فاعلون أمازيغ من بينهم عصيد وأيلال يجرّون المسمى إلياس المالكي إلى القضاء
كلّفت 15 شخصية فاعلة في حقل الأمازيغية، سياسيّا وثقافيّا وجمعويّا وأكاديميّا، من بينها أحمد عصيد ورشيد أيلال، المحامي بهيئة الرباط محمد ألمو يوم الثلاثاء، بوضع شكاية ضد “اليوتوبر” إلياس المالكي، وبالشروع في تحريك المسطرة بوضع شكاية لدى الوكيل العام للملك بالرباط ضدّ الشخص المعني، بحكم تداول محتويات رقمية تتضمن “سبّا وقذفاً وتحريضاً على التمييز والكراهية”.
عبد الواحد درويش، رئيس مؤسسة درعة تافيلالت للعيش المشترك، أحد هؤلاء الشخصيات، أوضح أن “هذا الخطاب الذي بدأ ينتعش كتحقير للهوية الأمازيغية، الأصلية للمغاربة، واتخاذ الهجوم عليها عملا مدرًّا للدخل على شبكات البث المفتوح، سيتوقف بقوة القانون حتى لا نصل إلى منزلقات أفظع”، معتبراً أن “التمييز على أساس العرق أو اللغة يعدّ تهديداً لسلمنا الاجتماعي، وهذا لا يمكن القبول به”، وأورد: “الأحداث المتكررة صارت تستدعي التدخل، ومن الآن فصاعداً لن يكون هناك أيّ تساهل من طرف الديناميات الأمازيغية كيفما كان نوعها”.
درويش قال إن “جر المالكي إلى القضاء لا يشكّل أي مساس بحرية التعبير، بيد أنه حماية للمجتمع المغربي من خطابات الكراهية المتبادلة التي يمكن أن تضرّ بهذا الغنى والتنوع”، مسجلاً أنه “لو كانت هذه الشخصية المعروفة على مواقع التواصل الاجتماعي عادية لما كان الأمر يتطلب تحركًا من هذا النوع؛ لكن مكانته (الاعتبارية) كصانع رأي لدى شريحة واسعة من الجيل المستهلك للرقمية تحتاج أن نجعله عبرة”، بتعبيره.
الفاعل الأمازيغي لم ينف ما أثارته الجريدة بخصوص أن وجود الفعل الجرمي تحدده سلطات مختصة حصراً، قائلاً: “بالفعل، ولذلك لجأنا إلى القضاء كمؤسسة مستقلة وذات مصداقية ببلدنا. في البداية انتظرنا أن تحرك النيابة العامة من تلقاء ذاتها الدعوى العمومية، ثم بدا لنا كمدافعين عن الأمازيغية وعن التعايش وعدم التجديف أن نطرق أبواب المحكمة لتحديد طبيعة الفعل. وهذه صيحة تحذير، نعول فيها على أن يكفّ الجميع عن أفعال غير أخلاقية. ولا حاجة لنا بدخول أيّ كان السجن”.
رشيد بوهدوز، المنسق الوطني لـ”أكراو من أجل الأمازيغية”، أحد المشتكين، قال إن “التصريحات العنصرية التي أدلى بها المدعو إلياس المالكي تمثل تهديداً خطيراً للتماسك المجتمعي، ولا تتماشى مع روح الانفتاح التي يعززها المغرب”، مضيفا: “في وقت نتجه نحو تعزيز الانفتاح العالمي ونستعد لاستضافة كأس إفريقيا والمونديال، مع الانفتاح السياحي واستقطاب الاستثمارات، تقدم مثل هذه التصرفات صورة سلبية عن البلد، ولا تتوافق مع مكانته الإقليمية والدولية”.
بوهدوز أفاد بأن “التساهل مع مثل هذه التصريحات يساهم في انتشارها وسط المجتمع؛ فقد شهدنا خطابات عنصرية في مدرجات الملاعب، وكذا وسائل التواصل الاجتماعي، بل تصل حتى إلى بعض وسائل الإعلام الخاصة”، معتبراً أن “هذا يضعف قيم ‘تامغرابيت’ ويهدد الشعور القومي المغربي الذي تجب تنميته”، وداعيا إلى “إصدار تشريعات صارمة تجرّم كل أشكال التمييز العرقي، الديني، الجهوي، والثقافي، وتحصين شبابنا من الإيديولوجيات المستوردة التي تسعى إلى نشر الانقسام”.
وفي ختام تصريحه شدد رئيس لجنة الأمازيغية داخل حزب الأصالة والمعاصرة على “ضرورة تعزيز الوعي بالتنوع الثقافي والديني في المغرب، وترسيخ الوحدة الوطنية لضمان مجتمع متماسك يحترم تعدده ويعتز بروافده، لضمان حماية المكتسبات الديمقراطية وتعزيز التماسك المجتمعي”، مطالباً في النهاية بـ”تفعيل القانون بشكل حازم لمحاسبة كل من يروج خطاب التمييز والكراهية، حرصاً على حماية وحدة المجتمع وصون مكتسباتنا الديمقراطية والحقوقية”.
وأكد المحامي بهيئة الرباط محمد ألمو،أن 15 فاعلاً أمازيغياً ورؤساء تنظيمات جمعوية تواصلوا معه حتى يتكلف بوضع شكاية لدى الوكيل العام للملك بالرباط ضد إلياس المالكي، معتبراً أن “المحتويات التي تمّ ترويجها وجرى الاحتفاظ بها لتقديمها ضمن الدفوعات للجهة القضائية تتضمن أفعالاً مجرّمة بمقتضى القوانين المغربية”، وأضاف: “النيابة العامة ستبتّ في الشكاية وتقرر كيفية التعاطي معها”.
ألمو قال أيضاً إن “الأفعال التي يمكن أن تكيّف بها هذه المحتويات ترتبط بالسب والقذف والتحريض على التمييز والكراهية”، مردفاً بأنها “أفعال منصوص عليها في القانون الجنائي المغربي، وكذلك في القانون رقم 73.15 القاضي بتغيير وتتميم بعض أحكام مجموعة القانون الجنائي، الصادر منذ نحو عقد من الزمن، والذي استحضر الأشكال الجديدة للجرائم داخل الفضاء الرقمي”.
واستبعد المتحدث النقاش حول مدونة الصحافة والنشر، مشدداً التركيز على القانون الجنائي، إذ قال وهو يردّ على أسئلة للجريدة تنبه إلى مبدأ قرينة البراءة، وإلى أن صكّ الاتهام توجهه النيابة العامة حصراً: “نحن نحترم القضاء ونحترم حرية التعبير. ظهر لنا وجود أفعال يمكن أن يشتبه في كونها أفعالًا إجرامية فقررنا الاستجابة لطلبات الفاعلين الأمازيغ الذين تمسكوا بطرح هذه القضية على أنظار القضاء كي نتفادى ما يماثلها في المستقبل”.
وتابع ألمو: “المشتكى به، باستعماله أوصافا قدحية تجاه من يسميهم ‘الشلوح’، وتصنيفهم ضمن فئات مجتمعية منحطة وبدون كرامة، وتتميز بـ’عقول جائعة’، إنما يسعى إلى نشر التفرقة والتسبب في الفتنة والصراعات الإثنية والعرقية والعنصرية، وهو ما يؤكده مستوى الإستياء والتذمر والتنديد الذي لقيته تصريحاته من قبل آلاف المواطنات والمواطنين الذين استنكروا علانية هذه التصريحات”، وزاد: “منذ سنة 2003 بمقتضى القانون رقم 24-03 أدخل المشرع تعديلا على القانون الجنائي، مضيفا فرعا خاصا بجرائم التمييز. هذا الأخير عرف بمقتضى الفصل 431-1 كما يلي: ‘كل تفرقة بين الأشخاص الطبيعيين بسبب الأصل الوطني، أو الأصل الاجتماعي، أو اللون، أو الجنس، أو الوضعية العائلية، أو الحالة الصحية، أو الإعاقة، أو الرأي السياسي، أو الانتماء النقابي، أو بسبب الانتماء أو عدم الانتماء الحقيقي أو المفترض لعرق أو لأمة أو لسلالة أو دين معين’”.
وواصل المحامي ذاته: “مضمون ما فاه به المشتكى به في بث مباشر على قناته بمنصة ‘تيك-توك’ يشكل تحريضا على التمييز والكراهية بين الأشخاص لاستهدافه أهم مكونات المجتمع المغربي بعبارات تحقيرية ماسة بكرامتهم، كما أن انتشار وتداول محتويات المعني بالأمر على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي ساهم في تداول صدى هذه العبارات وتوظيفها من طرف متابعيه من المراهقين ومشجعي الفرق الرياضية لتذكية السلوكات العنصرية والتمييزية”.
وإلى جانب درويش وبوهدوز يوجد كذلك المثقف الأمازيغي البارز أحمد عصيد ورشيد أيلال ونزيه أبركان كأطراف في الشكاية، فضلاً عن 10 نشطاء آخرين، “يمثلون مختلف جهات المملكة ويعتبرون أنفسهم معنيين بما صرح به المشتكى به عبر قنوات التواصل الاجتماعي”، لكون “هذه التصريحات مشحونة بتعابير الميز العنصري الحاطة من الكرامة والماسة بمكون رئيسي من مكونات الهوية الوطنية”، بتعبير المصادر.
أحمد عصيد، كاتب وفاعل حقوقي، قال إن “هناك أسبابا عديدة لهذا النوع من المواقف الشاذة التي يتصنعها البعض، على الرغم من أنها لا تلائم لا منطق الدولة ومرجعياتها وقيم المجتمع المغربي الأمازيغي”.
ووضح عصيد، أن “السبب الأول هو هزائم التيار القومي العربي والإسلامي في موضوع الهوية، وخاصة بعد خطاب أجدير سنة 2001؛ مرورا بترسيم الأمازيغية في دستور 2011 ثم بتخصيص قانون تنظيمي لها سنة 2019؛ ثم أخيرا بإقرار رأس السنة الأمازيغية سنة 2023”.
وسجل الفاعل الحقوقي أن “قرارات الدولة اتجهت عكس الإيديولوجيات الإقصائية والاختزالية التي كانت تتنكر لهوية البلاد”، لافتا إلى أن “السبب الثاني والأكثر تأثيرا هو التلكؤ في تفعيل مقتضيات الدستور، ومكتسباته الجديدة؛ فعندما يتم تعديل دستور ويتم التراخي في تطبيقه في الوقت المناسب، فإن ما يحدث هو أشبه بإحداث ثقب في إناء يُراد ملؤه بالماء، وهو ما يفسر عودة التشكيك في المكتسبات، سواء من لدن الذين طالبوا بها وعملوا من أجل الوصول إليها أو من قبَل الذين عارضوها وظلوا يتربصون بها”.
وشدد الناشط الأمازيغي على أن “هذا ما يؤدي إلى إعادة الصراع من أساسه بشكل عبثي”، مبرزا أن “السبب الثالث فهو انهيار حزب الإخوان المسلمين في الانتخابات الأخيرة؛ مما جعله يستقوي بالتيار السلفي لمهاجمة كل مظاهر التحديث وحقوق الإنسان، ومنها الحقوق الثقافية واللغوية، في نوع من ‘العصيان الإيديولوجي’ ضد الدولة”.
علي بنهرار