الذين يستفيدون من يوم راحة، ويتمنون أن يصادف يوم الجمعة أو الاثنين حتى تكون ايام الراحة ثلاثة أيام. أما يوم 13 يناير فهو يوم تاريخي عريق تجاوز 2970 سنة ويحتفل به جميع المغاربة وكافة سكان شمال افريقيا. أكثر من ذلك فهو مرتبط بقداسة الارض وبالنشاط الزراعي الذي يعطي الحياة والخصوبة.
مقارنة بين يوم 11 يناير و13 يناير يكشف عن أزمات كبيرة تعاني منها بنية الدولة المغربية، مرتبطة بقضية الهوية الوطنية وامتداداتها. الدولة تريد صناعة شعور وطني موحد ملتف على رموز مصطنعة لا تحظى بحيوية التاريخ ولا الذاكرة ولا بالقوة الرمزية الدالة على الرسوخ الجمعي. كيف يمكن الاحتفال وتخليد يوم كتبت فيه ورقة من طرف شباب ابناء الحواضر يتزلفون فيها لفرنسا في وقت كان فيه الشعب بكامله يقاتل ويجابه الحروب ضد فرنسا واسبانيا في الجبال والهضاب والصحراء….يقاومون أعتد الجيوش الاوربية لوحدهم بالصبر والعزيمة والايمان، يواجهون قصف الطائرات وهم منعزلون في القمم غير مبالين بالبرد والجوع وقلة العتاد…
إن تخليد 13 يناير هو تخليد لهوية شمال افريقيا بصفة عامة. هو عودة الى واقع تاريخي يجسد شخصية تامازغا، (بلاد البربر قديما). هي لحظة عودة ولكنها مستمرة في التاريخ. هي وقفة للتصحيح ووضع الامور على صواب حقيقتها.. إنه علامة تثبت حقيقة الشعب الأمازيغي الذي لحقته كل الافتراءات والأكاذيب الدنيا، تارة يقولون أن الأمازيغ جاءوا من اليمن وتارة يقولون ماهم إلا كانعانيين وتارة يقولون أنهم جاءوا من الشمال وتارة قالوا أن لغتهم ما هي إلا لهجة هجينة، ولكن الحقيقة أنهم موجودون وينتشرون في حوالي 11 بلد افريقي منذ 8 آلاف سنة.
إيض إناير هو شعور وطني راسخ. هو تأريخ للمشترك بين الامازيغ والفراعنة. هو تأريخ لهذه المرحلة التي أريد لها النسيان والاقبار بعد كل ما حصل في شمال افريقيا من تحولات بنيوية كثيرة بعد الغزوات التي عرفتها على امتداد قرون من الزمن.
إن بادر المغرب وأعلن عن ترسيم رأس السنة الأمازيغية وجعله يوما وطنيا ويوم عطلة لجميع المغاربة، سيكون بذلك حقا حدثا تاريخيا عظيما، في بلد عظيم إسمه المغرب….
مجمل القول، 11 يناير الذي هو عيد وطني بالمغرب بشكل رسمي عمره لا يتجاوز 80 سنة، و13 يناير الذي هو أقدم عيد وحدث في المغرب يتجاوز عمره 2973 سنة وأكثر… ومرتبط بالشعب بكل تلاوينه وتعابيره الثقافية واللغوية…فهو يوم غير معترف به وغير رسمي، 11 يناير مرتبط بالعروبة، و13 يناير مرتبط بالامازيغية….لذلك فهذه المقارنة تستوجب منا إعادة تشكيل مفهوم الوطنية وأصولها وامتداداتها تتجاوز بكثير ما طرحه المؤرخ عبدالله العروي في اطروحته حول أصول الوطنية المغربية…. إيض ايناير ينسف كل هذه الاطروحات ويعيد التفكير فلسفيا وتاريخيا في الوطنية المغربية الجامعة والمنصفة والمتجدرة في التاريخ…
مناضل أمازيغي وإعلامي وكاتب وباحث في التاريخ