عصيد: حزب في رعاية الله
رغم أنني لم أهتم بالموضوع في حينه، بل حاولت أن أجد له مسوغات عدّة، إلا أنه بقيت لدي بضع أسئلة حائرة أحملها لأخينا عبد العالي حامي الدين، القيادي في حزب المصباح، عله يساعدني على إيجاد أجوبة مريحة. فالتصريح الذي أدلى به في “أيت ملول” خلال لقاء نظم من أجل الدفاع عن منتخبي الحزب الملاحقين بتهم فساد مالي، أشار السيد حامي الدين إلى أن تجربة حزب “العدالة والتنمية” يرعاها الله سبحانه، وأنّ الحزب يعتبر “معجزة” حقيقية في الحياة السياسية المغربية.
لن أكذب السيد حامي الدين، وسأنطلق من أن كلامه صحيح لا يأتيه الباطل، ولكن السؤال الأول الذي تبادر إلى ذهني وأنا أقرأ في الصحافة هذا التصريح الذي يبدو أشبه بـ”جذبة” صوفية هو التالي: إذا كان الله شخصيا بذاته وصفاته مؤيدا لحزب المصباح وراعيا لتجربته السياسية، فلماذا لم يحصل الحزب على أكثر من مليون ونصف ناخب ؟ هل الله الذي خلق الأكوان وملايير المجرات اللانهائية، والذي شاءت عنايته أن يهتم بتجربة حزب سياسي في بقعة من الأرض إسمها المغرب فوق كوكب صغير لا شأن له وسط الكون الشاسع، لم يستطع أن يضمن للحزب ـ المعجزة أكثر من ذلك العدد المحدود من الأصوات، والذي لم يمكنه من تشكيل حكومته وحده ؟ هل صحيح أن ذلك كل ما استطاع الله تعالى تحقيقه لحزب إخواني يضم أعضاء مؤمنين ومخلصين قانتين ؟ أليس الله قادرا على أن يجعل الحزب يحصل على الملايين السبعة من المصوتين المغاربة ويحل بذلك كل إشكالاته ؟ بل وأن يدفع الخاملين من العزوفين عن السياسة إلى التصويت على الحزب الربّاني فيحصل على 24 مليون صوت ؟ وبهذا يقهر أعداءه ومناوئيه بشكل ماحق لا يبقي ولا يذر ؟ إن رعاية الله لتجربة الحزب من شأنها أن تزيل من أمامه كل العقبات، والحال أن ذلك لم يحصُل، إلا إذا شككنا في قدرة الله المطلقة واللامتناهية.
سؤال ثان يؤرقني منذ تصريح الأخ حامي الدين، وهو ما يتعلق بالسيد بنكيران، كيف سمح الله تعالى بطرد زعيم الحزب ـ المعجزة، وعرقلة تشكيله للحكومة، وإذلاله وجعله يغادر الحياة السياسية قانعا ببعض دريهمات في تقاعد استثنائي أسال وما زال الكثير من المداد ؟ كيف يمكن أن يرعى الله تجربة حزب سياسي ويتخلى عن الزعيم القائد ؟ هل هناك شيء ما أفسد علاقة الزعيم بالله تعالى ؟ هل غضب الله على بنكيران لسبب لا نعرفه ؟ ثم لماذا يعادي السيد بنكيران زملاءه في الحزب الذين فضلوا ـ بتأييد من الله ـ البقاء على كراسي الحكومة عوض مؤازرته في محنته ؟ ولماذا يُحرّض ضدّهم شبيبة الحزب والتيار الدعوي ؟ هل السيد بنكيران ضدّ المشيئة الإلهية التي اقتضت مغادرته قطار الحكومة وتولية السيد العثماني ؟ هل وقع لبنكيران ما وقع لإبليس عندما “أبى واستكبر” ورفض السجود لآدم ؟
سؤال ثالث، لقد ظلّ رئيس الحكومة السابق يشتكي من “التماسيح” و”العفاريت”، التي تكاثرت خلال ولايته الحكومية، ورغم شكواه وتنديداته بهذه الكائنات الشبحية، إلا أنها لم تزُل قط ولم تتراجع، فهل يمكن لتماسيح وعفاريت مهما بلغ دهاؤها وشغبها أن تعلو على مشيئة الله وعنايته ؟ هل يمكن لهذه المخلوقات الشيطانية أن تنجح في مهمتها لولا أن شاء الله ذلك ؟ لماذا تخلى الله عن بنكيران وهو يتولى إدارة الشأن العام في تجربة تحظى برعاية ربّانية، تاركا إياه نهبا للتماسيح والعفاريت الشريرة ؟
ثم إذا كان الحزب مؤيدا من الله مباشرة ويعمل تحت رعايته، لماذا احتاج الحزب إلى خلق آلاف الجمعيات التي توزع المواد الغذائية ليل نهار في الأحياء الفقيرة ومدن الصفيح ؟ وهي جمعيات يتعاقد معها الحزب باستعمال المال العام عبر الوزارات التي يتولاها، تاركا بقية المجتمع المدني المغربي فقيرا وبلا دعم ولا شراكة، هل يدخل كل ذلك ضمن العناية الإلهية ؟ هل يفضل الله تعالى المجتمع المدني التابع للحزب على المجتمع المدني المغربي الذي يبذل تضحيات جسيمة وبدون دعم لكي يساهم في نهضة بلدنا ؟ وكيف يحتاج الحزب إلى توزيع المواد الغذائية والأكباش في عيد الأضحى بينما يحظى برعاية من الله مباشرة ؟ هل يشك الحزب في قدرة الله فيضطر إلى الاستعانة بجمعياته وبالعمل الإنساني الذي ليس إنسانيا ما دام ينتظر أصواتا خلال الانتخابات ؟
وإذا علمنا أن بعض منتخبي الحزب يعانون مشاكل مع القضاء بسبب متابعتهم بتهم تتعلق بهدر المال العام، فكيف سمح الله بـ “بهدلة” هؤلاء أمام المحاكم وهم الذين ظلوا يعملون بتوفيق منه وتحت رعايته ؟
تذكرني هذه الأمور كلها بما حدث في مصر المحروسة قبل سنوات، عندما أعلن الراحل محمد مرسي بدوره بأن حزب الإخوان المسلمين مؤيد من الله ولا خوف عليه وأنه منصور على أعدائه بإذن الله، غير أن الخواتم لم تكن محمودة بل كارثية على الإخوان ومن والاهم، كما أن نهاية مرسي نفسه لا تبدو نهاية من يؤيده الله ويحرسه ويرعاه ؟ فما تفسير ذلك يا ترى ؟
إنها أسئلة حيرى بحاجة إلى كثير من صفاء الذهن وكثير من العلم بخبايا الأمور لمقاربتها، وأنا شخصيا لا أمتلك تلك المهارات، كما أنّ قدراتي لا تسعفني في ذلك.
ذكرتني قصة السيد حامي الدين بلائحة طويلة من خلفاء المسلمين الذين أطلقوا على أنفسهم ألقابا تظهرهم بمظهر من تحرسه العناية الإلهية، فمن المنصور بالله عبر المتوكل على الله والمعتصم بالله إلى المستعين بالله والمكتفي بالله والواثق بالله والقاهر بالله والحاكم بأمر الله والمقتدر بالله والمعتضد بالله والمستظهر بالله والمستمسك بالله والمستنجد بالله ،، أسماء كاريكاتورية انتهى أغلب أصحابها إلى مصير مأساوي، ومنهم من مات مصلوبا، ومن فقئت عيناه وظل يشحذ في الأسواق بعد أن كان خليفة للمسلمين، نهايات لم تنفع رغم ذلك لكي تجعل العقل الإسلامي يدرك بأن استعمال الدين في السياسة أو التجارة لم يعد ورقة رابحة، بل قد تصبح وبالا على أصحابها ولو بعد حين.
أحمد عصيد كاتب وشاعر وباحث في الثقافة الامازيغية وحقوقي مناضل من اجل القضايا الأمازيغية والقضايا الإنسانية عامة