معنى كلمة أمازيغ
و هل سمى الأمازيغ أنفسهم بأسماء أخرى غير التسمية المتداولة ” أمازيغ”.
كتب الكثير حول تاريخ الأمازيغ و لغتهم و ثقافتهم و حضارتهم بصفة عامة، لكن أغلب تلك الكتابات لم تكن منصفة و لم تكن محايدة، دائما ما يكون وراءها دافع إيديولوجي، و رغبة جامحة في إلحاق الشعب الأمازيغي و حضارته بشعوب و حضارات مختلفة، محاولين إظهار الأمازيغ بأنهم مجرد فروع، و أن حضاراتهم هي الأصل، سواء كان أولئك الكتاب من الأسيويين أو من الأوروبيين أو من الأفارقة.
وقبل الحديث عن لفظة أمازيغ و معانيهامن الناحيتين التاريخية و اللغوية، سنأتي بما كتبه بعض القومجيين حول كلمة أمازيغ وذكر معانيها و فيما يلي بعض من آراءهم :
يقول عبد العزيز الصويعي في رسالته: عروبةُ اللغة الليبية القديمة و كتابتُها (مقاربة بين العربية والأمازيغية) ص 97:
“أمازيغ(قبائل شتى): يبدو أن قدماء الليبيين كرهوا لقب (بربر) الذي أطلقه عليهم الإغريق ومن بعدهم الرومان، وأصبح -فيما بعد- لصيقاً بهم، يردده المؤرخون كما لو كان أمراً مسلماً به، فاستنكروه -في زمن من الأزمان- وأرادوا توجيه الأنظار إلى لقب آخر يمحي ما علق بهم من (بربرية) وتوحش. حيث ظهر لقب (أمازيغ)، وقالوا أنه يعني في لغتهم (الأحرار). وعند تفحص هذا المصطلح تبين لنا أنه لفظ عربي (متبربر). وبالمناسبة فإن لفظ (بربر) لم يتمكنوا من (بربرته)، إذ لم نلاحظ أنهم أنثوه إلى (تَبَرْبَرْتْ) أو جمعوه بـ(يَبَرْبِيرْنْ) مثلا، فبقي على حاله منذ أكثر من ألفي سنة. أما الجذر العربي (مزغ) أو (مزق) فهو كما شرحناه في كتابنا: أصول الحرف الليبي يعني المنازقة والفروسية والشجاعة، غير أن (بربرته) أبعدته عن صيغته العربية، فهم يقولون للمفرد المذكر: (مازيغ)، وللمفرد المؤنث: (تمازغت)، وللجمع: (يمازيغن)، أي فيها إثبات لتاء التأنيث ونون الجمع. وإذا عرّبناها لتشابهت: (مازيغ)= مازغ (فاعل)، (تمازغت)= مازغةٌ (فاعلةٌ)، (مازغن)= مازغون (فاعلون).
أما عن معناه فهو يكاد يكون واحداً في العربية و (البربرية)، لأن الرجل الفارس والشجاع يكون حراً بطبيعته. وهذا عكس ما ذهب إليه بعض (البرابرة) من أن (مازيغ) هو اسم جدهم الأول الذي قالوا أنه (مازيغ بن كنعان)، إلاّ أننا لم نجد في عمود الأنساب المنحدرة من نوح (عليه السلام) شيئاً من هذا القبيل. فهو صفة وميزة اكتسبها قدماء الليبيين، ولا يمت للأسماء والألقاب بأية صلة.
وقد يؤيد رأينا هذا وجود اللفظ نفسه في اللغة المصرية والليبية القديمتين. فقد ترجم (بيتس) لفظ مزغ (MSKإلى ) (snatch) وهو فعل يفيد الانتزاع والاقتلاع، أو (pluck) وهو فعل يفيد الشجاعة والعزم والإقدام. وفي كل الأحوال، فإن المعنى العام لهذا المصطلح يدور في فلك ما فسّرناه وأوّلناه عندما أرجعناه إلى مصدره العربي: (مزغ أو مزق) وقلنا أنه يعني المنازقة والفروسية والشجاعة، وكلها تتفق مع التفسير (البربري) القديم: (الرجل الحر)، كدليل آخر على أن كل اللهجات العروبية القديمة كانت تستمد جذورها من مصدر واحد وبنفس الكيفية”.
يقول عثمان سعدي في كتابة معجم الجذور العربية للغة الأمازيغية، ص 259 :
“مزغ، أمازيغ : بربر، عربية، مزر قوي و اشتد قلبه. البزيغ: النبيل. بالأوراس: أمازير بالراء”.
يقول سعيد بن عبد الله الدارودي في كتابه : حول عروبة البربرمدخل إلى عروبة الأمازيغيين من خلال اللسان،ص 97:
“أمازيغ: الرجل النبيل، والشريف المُكرم، والحر والعزيز، الفصحى. البزيغ: الرجل النبيل، أبدلت الباء ميما، اسم “ أمازيغ” من الناحية الصرفية ـ كما يوضح الباحث محمد المختار العرباوي ـ صفة مشبهة وليس اسم فاعل كما يقول محمد شفيق، لأنه من حيث المعنى لا يدل على القيام بالفعل وإنما على صفة في ذات (النبيل الشريف،) وأما القول بأنه مشتق من الفعل “يوزغ” بمعنى “غزا” أو “أغار”، أو من فعل افتراضي وهمي “إزيغ” أو “يوزاغ”، فهو أيضا غير مقبول لافتقاره إلى المبرر والسند، إذ الكلمتان مختلفتان من حيث المعنى، فالأولى “أمازيغ” تعني الحر،النبيل، الشريف، والأخرى “يوزغ” تعني الغزو والإغارة، وهو ما ينفي أن تكونالأولى مشتقة من الأخرى.
أما كبيرهم فهمي خشيم، المتخصص في التحليل واللعب بالكلمات والإسهاب الممل والكلام الإنشائي، وبعد لف ودوران، خرج بخلاصة مفادها أن الجذر مزغ، يكافئ بالضبط مشك ومسك، صوتيا. و بأن كلمة أمازيغ هي ذاتها ” أماسيك = الأمساك أو الأماسك، أي المسك، أو المسوك …ذوو المسك و أهل المسكة.
نكتفي بذكر هذه النماذج، وما ينطبق عليها ينطبق على غيرها من الآراء و التخريجات التي تسير في نفس اتجاهها و توجهها، و الآن سنقوم بتحليل ما جاء به هؤلاء القومجيين، و توضيح أساليبهم الماكرة في خداع القارئ و إيهامه بأن تخريجاتهم و دراساتهم تبنى على أسس علمية، و سنتطرق في نفس الوقت إل ما جاءت به بعض المصادر و المراجع التاريخية بخصوص لفظة لأمازيغ.
استهل عبد العزيز الصويعي حديثه عن كلمة أمازيغ بأنهم قبائل شتى، و لا يخفى على أحد الحمولة السلبية لهذا التعبير إن تحدث أحدهم عن الأمازيغ و عن لغتهم، و هذا التعبير في هذا المقام ليبين الكاتب للقارئ أن الأمازيغ لا يشكلون شعبا أو أمة واحدة، لكن لو كان الحديث عن شيء له علاقة بالعرب و باللغة العربية لفسروه بأنه تنوع و ثراء الثقافة العربية و غنى معجم اللغة العربية …، لنعد إلى مصطلح أمازيغ الذي قال عنه هذا الكاتب أنه ظهر بعد رفضهم للتسمية الإغريقية ” بربر “، إذن حسب هذا الكاتب لم يُسَمِّ الأمازيغ أنفسهم بأي إسم قبل أن يطلق عليهم الإغريق اسم البربر، بل انتظروا حتى سماهم الإغريق بربرا و استفاقوا ليبحثوا عن اسم جديد ليسموا به أنفسهم، ليتخلصوا من بربريتهم و توحشهم، يا لسذاجة الرأي و يا لوقاحة صاحبه !!!
إن تسمية أمازيغ لم تظهر بعد التسمية اللاتينية بربر كما يروج له أعداء الأمازيغ، بل هي الإسم الذي سموا به أنفسهم، وفيما يلي بعض من أقوال المؤرخين حول هذا الموضوع:
يورد المعلم بطرس البستاني في كتابه “كتاب دائرة المعارف” في المجلد الخامس، صفحة 277 معلومات مهمة حول تسمية أمازيغ و ما إن كانت تستعمل كتسمية لجميع سكان إفريقيا أم لا، فيقول :و قبل عهد العرب كان اسم مازيس يطلق على شعب قوي أقلق الرومان كثيرا بثوراته. و ذكر بطليموس أن هذا الشعب لم يكن إلا في قسم من موريطانيا. و أما اسطفانوس البيزنطي و انيكوس و كثير غيرهما من المؤلفين القدماء فقد لوحوا أن اسم مازيس يطلق على أهل إفريقية، و هذا ما ينفي الريب في كون الأمة العظمى في شمالي إفريقية كانت تسمى في عهد الرومان بنفس اسم أمازيغ لا كما قال بعض المؤلفين أنهم كانوا يسمون نوميديين أو مغاربة لأن هذين الإسمين غير قديمين، لكن اسم مازيس وجد في كتابات هيرودوتس أنه كان يدل على الشعب القاطن قرب تريتونيس”.
و نقرأ في الصفحة 64 من كتاب المغرب القديم للدكتور محمد بيومي مهران ما يلي : “و قد أطلق البربر على أنفسهم اسم الأمازيغ أي الأحرار” و يقول بخصوص كلمة بربر: “و أما كلمة بربر فأكبر الظن أنها مشتقة من اللاتينية (barbarus) و هو التعبير الذي استعمله الرومان للشعوب التي يرون أنها أقل منهم حضارة”.
و يقول محمد علي دبوز في الجزء الأول من كتابه تاريخ المغرب الكبير في الصفحة 33 :” ان جد البربر هو مازيغ بن كنعان بن حام. والبربر يسمون أنفسهم (الأمازيغ) ويعتدون بهذا الاسم. وهم لا يطلقونه إلا على الاقحاح الصرحاء فيهم، أما النزلاء الدخلاء الذين يتبربرون كعبيدهم ومواليهم فلا يسمونهم أمازيغ، لأنهم ليسوا من سلالة مازيغ. ومعنى الأمازيغ عندهم هو الأشراف. يعني الصرحاء أبناء مازيغ الذين يحملون شخصية البربر العظيمة، ويتصفون بأخلاقهم التي تطبعهم بها الوراثة الأمازيغية الزكية. ويسمى البربر لغتهم البربرية (تمازغت)نسبة إلى الأمازيغ. وقد أرسل عمرو بن العاص لما كان واليا على مصر بعض رؤساء البربر إلى سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فسألهم عن نسبهم فقالوا “نحن أبناء مازيغ.”
وفي نفس السياق كتب غابرييل كامب في كتابه البربر ذاكرة و هوية صفحة 55 ما يلي : “و كما سنرى في ما يقبل من هذا الكتاب، فإن الكثير من القبائل البربرية القديمة كانت تعرف في العصور القديمة باسم المازيسMazices، و هو في الحقيقة اسم يطلقه أغلب البربر على أنفسهم إمازيغنImazighen (مفردها أمازيغ Amazigh) . وقد نقل الأجانب هذا الاسم في صور شتى؛ فجعله المصريون مشوش، و جعله الإغريق مازييسMazyes أو ماكسيسMaxyes، و جعله اللاتين مازيسMazices و ماديسMadice.”
و يقدم كامب شرحا مفصلا لكلمة أمازيغ في الصفحة 127 من نفس الكتاب في فقرة تحت عنوان الاسم الحقيقي للبربر قائلا : “لكن يوجد [اسم] عرقي آخر أوسع انتشارا في البلدان البربرية، بل إن انتشاره و اقترانه بأسماء الكثير من المواقع يجيز لنا أن نعتبره الاسم الحقيقي للبربر. نريد الجذر م. ز. گ M Z G أو م. ز. ك M Z K ، الذي نجده كذلك في كل من اسم “المازيس” في العصر الروماني، و “المكسيس ” الوارد عند هيرودوت، و “المازيس” الوارد عند هيكاتي، و “المشوش” Meshwesh الذي جاء في الكتابات النقوشية المصرية.
و لا يزال كل من الإموهاق ( Imushagh = Imouchar) في غرب فزان، و الإماجيگنImagighen في [جبل] أيّير، و الأمازيغ في الأوراس، و الريف، و الأطلس الكبير يحافظون على هذا الاسم. و “التماشق” (Tamasek = tamachek ) هي لغة الطوارق و هم الذين يسمون أنفسهم كذلك إموشار. غير أنك لا تجد القبائليين و لا الشاوية (في الأوراس) يعرفون حاليا بهذا الإسم. و المؤكد أن هذا اسم عرقي قد كان له في شمال إفريقيا انتشار كبير خلال العصور القديمة؛ فالكتابات النقوشية و النصوص تجيئنا بمجموعة من الرسوم ليست كلها بالصحيحة؛ تجتمع فيها، Mazyes و Maxyes وMazices وMadices وMazicei و Mazacensesو Mazazenes…”
و نقرأ أيضا في كتاب تاريخ افريقيا الشمالية لشارل أندري جوليان صفحة 8 :” ولم يطلق البربر على أنفسهم هذا الاسم، بل أخذوه من دون أن يروموا استعماله عن الرومان الذين كانوا يعتبرونهم أجانب عن حضارتهم وينعتونهم بالهمج Barbarie ومنه استعمال العرب كلمة برابر وبرابرة (مفرد بربر)….
اليوم لا يعرف عامة الناس أن المغرب الأقصى والجزائر وتونس آهلة بالبربر، ويعمدون إلى تسميتهم عرب. أما الأهالي فكثيرا ما كانوا يسمون أنفسهم أمازيغ (مؤنثه تمازيغت وجمعه إمازيغن،) ومعناه ” الرجال الأحرار،” ثم ” النبلاء .” وقد أطلق هذا الاسم على قبائل عديدة قبيل الاحتلال الروماني”.
ويستمر عبد العزيز الصويعي في كلامه الإنشائي قائلا بأنه لم يجد في أعمدة نسب نوح شيئا من هذا القبيل – يقصد أمازيغ – لكن لو كان هذا الشخص فعلا باحث لما قال هذا الكلام، و ببحث بسيط ستكشف عدم صدق هذا الشخص، و نقول له أن اسم مازيغ مذكور في أعمدة نسب نوح عليه السلام، و في هذا الصدد يقول شيخ النسابة ابن حزم في الصفحة 492 من كتابه الجمهرة :
“و رأيت لبعض نسابي البربر أن زناتة هو شانا بن يحيى بن صولات بن ورثناج بن ضري بن سقفو بن جنذواد بن يملا بن مادغيس بن هوك بن هرسق بن كراد بن مازيغ بن هواك بن هريك بن بدا بن بديان بن كنعان بن حام بن نوح النبي صلى الله عليه و سلم “. من خلال هذه الفقرة يتبين أن صاحبنا هو الغائب وهو الذي يحمل صفة الباحث والدكتور زورا وبهتانا.
هذا كل ما يتعلق بتسمية أمازيغ من الناحية التاريخية، و هذا لا ينفي وجود مصادر و مراجع تاريخية تناولت هذا المصطلح ، و الآن سنرى معنى كلمة أمازيغ في اللغة الأمازيغية من خلال المعاجم الأمازيغية، لكن قبل ذلك سنقوم بتحليل ما جاء به دعاة النزعة العرقية العربية عن هذا المصطلح من الناحية اللغوية، و نبدأ برأي نفس الكاتب عبد العزيز الصويعي حيث يقول أن لفظة أمازيغ لفظة عربية تمت بربرتها، و أرجعها إلى جذر ” مزغ ” و جذر ” مزق”، و قال بأن هذين الجذرين يعنيان الفروسية و المنازقة و الشجاعة، في محاولة منه إلصاق هذه المعاني بالحرية و الرجال الأحرار. لكن هذا غير صحيح، و هو مجرد افتراءات من الكاتب، و دليلنا المعاجم العربية، فبالنسبة لجذر “مزغ” يكاد يكون منعدما في المعاجم العربية، هذا الجذر ذكره ابن منظور في لسان العرب و شرحه بكلمة واحدة وهي التوثب، و يرى صاحب معجم تاج العروس أن كلمة مزغ هي تصحيف و الصواب هو مرغ بالراء، و أظن أن هذا الرأي هو الصحيح لكون الجذر مزغ لا وجود له في العربية، و لا وجود لمشتقات من هذا الجذر، و نفس الشيء بالنسبة للجذر “مزق”فهو لا يحمل أي معنى يفيد الشجاعة أو الحرية أو ما شابه ذلك، لذلك فكل ما جاء به الكاتب مجرد تأويلات لا أساس علمي لها.
و يذهب عثمان سعدي و تلميذه النجيب سعيد بن عبد الله الدارودي إلى القول أن لفظة أمازيغ أصلها البزيغ، هذه التخريجة يتداولها هؤلاء القومجيون فيما بينهم دون تكليف أنفسهم عناء البحث عنها في المعاجم العربية، و كل ما يروجونه مجرد تدليس و افتراء منهم و يصرون على ذلك، و البزيغ حسب لسان العرب لابن منظور هو اسم لفرس معروف، و التبزيغ يعني التشريط، كما لا يحمل الجذر بزغ أي معنى يفيد الشجاعة و النبل، و حتى كتاب رسالة الغفران الذي يستدل به الدارودي لم يذكر فيه نهائيا لفظة البزيغ، بل ذكرها كما ذكرت في المعاجم العربية بالعين و ليس بالغين كما يتداولها هؤلاء القومجيين. أما فهمي خشيم الأب الروحي للقومجيين الذين يعربون الشجر و الحجر، فقد ذهب بعيدا، و قام بمقارنة الجذر “مزغ” بجذور عربية أخرى مثل “مسك” و الجذر الوهمي “مشك”، و كما ذكرت أعلاه بخصوص الجذر مزغ فهو ناذر في اللغة العربية، و المقارنة التي قام بها خشيم فهي بين جذرين في اللغة العربية ( مزغ و مسك) و لم يسبق للأمازيغ أن ذكروا أنفسهم بتسميات ذات جذور تتضمن حروف الميم و السين و الكاف، و التسميات التي أراد خشيم مقارنتها هي تسميات ذات أصول إغريقية”ماكسيس”، وهي مجرد تغييرات صوتية لكلمة أمازيغ، لكن نعذر هذا المهووس بالتعريب وبأوهام العروبة، فقد ألف كتب حول عروبة اللغة الإنجليزية و اللغة المصرية القديمة و اللغة اللاتينية و غيرها من اللغات العالمية، مستعملا في ذلك منهجه الحشوي الذي لا يستند إلى أية أسس علمية و لا يحترم قواعد علم اللغة المقارن.
و الآن سنرى بعض المعاجم الأمازيغية التي ذكرت لفظة أمازيغ و ذكرت معانيها، و سنبدأ بكتاب الأسماء لمؤلفه ابن تونارت، حيث يقول ” و الحُر أمَزِخْ ” ذكرها بالخاء عوض الغين، و هذا معروف في بعض اللهجات الأمازيغية، نقول مثلا تمزيخت، تازناخت … لكن أصلها هو حرف الغين.
و يذكر شارل دو فوكو في قاموسه dictionnaire abrégé, touareg – français (dialecte ahaggar)الجذر مزغ في معنيين :
الأول :” مزغ ” بمعنى حمى و دافع، و الثاني : بنفس المعنى المتداول عند أمازيغ شمال إفريقيا، أي الحر و النبيل، و أحال إلى الجذر ” هغ ” المستعمل عند أمازيغ الصحراء و منه الإسم العرقي إموهاغ، و تماهق للغة الأمازيغية، و أشار دو فوكو إلى أن اسم أمازيغ هوالإسم الذي يطلقه التوارقعلى سكان منطقة غدامس بليبيا.
أما الجذر العربي ” مزر ” والذي يقحمه القومجيون في كتاباتهم ويحاولون أن يعطوه معنى النبل والشجاعة في اللغة الأمازيغية، فنقول لهم أن الجذر الأمازيغي ” مزر” بعيد كل البعد عن النبل والحرية، فهو يعني حسب دو فوكو روث البغال أو الحمير في أمازيغية التوارق، وهو نفس المعنى في اللغة الأمازيغية بالمغرب، كذلك من مشتقات هذا الجذر ” تمازيرت ” بمعنى البلدة، و ” أمازّْر ” بمعنى الشلال،و لا نعرف في أي معجم أمازيغي وجد هؤلاء القومجيون هذا المعنى للجذر الأمازيغي “مزر”.
و علاقة بلفظة أمازيغ و معناها، لابد من الإشارة إلى اسم أكبر قبيلة أمازيغية منتشرة في كل شمال إفريقيا، ألا و هي قبيلة هوارة، هذه القبيلة التي يظن أغلب المنتسبين إليها أنهم عرب، لكون أغلبهم تعربوا و لو أن عربيتهم لازالت تحتفظ بمعجم أمازيغي و بلكنة أمازيغية. و أنا بصدد البحث عن كلمة أمازيغ، صادفت فقرة تحدث فيها الكاتب ( عبد العزيز الصويعي، عروبة اللغة الليبية ) عن معنى كلمة ” هوار” و كعادته و بمنهجه الحشوي و بالكثير من الكلام الإنشائي، و قال – اقتباسا عن فهمي خشيم – كلمة “هوارة” أصلها ” هور ” و هي التسمية التي أطلقها الهكسوس على منطقة أقاموا فيها بمصر، و لما اندحروا هاجروا إلى ليبيا نقلوا معهم هذه التسمية، و أضاف أن “هور” تحولت إلى ” أور” في اللغة العبرية بمعنى المدينة، ثم تحولت إلى “حور” ثم تحولت إلى ” حارة ” و هي المفردة التي يريد هؤلاء التعريبيون أن يصلوا إليها في النهاية.
إن مشكلة هؤلاء التعريبيون هي نفورهم من المعاجم الأمازيغية، ومن الإستعانة بهافي بحوثهم، خصوصا أنهم لا دراية لهم باللغة الأمازيغية ولا بأي لهجة من لهجاتها، يستعينون فقط بمعجم الأستاذ الكبير محمد شفيق، لا للبحث عن معاني المفردات الأمازيغية، بل لجعله مادة لدراساتهم وأبحاثهم.
ونقول لهؤلاء القومجيين، إن البحث في اللغة الأمازيغية وفي معجمها لا يحتاج إلى كل ذلك الكلام الإنشائي، ولا إلى الدخول في متاهات والسفر بالمفردة الأمازيغية شرقا وغربا ولا يحتاج إلى إضافة حروف إليها أو إسقاطها، وكل ما يحتاجه البحث هو الإنطلاق من البيئة والمحيط الذي تتداول فيه الكلمة المراد البحث عن معناها، ومن المعاجم الأمازيغية المتوفرة.
و أرى أن لفظة “هوار” هي نفسها “أهَگَّار= AHAGGAR = ⴰⵀⴰⴳⴳⴰⵔ”و كما هو معروف في اللغة الأمازيغية أن الكاف المعقودة ( گ G /) تضعف عادة واوا، مثال :
(AGGURN = AWWURN / AGGUN = AWWUN/ TAGGDA = TAWDA …)
أما عن معنى كلمة أهوار أو أهگار في اللغة الأمازيغية فهي كما ذكرها Emilemasquerayفي قاموسه dictionnaire français-touareg , dialecte des taitoqتعني النبيل، و هو نفس معنى كلمة أمازيغ، فلا علاقة لكلمة هوار بالكلمة العبرية أور ولا بالكلمة العربية حارة، ولا علاقة لكلمة أهگار بالكلمة العربية أحجار.وهذه كلها تأويلات لا تستند إلى أية أسس علمية ولا تحترم قواعد علم اللغة المقارن، و تبقى مجرد أهواء دافعها نزعة قومية عنصرية. فهوارة قبيلة أمازيغية ممتدة على طول شمال إفريقيا، ولا وجود لها بهذا الإنتشار الشاسع في أي منطقة في الشرق الأوسط، و حتى بعض التجمعات الصنهاجية الموجودة في اليمن، يرجح أنها قبائل أمازيغية هاجرت من شمال إفريقيا إلى اليمن، كون هذا الأخير مركز و طريق تجاري يربط أسيا بأفريقيا قديما.
و جاء في الجزء الثالث من المعجم العربي الأمازيغي للأستاذ الكبير محمد شفيق في مادة نبل: نبل- نَبَلَ – نَبُلَ، الإنسان = ئمّوزغ، ئموزغ، ئلَّومت. النبل، النبالة = تيمّوزغا، تيموزغا، تيلّومتا.
من بين معاني كلمة نبل نجد ئلّومتا، هذه الكلمة تحيلنا على لمتونة، و هي القبيلة الأمازيغية التي خرج منها مؤسس الدولة المرابطية، و يمكن أن نستنتج أن من خلال هذا المعنى أن صفات النبل و الحرية دائما مرادفة لجميع الأسماء التي اتخذها الأمازيغ لأنفسهم، سواء قلنا أمازيغ أو هوارة أو لمتونيين أو غيرها من التسميات الأخرى.
أمازغ أو أماهغ أو أماشغ أو أماجغ، هي تسمية واحدة للشعب الأمازيغي الحر والنبيل في كل شمال إفريقيا من واحة سيوا بمصر إلى جزر الكناري، إلى الصحراء الكبرى. فلا تنخدع أيها النبيل بكتابات التيار العروبي، يكفي أن تقرأ كتاباتهم وتقوم ببحث بسيط حول ما يكتبون لتكتشف ضعف حججهم وأدلتهم، بل و سذاجة تخريجاتهم، فمن حول عبارة ” قبائل السيبة” إلى ” قبائل السباع”، و ” مادغيس” إلى ” ابن قيس” و ” أغاراس” إلى ” أعاراش ثم أشاراع ثم الشارع” و ” أبريد ” إلى “أدريب ثم درب ” …، قادر على أن يقول لك أن الجليد ساخن إذا رأى فيه فرصة لتعريب إنسان أو حيوان أو جماد.
لقد أردت في هذه المقالة أن أبين زيف أطروحات هؤلاء التعريبين، و أساليبهم التي يخدعون بها القارئ الذي لا دراية له بعلوم اللغة، كما أردت في هذا المقال أن أبين معاني كلمة أمازيغ، معتمدا على معاجم قديمة جدا مثل معجم ابن تونارت الذي يعود تاريخه إلى القرن 12 ميلادي، إضافة إلى المصادر التاريخية التي ذكرها المؤرخون أثناء الحديث عن مصطلح أمازيغ من الناحية التاريخية و التي يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد.
ذ. عبد الله نعتــــــي