وثيقة المطالبة بالاستقلال خرافة سياسية تجاوزها التاريخ والواقع معا ووجب إسقاطها
بحلول يوم 11 يناير، يتجدد النقاش حول وثيقة المطالبة بالاستقلال التي تحل ذكراها الثمانين، بحيث يعتبرها حزب الاستقلال “الأصل والأساس”؛ وهو ما دفع العديد من الباحثين والمؤرخين إلى التمحيص في سياق كتابة الوثيقة ودوافعها التاريخية آنذاك، لأنها غير واضحة المنشأ والمسار، معتبرين أن أغلبية الأشخاص الموقعين عليها لا إرث نضالي لهم، مبرزين أن حزب الاستقلال عمل على “إقبار مختلف الوثائق التي طالبت بالاستقلال قبل 11 يناير”.
وتعالت دعوات الناشطين من أجل إلغاء الاحتفال بهذه الوثيقة، معللين طلبهم بكونها تخص حزب الاستقلال وحده ولا شأن للمغاربة فيها، مستغربين من كون يوم 11 يناير عيدا وطنيا وعطلة رسمية مؤدى عنها، مستحضرين “استغلال الحزب للمساجد من أجل الدعاية لها وتجييش العلماء وتضخيم عدد الموقعين عليها”.
بوشطارت: الوثيقة خرافة سياسية صنعت هوية وطنية مزيفة
قال عبد الله بوشطارت، إعلامي وباحث في تاريخ المغرب، إن “جميع المغاربة عليهم أن ينادوا بإسقاط هذه الوثيقة التي تجاوزها التاريخ والواقع معا؛ لأنها في الحقيقة تناقض الوحدة الترابية والهوية الوطنية للدولة المغربية العصرية، باعتبارها تأسست من لدن حزب سياسي معين، ومن ثمة فهي وثيقة حزبية لا تربطها أي صلة بالشعب أو المقاومة المغربية”.
وأضاف بوشطارت، في تصريح، أن “ثمانية وخمسين فردا قد وقعوا الوثيقة في البداية، لينضم إليهم ثمانية أفراد آخرين، ليصبح عدد الموقعين في نهاية المطاف ستة وستون شخصا؛ ذلك أنها مجرد وثيقة بسيطة للغاية تتكون من أربعة أسطر فقط، تطالب فرنسا بالحصول على الاستقلال، لأن الخطير في المسألة برمتها هو التأويل السياسي المغرض الذي تعرضت له الوثيقة، لتتحول إلى أسطورة سياسية تدعي بأنها حملت الاستقلال إلى المغرب، بعدما عمل حزب سياسي معين على تبنيها للحصول على الشرعية”.
وأوضح الباحث في الثقافة الأمازيغية أن “إشكال الوثيقة يكمن في كونها تنادي فرنسا بالحصول على الاستقلال، في حين لم تستعمر فرنسا المغرب لوحدها، بحيث كانت هنالك حماية بالريف وسيدي إيفني وأيت باعمران ومناطق شاسعة من الصحراء المغربية، إلى جانب طنجة التي تميزت بوضعها الدولي. وبالتالي، فالمغرب قد تعرض لأربعة أنواع من الحماية. كما أن الحماية الإسبانية لم تكن موحدة، ذلك أن الحماية بمنطقة الريف تختلف عن سيدي إفني والصحراء؛ ما يعني أن الوثيقة التي تبناها حزب واحد تنحصر على المنطقة الفرنسية، بينما أقصيت المناطق الإسبانية ومدينة طنجة أيضا”.
وأردف: “ينبغي العمل على تقليص حجم الوثيقة، من خلال عدم الاحتفاء بها كعيد وطني الذي يجب أن ينحصر على الحزب فقط. ومن ثم، لا يمكن أن تفرض على جميع المغاربة، فضلا عن كونها تحصر تاريخ الدولة في ثلاثة عشر قرنا، دون إغفال أنها جاءت لقطع الطريق على المقاومة المسلحة، بعدما ظهرت إرهاصات جيش التحرير؛ وهو ما يجعلها شبيهة بباقي الخرافات والأكاذيب السياسية التي تصنع هوية وطنية مزيفة، من قبيل الظهير البربري وكتلة العمل الوطني”.
العلوي الباهي: حزب الاستقلال أقصى مناضلين وطنيين من الإمضاء على الوثيقة
من جهته، أكد امحمد العلوي الباهي، المؤرخ والباحث في تاريخ المغرب، أن “وثيقة المطالبة بالاستقلال جاءت من أجل إقصاء المناضلين الوطنيين الذين عرضوا حياتهم للموت وخاضوا مقاومة شرسة ضد المستعمر، مثل مدينة تازة التي يوجد فيها محمد أبو عبد الله وإبراهيم الوزاني اللذان توجها إلى مدينة فاس بغية استكمال الدراسة قبل توقيع الوثيقة، وقد أشرفا على عملية تعليم الوطنية للوطنيين، وبالتالي نتساءل عن المعايير الذي اعتمدت في كتابة الوثيقة. هل طلبوا من أناس عاديين أن يوقعوا عليها لتحظى بهذه الهالة التي تعرفها اليوم؟ لأن المناضلين الحقيقيين لم ينالوا حقهم من الاهتمام الذي يستحقونه”.
وشدد العلوي الباهي على أن “الوثيقة في حاجة إلى المزيد من الدراسة؛ ذلك أن الـ66 توقيعا الذي تضمنته يطرح العديد من الاستفهامات، من قبيل: هل وجدوا بالرباط وجرت عملية التوقيع بحضورهم أم تمت بمدينة فاس؟ هل كتبت بالرباط أم بفاس؟ بأي لغة كتبت؟ هل كتبت باللغة العربية وترجمت إلى الفرنسية أم العكس؟. كلها أسئلة تجد مشروعيتها لدي كمؤرخ لأنني أبحث عن الحقيقة، ما دفعني إلى إعداد دراسة تاريخية معمقة حول الموضوع”.
وأبرز الباحث في تاريخ المغرب أن “كل الذين وقعوا على الوثيقة وافتهم المنية، بحيث لا نعرف أمكنة إقامتهم خلال عملية التوقيع؛ لكننا نعرف مكان ولادتهم وهم على الشكل التالي: عشرة مواليد من الرباط، وستة عشر من فاس، وسبعة من مكناس؛ كما يتحدر أربعة من آسفي، وستة من سلا، وشخص واحد من سيدي قاسم، وأربعة من مراكش، وشخص واحد في كل من مانشستر ووجدة وزاوية الحاج التاغي بن أحمد والقنيطرة وسطات، وثلاثة من الخميسات، بينما لا يعرف مكان ولادة الشخص الأخير، إذ توجد لوائح فيها عدد أقل وأخرى عدد أكثر، ما يستدعي المزيد من التدقيق في الموضوع”.
مصطفى شاكري