ويل لكل همزة لمزة..قصف أخلاقي لتفاهات بنحمزة


لا طائل من مُجادلة بنحمزة بالمرجعية الحقوقية مادام لا يستسيغها، ويشكك في غاياتها ومضامينها ويعتبرها أداة لتمزيق الأمة. وأقصى ما يمكن أن يبلغه الشيخ بنحمزة في قبول الاختلاف يلخصه مؤلفه المعنون ب “مقدمة من أجل تأصيل التسامح بين المسلمين”. على كل حال له الحق في ذلك.
ما دام أنه لم يُكذّب ما جاء في التسجيل، وحاول الدفاع عن نفسه في محاولة يائسة لتبرير ما لا يُبرَّر. فسنحاججه بمنطق الأخلاق والآداب الربانية، التي خالفها حين سمح لنفسه الأمارة بالسوء أن يخوض في الحديث ويغتاب أناسا غير حاضرين في نفس المجلس ولم يكفل لهم حق الردّ والدفاع عن أنفسهم وفق أبسط قواعد الإنصاف. وخالف مكارم الأخلاق التي جاء بها الإسلام حين جنح لأسلوب السب والقذف بدل الانقياد لقوله تعالى “أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعضة الحسنة”، بل إن الشيخ يعارض المشيئة الإلاهية التي ترى في اختلاف الألسن حكمة ورحمة واعتبر الأمر تمزيقا وفتنة.
إن المبررات التي يقدمها بنحمزة تتشابه حدّ التطابق مع المبررات التي كان يسوقها المقرئ أبوزيد إبان نكتة “العرق المعين”، حيث يقول بنحمزة في حوار صحفي:
– “الشريط قديم يعود لثلاثين سنة وله سياقه الخاص” متى كان هناك سياق خاص بالتهجم والقذف، ومتى كان سافل القول قابلا للتقادم. ألم يقل عزّ من قائل “وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد”.
– “تم النبش في الماضي من طرف المغرضين” هذه ضريبة طبيعية للمساهمة في النقاش العمومي وتبني المواقف.
– “تم استهدافي من طرف التيار العلماني لأنني أدافع عن العربية والإسلام” ما دام الشيخ لا ينفي ما ورد في الشريط فالمخالفين له لم يقوموا إلا بالتعليق عليه ومناقشته، ألا يدافع عبد الله العروي عن العربية دون أن يفقد احترام أحد؟ أم أن الطريقة التي يدافع بها الشيخ بنحمزة عن العربية والإسلام هي التي يستعدي بها الناس، وكما يقول الفقهاء “إن الوسائل تعطى حكم الغايات وأن ما أدى إلى الشيء أعطي حكمَه”.
يبدو أنها مبررات واهية لا تقنع حتى قائلها، خاصة أنه لم يعبر عن تغير في موقفه، بل هناك تغير في الواقع الدستوري والمجتمعي المغربي جعله يقبل الوضع على مضض.
أما بخصوص مضمون الشريط، فما هو أكيد أن الشيخ كان يخطب في جلسة نورانية مخصصة للوعظ والإرشاد وغالبا في مسجد، فهل يستقيم كلام الشيخ مع قدسية المكان ومع الوظيفة التربوية الملقاة على عاتقه ومع المكانة العلمية التي تنسب إليه، لا أعتقد ذلك.
يمكن اختصار كلام بنحمزة في الآتي:
– “بعض الجمعيات الأمازيغية تطالب بتخصيص حصص أسبوعية لتقديم أعمال على شاشة التلفزة بهذه اللهجة” أعتقد أن مجادلة مواقف الجمعيات الأمازيغية مكانه هو ساحة النقاش العمومي المدني، الذي يتسم بالندّية والنسبية والاختلاف والمساواة بين الأطراف في التعبير عن مواقفهم، أما أن يستغل الشيخ منبر المسجد للتعبير عن موقف سياسي فهذا غير مقبول بتاتا قانونيا وفقهيا وسياسيا. ألم يقل الرسول “أنتم أدرى بشؤون دنياكم” والتلفزة ربما من أمور الدنيا !!
– “الهوتو والتوتسي كلهم ضربهم الله” ألا يملك شيخنا غير عبارات التشفي والسب واللعن، لمناقشة وضعية سياسية وإنسانية معقّدة. ألا يستحقون الدعاء والتضامن على أساس إنساني لا غير.
– تحدث الشيخ كثيرا عن اللغة العربية واللغات الأخرى وقال مثلا “أن في فرنسا قانون لتشطيب الكلمات غير الفرنسية من لغتهم”، كما أضاف “يقينا لا توجد لغة أكثر قدرة على التعبير وأكثر علمية، لو كانوا يعدلون لاتخذوا العربية لغة عالمية”، هل يمكن أن يصدق هذا الكلام أي مبتدء في اللسانيات ناهيك عمّن يسمي نفسه عالما متخصصا في اللغات. أليس هذا الكلام كذبا وبهتانا في بيت من بيوت الله.
– “هل يريدون أن يصبح الإمام يخطب بالدارجة” هل نسي سي بنحمزة أن شريطه مسجل بالدارجة وكان ولا يزال يخطب في الناس بالدارجة، وهو بذلك أول المستهترين بلغة القرآن.
– “شحال من كتاب الطب والفلسفة بالأمازيغية” لأن الشيخ لا تعنيه الأسباب التي أوصلت الأمازيغية لهذه الوضعية، يمكن أن نطرح نفس السؤال على شيخنا بخصوص العربية التي يدعو لاعتمادها عالميا، شحال من كتاب ديال لانفورماتيك بالعربية؟
– بالنسبة للشيخ السبب في كل ما يحصل هو “الصحوة الإسلامية حيث لا يمكن القضاء على الإسلام إلا بالقضاء على العربية”، ذهنية المؤامرة لا تفارق بال شيخنا، ويتعمّد الخلط بين العربية والإسلام. وهذا تدليس ونذالة لا تليق بمن يسمي نفسه شيخا.
عادة لا أحبذ التعليق على مثل هذه الوقائع لأنني أعتبرها تافهة وتسئ إلى أصحابها أكثر مما تسئ للغير، ولكن تغيظني محاولاتهم لتبرير كبواتهم وعدم امتلاك الجرأة للمواجهة أو الاعتذار، خاصة مع استغلالهم لخطاب ديني عاطفي لا يمكن أن يصمد أمام سهام النقد والحجاج، لأنه يصدر عن نفوس مريضة لا يربطها بالإسلام إلا “طـْرْف ديال الخبز”.


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments