تاركّيمْت نْ ليركام


عبّر العديد من نشطاء الحركة الأمازيغية عن امتعاضهم من “إقبار ليركام” من خلال ضمّه للمجلس الوطني واللغات والثقافة المغربية. وإن كنت لا أدري بالضبط أي أهمية يكتسيها ليركام بالنسبة لكل واحد منهم، ولكن ما الذي يختلف إن كان ليركام داخل أو خارج المجلس؟ ولماذا سندعو كمنتسبين للحركة الأمازيغية إلى عدم ضمه للمجلس؟ وهل في ذلك فائدة للأمازيغية وللحركة الأمازيغية؟

قبل بسط رأيي في الموضوع أسجل أن المقترحات الجادة والأعمال الدراسية للحركة الأمازيغية بخصوص إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية كانت قليلة كمّا وهزيلة مضمونا، وهنا أودّ التعليق على المبررات والتوجسات المعبر عنها علنًا في هذا الصدد:

– عنصر المفاجئة: هناك من يرى في مصادقة البرلمان على مشروع القانون التنظيمي في 11 فبراير 2020 مفاجأة ! في حين أن عملية ضم ليركام للمجلس الوطني للغات منصوص عليها في الفقرة الأخيرة من الفصل الخامس من الدستور الصادر منذ يوليوز 2011. كما أن صيغة الضم جاءت واضحة وصريحة في مشروع القانون كما تم إيداعه بالبرلمان منذ أكتوبر 2016.

– ليركام مستهدَف من طرف جهة ما: هناك من يرى أن عملية الضم هي خدمة لأجندة جهة معينة، في حين أن الوقائع تثبت أن هناك إجماعٌ على تركيبة المجلس بصيغته الحالية. ابتداء من اللجنة الملكية التي أعدت مسودة القانون )وكان من أعضائها ثلاثة نشطاء من الحركة الأمازيغية وعميد ليركام( مرورا بالمجلس الحكومي الذي ترأسه بنكيران، وصولا للمجلس الوزاري الذي ترأسه الملك. وكل تقارير أشغال اللجنة البرلمانية المعنية لم يَرِد فيها ما يفيد أن هناك من يدافع عن إخراج ليركام من المجلس في مقابل من يدافع عن ضمه للمجلس.

– سمو ظهير تأسيس ليركام: هناك من يرى أنه ليس من حق البرلمان المسُّ بظهير ملكي، وهؤلاء ربما ملكيون أكثر من الملك. فهل يُعقل أن تمر هذه الواقعة في غفلة من المجلس الوزاري الذي اعتمد مشروع القانون التنظيمي؟ ولا ضَيْر هنا من التذكير بالقواعد الدستورية الجديدة في هذا الصدد، من قبيل تراتبية القوانين المنصوص عليها في الفصل السادس والتي يبدو فيها القانون التنظيمي أعلى درجة من باقي صيغ القانون، وحصْر مجال ممارسة صلاحيات الملِك بظهائر في الفصلين 41 و 42، وعبثا يمكن الاستشهاد بتعديل ظهائر ملكية بمراسيم حكومية بمقتضى الفصل 73.

– قوة ليركام في استقلاله المالي والإداري: لا أعتقد ذلك، لأن عميد ليركام كان تحت الوصاية المباشرة للملك وسيصبح تحت الوصاية المباشرة لرئيس المجلس الوطني للغات الذي يعينه الملك. بل أكثر من ذلك لم يكن ليركام يوما مؤسسة قوية ومُبادِرة سَجلت موقفا صارما وجريئا في الدفاع عن اختياراته، بل الأنكى والأمَــــــرّ أنه قبِلَ أدوارا ذيلية لبعض القطاعات الحكومية، ويكفي هنا التذكير أن ليركام اشترط سنة 2019 الحصول على موافقة وزارة الثقافة للاستفادة من الدعم المسرحي .. وهو أمر يثير الكثير من الاستغراب والاشمئزاز في آن !

– ليركام مَكسب وسَنَد للحركة الأمازيغية: لم يكن ليركام يوما مَحط إجماع وقَبول من مختلف أطياف الحركة الأمازيغية، وحتى الجمعيات التي اختارت التعامل مع ليركام لم تتمكن من بناء شراكات استراتيجية منتجة أو استطاعت تقوية قدرتها ومكانتها بفضل دعم ليركام، الذي كان موسميا ومعاييره وأشكاله غير واضحة. ورغم أن عميد ليركام كان من حقه اقتراح 32 عضوا من أعضاء المجلس الإداري فلم يُعرَف يوما عن هذا المجلس الإداري أن جسّد حيوية الحركة الأمازيغية، بل من الصعب جدا حتى الاطلاع على أسماء أعضاء هذا المجلس وصفاتهم ومآلهم، ولعل إطلالة بسيطة على موقع ليركام ستؤكد هذه الفكرة !
– الضمّ غير مطابق للدستور: لا أعتقد أن المحكمة الدستورية تشتغل كمجمع لغوي لتفسير العبارات والألفاظ، بل مهمتها هي التنقيب عمّا يخالف الدستور في القوانين المعروضة عليها. فأية قاعدة دستورية يخالفها ضم مؤسسة إلى أخرى؟ وهل يمكن أن تتجاوز المحكمة في التأويل والتفسير منطوق الدستور نفسه !

إن مشكل ليركام باعتباره مؤسسة ضمن مجلس اللغات هو مشكل الاختصاصات. حيث تبدو ضعيفة بالمقارنة مع حاجيات اللغة الأمازيغية في المرحلة الراهنة والمستقبلية، كما أنها لا تتساوى مع اختصاصات أكاديمية اللغة العربية، حيث تميل الكفة لفائدة هذه الأخيرة رغم أن الأمر يتعلق بلغتين رسميتين ولكن غير متكافئتين. وهذا جوهر المشكل في نظري.

فكل الفرقاء السياسيين والمؤسساتيين يتعاملون مع اللغة العربية كلغة رسمية وستظل رسمية، ويتعاملون مع الأمازيغية كلغة طارئة على الترسيم وستصبح رسمية مستقبلا أي أنه ترسيم مؤجل إلى حين.

ومما يزيد الطين بلّة، أن الحكومة والمؤسسات الرسمية شرعت في وضع مخططاتها لتفعيل الطابع الرسمي، وبعد إحداث مجلس اللغات سيضطر لوضع التوجهات اللغوية الاستراتيجية باعتباره صاحب الاختصاص. فأيّـهُما سيخضع للآخر آنذاك، المخططات القطاعية أم التوجهات الاستراتيجية؟ أليس هذا عبثا؟
يبدو أن هيكلة المجلس تُميّـز بين اللغات واللهجات في المغرب، فهل سيختص ليركام في اللغة المعيارية ويترك التعبيرات الجهوية والمحلية لهيئة اللهجات؟ وهل سيوقف هذا الفصل استعمال الدارجة المغربية باعتبارها لغة عربية مثل ما يحدث في حصص البث الإذاعي والتلفزي المنصوص عليه في دفاتر تحملات الشركات الوطنية للاتصال السمعي البصري؟ أم سيكون الغموض والالتباس هو سيد الموقف؟

كيف سيتم تحقيق المساواة بين اللغتين الرسميتين خارج مجلس اللغات حيث اللاتكافؤ سيد الموقف، فالعربية تستفيد من خدمات عدد جمّ من المؤسسات الجامعية والتعليمية والإعلامية ….إلخ. في حين أن الأمازيغية ليست إلا ضيفا ثقيلا على الجامعات والمدارس وغير مرغوب فيها في الإعداديات والثانويات، رغم أن ليركام قضى 10 سنوات من الوعود بتعميمها في كافة أسلاك التعليم.

بعد أن فقد ليركام صفة “عميد” هل سنسمع في القريب العاجل عن عميد لكلية اللغة الأمازيغية على غرار عميد كلية اللغة العربية بمراكش؟ بالإضافة طبعا إلى شُعب الآداب الأمازيغي في كافة الجامعات على منوال شُعب الآداب العربي.

التجاني الهمزاوي


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments