حوار مع صديق أمازيغوفوبي


هذا الحوار هو ليس في الأصل حوارا حقيقيا، بمعنى أنه ليس حوارا بالشكل الحضاري الذي قد يفهم منه التحاور وتبادل الأفكار والآراء في إطار الحد الأدنى من القبول بالأخر المختلف، بقدرما هو عبارة عن مجموعة من النقاشات الساخنة مع مجموعة من الامازيغوفوبيين بالمغرب بشكل يسمح بتكوين فكرة أورأي يشكل الخيط الناظم لكل أفكارهم كيفما كانت توجهاتهم الفكرية وانتماءاتهم السياسية وعقائدهم الإيديولوجية؛ يسارية قومجية أو يمينية إسلاموية.

 وهكذا يتفق جميع الامازيغوفوبيين في كون الأمازيغية عبارة عن ظهير بربري جديد يجب أن يتجندوا من أجل محاصرته وإفشال مخططاته، ولأجل هذه الغاية “النبيلة” يعمل هؤلاء على تجيش مشاعر الجماهير الجاهلة والبسيطة، وتجنيدهم في معركة مصيرية متعلقة بالوطن الذي تحاك ضده المؤامرات الأجنبية، الصهيونية والغربية، مع توظيف أيديولوجي للدين بشكل يذكرنا بمسيرات قراءة اللطيف في شوارع الرباط وفاس، في سبيل إنجاح هذه الغاية التي يعتقدون أنها أم الغايات وأولى المهمات التي يلزم هؤلاء الجنود أو الحراس الجدد الذين هم حماة الوطن والعقيدة أن ينبروا للدفاع عنها، وهكذا تنقلب الضحية بقدرة قادر لتصبح هي الجلاد، في حين يتباكى الجلاد على حائط المبكى القومجي بشكل شبيه بأيدولوجيا التمائم الفرعونية، ليمارس الإرهاب الفكري ضد كل من لا يشاطره الرأي حول قداسة العروبة، ودناسة تمزيغت، إنها بالحق شوفينية متعصبة و مقيتة منتفخة الأوداج بالأحقاد الأيديولوجية تفتح باب التاريخ مشرعا على كل الاحتمالات السيئة.

وهكذا تجلب الضحية (الامازيغية) إلى مذبح العنصرية لتقرأ عليها مجموعة من التمائم قبل أن يتم نحرها وتقديمها قربانا لآلهة العروبة المقدسة، وأبرز هذه التمائم هي:

– تميمة اللغة المقدسة:

– تميمة الوحدة الوطنية:

– تميمة نظرية المؤامرة:

– تميمة الجدوى الاقتصادية:

– تميمة التراث البربري:

1-تميمة اللغة المقدسة:

 عادة ما يستعمل الامازيغوفوبيين حجة ضعيفة جدا مفادها أن اللغة العربية لغة مقدسة وأن ما سواها لغات مدنسة، خاصة عندما يواجهون ( بفتح الواو) بكون اللغة كيفما كانت لا تحتمل وصفها بعبارة مقدسة أو مدنسة، ذلك لأنه لو تسنى لنا أن نصف لغة معينة بهذا الوصف، ونستثني منه لغات بشرية أخرى لكان مجرد ميل بشري إلى تفضيل لغة أو لسان بشري على لسان بشري آخر مع أن الحقيقة هي كونهما يتوفران على نفس الخصائص اللسنية التي تجعل من كليهما لغة ليس فقط فصيحة في نظر المتكلمين بها، بل وأيضا لغة مقدسة، بنفس القدر من الإعتزاز والتقدير الذي يشعر به من يروم إلى تقديس لغته.

 أما من ناحية أخرى فان تقديس اللغة العربية، بحكم كونها تشكل الوعاء اللغوي والبلاغي الذي صبت فيه معاني الوحي الإلهي، سيدفعنا إلى التساؤل عن مصير اللغات التي نزلت بها الكتب السماوية الأخرى غير القرآن، هل هي مقدسة أم مدنسة، وبالتالي يحق لنا وفق هذا المنطق نعت اللغة السريانية والعبرانية والآرامية بكونها لغات مقدسة كذلك.

 وهكذا فعن طريق التوظيف الأيديولوجي للدين يعمل الامازيغوفوبي على طمس الحقائق الفاقعة من أجل الإجهاز على حقوق الآخرين و يغمض عينيه عن وجود لغات المسلمين الأخرى غير الامازيغية، كالهندية، والبنغالية، والاوردية، والمالوية، والأفغانية، والبوسنية، والألبانية والتركية والكردية…، بشكل مكشوف، وذلك ببساطة متناهية لأنها لاتعنيه ضمن السجال الذي يخوضه من أجل إقصاء الآخر المختلف، وتجده أحيانا يسعى في تعلم بعض اللغات الأخرى التي ينعتها بـ” الإسلامية “من أجل استعمالها في عملية ” الإرشاد الديني” عبر الأشرطة المسموعة والمرئية سابقا وفي وسائل التواصل الاجتماعي حاليا، بالشكل الذي لا يؤهلها لأن تتجاوز مجال الشفهية إلى الكتابة، لان من شأنها أن تزاحم” لغة القران “.

 أما عندما يواجه ( بفتح الحاء) بحقيقة أن اللغة لاتشكل لوحدها عاملا للبحث عن القواسم المشتركة بين الشعوب من وجهة نظر السوسيولوجية، وبكون العرب ليسوا كلهم مسلمون مع أنهم يتكلمون نفس اللغة، بحيث يصبح دور اللغة عند العربي المسيحي مثلا ليس هو نفس الدور الذي تلعبه هذه اللغة لدى العربي المسلم، وأنه بالإمكان البحث عن القواسم المشتركة بين الشعوب من زوايا مختلفة ليست بالضرورة اللغة فحسب، كما هو الشأن بين العرب والأمازيغ المسلمين، إذ أن هنالك قاسما مشتركا بين الاثنين ألاهو الدين الإسلامي، بغض النظر عن اللغة، إلا أن الامازيغوفوبي لا تعجبه هذه المقارنات التي تظهر مدى استعداده لمعانقة هموم أخيه العربي أكثر من هموم أخيه الامازيغي المسلم، فهو لا يعبأ بهذه العلاقة غير المؤسسة على الرابط القومي واللغوي.

 هكذا يتضح بجلاء أن الامازيغوفوبي لا يخاف على”لغة القرآن” من مزاحمة الأمازيغية لها كما يدعي، بل يخاف على مركزه السياسي الذي يقيسه بالمقياس القومي المفرط، والذي يعتقد أنه سيفقده عندما تتحول لغة الشعب إلى لغة عالمة مكتوبة ومتطورة، إنه سؤال مرتبط بالوجود الذي يخشى الامازيغوفوبي من فقدانه بشكل يحوله إلى شخص عدائي لكل ما هوأمازيغي، ولا يستوعب أن اللغة العربية ليست فقط “لغة القرآن” كما يدعي بل هي أيضا لغة الشعر الجاهلي والأموي و العباسي خاصة شعر أبي نواس، ولغة الطرب و الأغاني التي كانت تؤديها الجواري في قصور الأمراء والخلفاء ولغة المسرح والسينما والفنون عامة، وهي مجرد إبداعات بشرية وليست وحيا إلهيا، وأن اللغة الأمازيغية تتوفر بدورها على هذه الخاصية الإبداعية مثل جميع اللغات البشرية، وبالتالي فتميمة اللغة المقدسة ليست دليلا لإقصاء الأمازيغية من الوجود؛ لأن مجالات الإبداع هي مجالات بشرية بامتياز. 

2-تميمة الوحدة الوطنية والقومية:

 عندما يعجز الامازيغوفوبي عن استيعاب فكرة التعدد والاختلاف التي ترتكز على مبدأ المواطنة، يلجأ إلى شيطنة الأمازيغية والأمازيغ ونعتهم بالعمالة، و يسوق حجة واهية مفادها أن الأمازيغية ماهي سوى دعوة عنصرية تروم إلى تفريق الشعب المغربي والقضاء على وحدته وتقديمه أكلة سائغة للإمبريالية العالمية وأنها تخدم الأجندة الصهيونية، ولأن ذهنيته الاقصائية، لا تستسيغ هذا التعدد الذي هو في الأصل سنة إلهية كونية وحقيقة ظاهرة للعيان، يسعى إلى الالتفاف عليه بغية طمسه، وذلك باستعمال هذه الحجة المدحوضة في الأصل، وهو يفعل ذلك لايفرق بين معطيين اثنين، ألا وهما :

  1. أن الامازيغية كلغة وكهوية ضاربة في تاريخ المغرب منذ آلاف السنين.
  2. أن الحركة الامازيغية هي حركة مدنية تصحيحية مستقلة تسعى إلى إعادة الاعتبار للمكون الامازيغي ضمن إطار الثقافة الوطنية الجامعة.

 ولأن الامازيغوفوبي لا يرغب في فهم واستيعاب هذين المعطيين، يسوق حجة أخرى ضعيفة – بشكل غاية في السذاجة والسطحية- مفادها أن الإعتراف للأمازيغ بحقوقهم اللغوية والثقافية من شأنه أن يضعف الوحدة الوطنية التي يجب إن ترتكز على اللغة الواحدة والهوية الواحدة والثقافة الواحدة، وأن الشعب المغربي جزء لا يتجزأ من الأمة العربية التي هي الآن في أمس الحاجة إلى الاتحاد لمواجهة الصهيونية العالمية.

 إن الامازيغوفوبي شخص مستلب فكريا ووجدانيا للمشرق، لذلك فهو يدعي أن المشاكل التي يعرفها ما يسميه : “لعالم العربي”و”المغرب العربي” بالخصوص هي من صنع المستعمر الذي لايزال يتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، ولعل من بين أبرز القضايا التي هي من صنعه؛ القضية الامازيغية، والقضية الكردية، وقضية الصحراء، وقضية فلسطين، وهكذا يخلط بين مجموعة من المواضيع الكبيرة والمتناقضة بشكل يفتقر إلى الرابط الموضوعي، من أجل تشتيت ذهن المحاور وممارسة التشويش على عقله حتى لايركز على مناقشة موضوع معين، ويستعمل مجموعة من المفاهيم والمصطلحات هكذا دفعة واحدة، لإغراق المحاور في سيل من الموضوعات غير المندمجة والتي تستلزم درجة عالية من التركيز والتفكير، وهذا الخلط هو إنما يعبر عن غياب المنهجية والوضوح الفكري لدى الامازيغوفوبي الذي ليس لديه قضية معينة يدافع عنها؛ لأنه إنسان ديماغوجي يحاول فقط لإفحام المحاور الذي هو بالنسبة له خصم أيديولوجي عن طريق إتقان فن الصنعة البلاغية، وهنا لايجب مقارنته بالسفسطائي الذي هو أرقى نمط التفلسف لدى الإغريق، بل بشكل شبيه بقرع الطبول الكثيرة لإحداث الضوضاء، الذي لايترك للمحاور فرصة التأمل، وحرية الرد الهادئ المدعوم بالحجة والدليل.

 لا يمكن إقناع الامازيغوفوبي بالحديث عن فضائل النظام الجهوي في التجربة الديمقراطية في البلدان المتقدمة؛ لأن كلمة الديمقراطية بالنسبة إليه ماهي سوى وسيلة يستعملها فقط لبلوغ غايات سياسوية، لذلك فهو يتهم الأمازيغية بسعيها إلى إحياء النعرات القبلية والإثنية و إحلال الجهوية محل الوحدة الوطنية، ورغم أن المحاورسوف يذهب مع هذا الطرح إلى أبعد مدى؛ فيذكره بان أعداء الوحدة الوطنية الحقيقيون هم أولئك الذين ما فتئوا يطالبون بالانفصال عن الوطن الأمفي إطار ما يسمى بـ: ” الجمهورية العربية الصحراوية ” وأن المغرب يسعى لبناء نظام جهوي حقيقي من خلال مقترح الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية، غير أن الامازيغوفوبي لا يبدي أي اعتراض أو أي موقف إيجابي لصالح الوحدة الترابية للمغرب؛ لأن لديه أجندات أخرى مغايرة لهذا الطرح الوطني، وهكذا يتضح بشكل مكشوف أنه قد يرحب بوجود دولة عروبية أخرى في جنوب المغرب، غير أنه لا يقبل أن تتمتع جهات المغرب بقدر من التسيير الذاتي في إطار النظام الجهوي الذي يتدرج المغرب على إنضاج تجربته منذ ما لا يقل عن عقدين من الزمن.

2-تميمة نظرية المؤامرة:

 عندما يتعلق الأمر بقضية الصحراء، فالأمر لا يخرج عن إطار مطالبة شعب بتقريره لمصيره في إطار القانون الدولي، ولا يحس الامازيغوفوبي بالحرج من هذه المقولة الانفصالية التي لا تضرب فقط مبدأ الوحدة الوطنية في العمق بل وتعمل على تكريس مقولات أعداء الوحدة الترابية للمغرب في أذهان البسطاء من الناس، حتى تصير أمرا وقعا، وهذه حيلة يستعملها الامازيغوفوبي الذي هو في الغالب إما يساري متمركس يتبنى الأيديولوجية العروبية البعثية التي عفى عنها الزمن، أو إسلاموي، أو سلفي وهابي متحنبل، يسعى لإقامة دولة الخلافة، وهدف الإثنين طبعا هو إضعاف الدولة الوطنية الحالية، وذلك حتى يسهل أمر الانقضاض عليها و الاستيلاء على السلطة عندئذ من طرفهما، سواء من أجل إقامة الدولة القومية المأمولة أو دولة الخلافة الموعودة، وهكذا فالامازيغوفوبي لا يبالي كثيرا بمصير هذا البلد ولا يهتم بقضاياه ، لان ما يهمه في الحقيقة هو قضايا الشرق الأوسط التي يعتبرها قضاياه الأساسية على حساب القضايا الوطنية الأولى، وهكذا يسقط في فخ التناقض وازدواجية المعايير.

 من بين المغالطات الأخرى التي يتحاجج بها الامازيغوفوبي؛ كون المطالبة بحقوق الأمازيغ في وطنهم هو عبارة عن مؤامرة خارجية تروم إلى النيل من وحدة هذا الشعب المغربي، إذ إن خيوط اللعبة تحركها إما فرنسا سواء في إطار سياستها البربرية المعهودة في كل من المغرب والجزائر أو بحكم كونها تحتضن الكونغريس العالمي الامازيغي الذي تأسس سنة 1995، أو إسرائيل من أجل تمزيق المغرب وضرب مقومات وحدته الوطنية، وهكذا يتفنن الامازيغوفوبي في إلصاق كل السيئات بالامازيغية بدون أن يشعر بالتناقض في نهجه لهذا الأسلوب الديماغوجي، متناسيا أن فرنسا تضم كذلك معهد العالم العربي الذي أسس في باريس سنة 1980 قبل الكونغريس الامازيغي. وهكذا تصبح الامازيغية والجهات الأجنبية التي تقف وراءها عبارة عن شماعة يعلق عليها الامازيغوفوبي كل مصائب المغرب بل والعرب برمتهم، فيربطها بالصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية تارة، أو بالاستخبارات الغربية تارة أخرى، وذلك من خلال شيطنتها قصد تنفير الناس البسطاء منها، اِستعدادا للإجهاز عليها بعد ذلك، لأن الطقس الديماغوجي ينقصه الكثير من البخور الأيديولوجي حتى يتمكن من إخضاع الضحية لنزوات المشعوذ السياسي الكامنة في ذهنيته العنصرية.

3-تميمة الجدوى الاقتصادية: 

 عندما يجد الامازيغوفوبي نفسه محاصرا بمجموعة من الادلة الدامغة، والحقائق الباهرة، الدالة على كون القضية الامازيغية قضية وطنية يجب أن تحل في إطار الاجماع الوطني، بعيدا عن كل المزايدات الناشئة عن الحسابات السياسوية الضيقة، وبكون الهوية الامازيغية وكذلك اللغة الامازيغية تشكلان واقعا سوسيولوجيا لا مجال لإنكاره إلا بدعوى الجحود الأعمى وغير المتبصر، يلجأ الى مقولة غاية في الدهاء السياسي، ألا وهي الجدوى الاقتصادية من إدماج الامازيغية في المدرسة والإعلام والحياة العامة، فهي في نظره مجرد لهجات غير متجانسة، تفتقر إلى مقومات اللغة العالمة ولا تتوفر على المصطلحات العلمية والتقنية والسياسية والفنية؛ أي على المعاجم الحديثة التي ستمكنها من الاندماج في الحياة الاقتصادية وهي حجة واهية لأن المعاجم أصبحت جاهزة بفضل العمل الأكاديمي للمختصين في هذا المجال.

 كما يدعي أيضا أن كتابتها بحرف تيفيناغ عوض الحرف الآرامي يشكل عبئا إضافيا على التلاميذ أثناء تعلمها، فضلا عن تلقين المواد المدرسة بواسطته، وبصريح العبارة يقول الامازيغوفوبي إن الامازيغية غير صالحة للاستعمال لا في الإدارة ولا في الاعلام، ليس فقط لأنها تفتقر إلى الفصاحة بل لكونها تفتقر إلى الجاذبية التي تتمتع بها اللغات الأخرى كالعربية والفرنسية والانجليزية.

 ثم يلجأ إلى الجدوى الاقتصادية ويمنحها الكثير من اِهتمامه زاعما أن تدريس الأمازيغية للتلاميذ هي عملية عديمة الفائدة بحكم أنها لهجات شبه ميتة، ويؤكد أنه غير مستعد للتضحية بمستقبل اِبنه في سبيل تعلم هذه اللهجات المتخلفة و المهجورة والتي لم تعد تستعمل حتى من طرف الأمازيغ أنفسهم، خاصة أمام ميل أغلبهم في المدن والحواضر إلى التحدث إما بالدارجة المغربية أو اللغات الاخرى كالعربية والفرنسية والانجليزية وغيرها، ولا يستطيع الامازيغوفوبي أن يستحضر الواقع الذي تحولت فيه لغات كانت عبارة عن لهجات شبه ميتة إلى لغات عالمية مثل العبرية والصينية واليابانية والهندية و غيرها، وكيف استطاعت هذه اللغات أن تندمج في الأسواق العالمية بسرعة كبيرة وصارت من أهم اللغات التي تدار بها التجارة والاقتصاد الدوليين رغم صعوبة حروفها مقارنة بحرف تيفيناغ، وكيف انخرطت في التكنولوجيا وعالم التقنية والبحث العلمي أيضا، بعدما توفرت لها الشروط الذاتية والموضوعية للتطور.

 وهكذا يعتقد الامازيغوفوبي أنه قد أغلق جميع المنافذ أمام الامازيغية معلنا أنه يحاصرها استعدادا للإجهاز عليها، ولا يلقي بالا إلى كل الأدلة التي قد تسوقها في معرض نقاشك حول هذا الموضوع، والتي ترتبط مثلا بأن تهميش الامازيغية في الحياة العامة هو الذي يساهم في تكريس دونية هذه اللغة وأن الأمر لا يخرج عن نطاق كونه عاملا سيكولوجيا في نفسية الامازيغوفوبي، وأن بإمكان هذه اللغة لو توفرت الإرادة السياسية والدعم المادي الكافي لها أن تصبح بدورها لغة العلم والتكنولوجيا كباقي اللغات لا فرق، ويمكن إعطاء مثال ببعض اللغات التي استطاعت أن تندمج في عالم الأسواق والتجارة والاقتصاد والتي لم تكن لها قائمة قبل القرن العشرين من القرن الماضي مثل اللغة التركية والفارسية، إذ إن الخصائص المورفولوجية هي نفسها في جميع اللغات البشرية وهي ما يجعلها قابلة للتطور إذا توفرت الارادة لدى المجتمعات الناطقة بها من أجل تطويرها، وليس إلى نقص كامن في جوهر تلك اللغات.

 وعندما تذكره بأن جميع اللغات ومنها العربية، كانت ولا تزال عبارة عن لهجات تفتقر إلى الجاذبية والقابلية للتطور وخوض غمار التحديث، وأن العربية بالرغم من توفرها على الدعم المادي والمعنوي ( البترودولار والدين الإسلامي ) اللازم لتصبح لغة متطورة وحديثة لا تزال بعيدة المنال عن بلوغ ذلك الهدف المنشود، لان ذلك مرتبط بالذهنية الثقافية للانسان الذي يتكلم هذه اللغة، وبظروفه الاقتصادية و السياسية والاجتماعية، والتي لا تزال تراوح منطق الوقوع في أحضان التخلف والتبعية، يتبرم منك قائلا إن الامازيغية لم يسبق لها أن كانت لغة تدريس، في حين اِحتضنت العربية العلوم في عصرها الذهبي، وحملت إشعاع العلم والمعرفة إلى العالم مثلما تحمله اللغات الحية اليوم، وهذه مغالطة أخرى باعتبار أن اللغة الأمازيغية كانت تكتب قبل اللغة العربية والشواهد الأركيولوجية شاهدة على ذلك، ولا تزال لغة تدرس بها العلوم الدينية في المدارس الدينية “المدارس العتيقة” وأن هناك مؤلفات عديدة بهذه اللغة تخص مجال الفقه الإسلامي، ولن نتحدث هنا عن الكتب التي ألفت بها قبل مجيء الإسلام لأن هذا الموضوع طويل ومتشعب جدا.

 أما عندما تواجهه بكون اللغة اللاتينية كانت في القرون الوسطى لغة العلم والمعرفة والدين المسيحي، لدى المجتمعات الاوروبية، وأن ذلك لم يشفع لها أمام اندفاع المجتمعات الغربية في مسلسل بناء الدولة القومية القطرية والتي أفضت إلى نشوء اللهجات المحلية لتصبح لغات رسمية لأغلب البلدان الأوروبية؛ فاللغة الإيطالية الحالية كانت عبارة لهجة كانت تسمى:” اللهجة التوسكانية” واللغة الاسبانية كانت عبارة عن لهجة كانت تسمى:” اللهجة القشتالية ” واللغة الفرنسية كانت عبارة عن لهجة تأثرت بدورها بالعديد من اللهجات المحلية، وكانت تسمى :” لهجة بلاد الغال” وهاهي اليوم صارت لغات متطورة حاملة للعلم و المعرفة والتكنولوجيا، في حين كان مصير اللغة اللاتينية هو الموت والانقراض. 

4-تميمة التراث البربري:

 لا يريد الامازيغوفوبي من الامازيغية ان تتجاوز إطار اللغة الشفهية والمحكية، ولايريد من الثقافة الامازيغية أن تتجاوز عتبة الفلكلور وحضيض التراث البربري الذي يجب ان يحفظ في متاحف الايديولوجية العروبية، لتتمتع به الاجيال العربية القادمة التي سوف تتذكر حينئذ أن المغرب وشمال افريقيا عموما كان يسكنه قوم يسمون”البربر”، وهكذا فإن الامازيغوفوبي يقبل أن تدرج اللغة والثقافة الامازيغيتين في إطار التراث فقط، لكنه لا يقبل أن تكون لغة مكتوبة وأن تكون لها ثقافة عصرية وأن تدرس وتدمج في الحياة العامة؛ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية، لأنها في نظره سوف تزاحم اللغة العربية “لغة القرآن” وقد لاحظنا كيف تصدى العديد من المفكرين المغاربة الامازيغوفوبيين من التكتلات اليسارية واليمينية لمسألة دسترة اللغة الأمازيغية ووقعوا على بيان يدعو لعدم دسترتها وأرسلوه إلى اللجنة الملكية الخاصة بتلقي مقترحات التعديلات الدستورية سنة 2011.

 لا يصرح الامازيغوفوبي بنيته المبيتة ورغبته الجامحة في قتل الامازيغية، أي أنه يمارس التقية؛ خاصة حيال صدمته إزاء العناية والاهتمام الملكي المتزايد باللغة والثقافة الأمازيغيتين، والذي توج بخطاب أجدير التاريخي سنة 2001، مرورا بدسترة اللغة الامازيغية سنة 2011 ، وإعلان يوم 13 يناير ” ئض يناير ” من كل سنة عيدا وطنيا وعطلة رسمية مؤدى عنها سنة 2024، إلا أنه يبذل قصارى جهده في الخفاء من أجل فرملة تطورها من خلال سعيه في إبقائها في خانة التراث، وهو يراهن على عامل الزمن من أجل موتها بشكل نهائي، لأنه يعلم جيدا أن لا مكان في هذا العصر – الذي هو عصر العولمة وتكنولوجيا المعلومات – للغات ما لم تتمكن من أن تلج المدارس والاعلام والمرافق العامة والمؤسسات، لذلك فهو يراهن على الموت البطيء للأمازيغية تحت ضربات التعريب التي يمارسها في الخفاء من خلال هيمنته على المؤسسات الاستراتيجية في البلاد و هو يعلم أن التعريب تتوفر له دعامات وطنية وأجنبية قوية.

 وختاما أقول للامازيغوفوبي بأن نظرياته القومجية حول الدين واللغة والوحدة الوطنية والمؤامرات الاجنبية المغلفة بالكثير من الايديولوجيا، وكذلك نظرياته العدمية حول القومية العربية أو الخلافة قد تجاوزها الزمن بلا رجعة، وأن عقارب الزمن لا يمكن أن ترجع إلى الوراء من أجل اِستعادة هذه المشاريع السياسية الاستبدادية والتي أبانت التجارب العملية فشلها الذريع في تدبير شؤون الشعوب التي اِبتليت بها سواء في الماضي أو في عصرنا الحاضر، وأن المجتمع المغربي قد اِنخرط بشكل سلمي وهادئ في التحديث الذي أعلنه جلالة الملك في خطاب أجدير على كل المستويات في ظل النظام الملكي” Agllid ” الذي يعبر عن الهوية السياسية للمغاربة منذ آلاف القرون.


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments