أرحموش: عندما يفيض النهر لا يٌميّز حديقة الفقيه.. وما بعد كورونا فرصتنا الأخيرة للإصلاح أو لِوَأْدِهِ


يؤكد الحقوقي والناشط الأمازيغي أحمد أرحموش على أنه “وجب مواصلة العمل لمحاربة سياسة التحكم والتخلف والكراهية والانغلاق والتعصب، وأن الواقع يفرض ملحاحية التفكير في صيغ جديدة للرقي بالتجربة الحزبية ببلادنا، باعتبارها ركنا من أركان البناء الديمقراطي، ولم لا التفكير في تعديل الفصل السابع من الدستور في فقرته الرابعة بغاية رفع المنع عن تأسيس أحزاب جهوية، لكونها لا تكرس لأي شكل أو نوع من التمييز، كما أنها لا تشكل مخالفة لحقوق الإنسان بل معزز ة لها”.

ويدعو أرحموش في حواره مع موقع “لكم”، لأن “لا نعلق الأمل الكامل على غيرنا، وعلى من سبق له أن أعلن العصيان ضد وجودنا وكينونتنا، وأن لا ننتظر المجهول، أو ما ستسفر عنه نتائج من يبادر في الميدان”.

ويطرح أرحموش أسئلة مقلقة لمرحلة ما بعد هذا الوباء ومنها: هل يمكن أن تكون الأزمة المستجدة التي أفرزها هذا الوباء فرصة غير مسبوقة لإصلاح طال الكلام عنه في المغرب؟ أم قد تكون كذلك فرصة غير مسبوقة لمصادرة مسبقة وقائمة لمنع ولادة ذلك الإصلاح الجديد، والمنشود؟.

ماذا يعني لك الحجر الصحي؟

يعني حتمية الاعتزال الإيجابي لأنه كما يقال بالأمازيغية، (آسيف إغ إنجي أور إيسنت تورتيت ن طالب) (عندما يفيض النهر لا يٌميّز حديقة الفقيه)، كما يعني المقاومة لكن بقبول التضحية بغاية رسم أفق جديد للأمل، وتحقق هذا الأخير مشروط بتوظيف زمان هذا الحجر ليكون ذكيا، قصد معالجة إنزلاقات أو أخطاء الماضي، واستحضار تحديات الحاضر، بهدف استشراف للمستقبل.

ما الذي تنشغل به في الحجر الصحي؟

هو من جهة لحظة ذاتية لا زلت أراجع وأقيم فيه تجربتي الفردية والجماعية، بغاية رسم معالم جديدة لمجمل القضايا التي انشغلت وانشغل بها ، وهي فرصة لتأهيل المعارف والمهارات كما الخبرات. ومن جهة أخرى أيضا لحظة موضوعاتية أقضيها بمسقط رأسي بأدغال جبال الأطلس الصغير، تخترقها مبادرات القرب الأسري والشعبي لتعزيز مبدأ “تيويزي” (التضمان) كنظام للتآزر والتضامن الذي عرفته ولا زالت الحضارة الأمازيغية، والذي ثبت الآن راهنيته وجدوى كينونته وأهميته ونجاعته.

وما قراءتك لما يقع اليوم وماذا كشفته هاته الأزمة؟

لم أتصور في يوم ما أن يكون لوباء أو لفيروس ما قوة كمية ونوعية بهذا الشكل، لكن ما أفرزه وباء “كورونا”، وما يشكله من تهديد للبشرية بما فيها شعوب الدول صاحبة “الفيتو” بمجلس الأمن، فعلا يفرض على الحاكم والمحكوم معا من جهة مراجعة عدة بديهيات وثوابت معمول بها في مجال التدبير والتسيير لشؤون المؤسسات عموديًا وأفقيًا.

ومن جهة أخرى، يفرض الإجابة عن عدة أسئلة مقلقة لمرحلة ما بعد هذا الوباء ومنها: هل يمكن أن تكون الأزمة المستجدة التي أفرزها هذا الوباء فرصة غير مسبوقة لإصلاح طال الكلام عنه في المغرب؟ أم قد تكون كذلك فرصة غير مسبوقة لمصادرة مسبقة وقائمة لمنع ولادة ذلك الإصلاح الجديد، والمنشود؟.

شخصيا أرى أن معالم المغرب ما بعد “كورونا”، في نظري ستتأثر بشكل كبير بأربع قضايا أساسية.

أولها، التحولات النسبية التي قد تخترق السلوك والعلاقات الاجتماعية للمواطنات والمواطنين؛ كتراجع منسوب الإيمان بالحلول الهلامية او الميتافيزيقية، والجاهزة والأحكام القيمية، وما يستدعيه ذلك ممن يعنيه الأمر من ضرورة التكيف مع هده التحولات.

ثانيها، تعمق الأزمة الاقتصادية، والتي ستنعكس سلبا أولى ملامحها على الطبقة الفقيرة، والطبقة المتوسطة.

ثالثها، إمكانية تأثر الملفات الحقوقية ومنها ملف الأمازيغية بمخلفات هذا الوباء، والتي قد تعرف على ما يبدو تراجعا في تراتبيتها وأهميتها بالأجندة السياسية للفاعلين السياسيين. .

رابها، الرجوع للواجهة لسؤال مدى شرعية الرهان على الديمقراطية التمثيلية، لاحتمال انهيار قيمتها المضافة في مسلسل تشكل لوبيات أصحاب القرار، على ما يبدو، إما بسبب تصاعد القوميات المنغلقة، أو بتوسع القيود التي ستفرضها المؤسسات المالية المانحة دوليا.

هناك من يعتبر أن سلوك التضامن والتآزر التي تنامى خلال الأزمة، يدفع السلطات لتمرير قرارات أو مواقف والإجهاز على الحقوق والحريات كما نبهت إلى ذلك الأمم المتحدة. هل لديك هذا التخوف؟

أعتقد أن منطق المؤامرة إذا كان واردا، يمكن له أن ينجح في المجتمعات التي تفتقد أو لا تتوفر على مجتمع مدني قائم وفاعل، وراصد في الحين لانزلاقات الحكومة .

والمغرب في نظري، خلاف ذلك، حيث وجب أن نفتخر بمستوى هيئاته المدنية ونخبه الحقوقية بمختلف مشاربها واهتماماتها، وأعتقد أن التعبئة التي حصلت في الدفاع عن الحقوق الأساسية، والنضال لتوسيع فضاءات الحريات، وما حدث في موضوع الحريات الفردية في نهاية السنة الماضية، وما يحدث بفضاءات التواصل الإجتماعية من احتجاجات بالنسبة لمشروع القانون رقم 22/20، الذي وضعته الحكومة في ليلة إعلان قانون حالة الطوارئ الصحية وبشكل مقيت وببعض المضامين المرفوضة دستوريًا وحقوقيًا كما أدبيًا وأخلاقيا، لدليل على أن هناك سلطة رمزية مضادة لما يمكن أن تدبره الحكومة برئاسة الحزب الحاكم من تحلل أو تحايل على الشعب، دون أن ننسى الرقابة عن بعد التي تباشرها الهيئات التعاقدية وغير التعاقدية للأمم المتحدة، وآخرها على سبيل المثال في هذا المجال دعوة المفوضية السامية لحقوق الإنسان، في شخص ميشيل باشيليت “الحكومات إلى عدم استخدام كوفيد-19 بمثابة ستار لانتهاكات حقوق الإنسان وتقييد الحريات الأساسي “.

خلال فترة الطوارئ والحجر الصحي، صدر القانون التنظيمي 04.16 المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.كيف يمكن الجمع بن حماية وتثمين اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية وتيسير تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم كما ورد في النص القانوني؟

فعلا بتاريخ 30/3/2020 نشر هذا القانون التنظيمي بالجريدة الرسمية، ودخلت عدة مقتضياته حيز التنفيذ في نفس اليوم، وهو قانون للتذكير منظم لمؤسسة استراتيجية.

وقبل هذا التاريخ بأربعة أيام أي 26/3/2020 ، انتهى أجل الستة أشهر التي حددتها المادة 32 من القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية للقطاعات الوزارية والجماعات الترابية والمؤسسات والمنشآت العمومية والمؤسسات والهيآت الدستورية لوضع مخططات عمل تتضمن كيفيات ومراحل إدماج الأمازيغية في الميادين التي تخصا. وللأسف تم الحجر على العروض المقدمة، والتي سيكون لنا رأي فيها عند استعادة الوطن لعافيته من هذا الوباء.

وبغض النظر عن كون هذا القانون للأسف لم يتجاوب في شق كبير منه مع مطالبنا ومقترحاتنا كما انتظاراتنا، فإنه بما له وما عليه إذا ما تم استثماره بشكل فعال وعقلاني سيساهم في إعادة التوازن للعقل المؤسساتي والشعبي المغربي، وسيثبت الشعار التاريخي للحركة الأمازيغية المتجسد في شعار “الوحدة في التنوع”. كما سيخلق ثورة ثقافية قد تغير على المدى المتوسط عدة مؤشرات ووقائع أساسا في مجال الإعلام والتربية والتكوين، كما في المجالات المؤسساتية.

وهنا أود أن أوضح تجاوبًا مع سؤالكم، أن مبدأ التعدد اللغوي كما كرسه الدستور، هو نقطة انطلاق وليس هدفا في حد ذاته، وهو واقع معيش حتى قبل دستور 1962، وسيعزز حتما إذا ما تم التعامل معه بدون أية تشنجات أو مزايدات سياسية قيم التنوع والاختلاف كقيمة مضافة من المفروض مرافقتها لتخترق من جهة الجوانب الهيكلية والمؤسساتية للدولة، ومن جهة أخرى العلاقات الاجتماعية لكافة مكونات الشعب، وهو أمر ممكن سيتقوى ليس فقط بثنائية اللغتين الرسميتين، بل أيضا باعتماد اللغات الأجنبية الأكثر تداولًا وبالأخص الإنكليزية التي هي مدخل من مداخل الانفتاح والتعاون والتآزر مع بقية شعوب العالم. وليس هناك في رأيي ما يمكن أن يزعج في هذا السياق لكون ذاكرة الإنسان شبيهة بجهاز الحاسوب، كلما اعتنيت به ومكنته من آليات العمل كلما ازداد منسوب عطائه ومهاراته. وعليه وجب في رأيي مواصلة العمل لمحاربة سياسة التحكم والتخلف والكراهية والانغلاق والتعصب .

تركيبة المجلس الوطني وفق مادته السادسة، تتكون من 29 عضوا، منهم ستة خبراء يعينهم الملك. كيف يمكن أن يكسب رهان أول تركيبة وسط انتظارات كبيرة تراهن عليها مؤسسات المجتمع والمدرسة والجامعة والإعلام؟

كما قلتم تركيبة المجلس تركيبة واسعة نسبيا، وهو مسالة طبيعية بالنظر أولا إلى طبيعته كمؤسسة مرجعية في مجال السياسة اللغوية والثقافية، وثانيا لمهامه الرامية اقتراح التوجهات الإستراتيجية للدولة في مجال السياسة اللغوية والثقافية، والسهر على انسجامها وتكاملها، ولاسيما فيما يتعلق بحماية اللغتين الرسميتين الأمازيغية والعربية ومختلف التعبيرات الثقافية، وتيسير تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا بالعالم.

لذلك أرى أن كسب رهان النجاح يتطلب نوعا من البراكماتية التنظيمية، لضمان تركيبة متنوعة ، بأكبر قدر من الإنسجام ، ومؤهلات قادرة باستقلالية وتجرد على تنزيل مخططاته الاستراتيجية المشار إلى عناوينها الكبرى بمواده 3 و 4 و 5.

فإذا كان ملك البلاد معني بتعيين فقط ستة من أعضاءه، فانه وجب على باقي المؤسسات المخول لها تعيين آلـ 23 المتبقية أن تحترم نفسها وتحترم المؤسسة عبر ترجيح المعايير الموضوعية على المعايير الذاتية أو السياسوية أو الحزبية، تفاديًا للسقوط في بعض الأخطاء التي حدثت في تنصيب بعض مؤسسات الحكامة خلال السنة الماضية 2019.

– هناك من يرى خلال هاته الأزمة، أن دور الأحزاب محدود ومقلص ومهمش؟

لا أستطيع أن أصدر حكما قيميا بهذا الحجم على جميع الأحزاب الـ 32 ، بالنظر إلى أن العديد منها له امتدادات مؤسساتية بالهيئات المنتخبة. لكن يمكن القول إن هناك قصور ملحوظ في حيوية ودينامية مكونات بنياتها التنظيمية الداخلية بالنسبة للبعض، وغياب البعض الآخر بشكل كامل في المشهد الحزبي كما في المؤسسات التي هم منتخبون بها. وهو واقع أصبح يفرض ملحاحية التفكير في صيغ جديدة للرقي بالتجربة الحزبية ببلادنا، باعتبارها ركنا من أركان البناء الديمقراطي، ولم لا التفكير في تعديل الفصل السابع من الدستور في فقرته الرابعة بغاية رفع المنع عن تأسيس أحزاب جهوية، لكونها لا تكرس لأي شكل او نوع من التمييز، كما أنها لا تشكل مخالفة لحقوق الإنسان بل معزز ة لها .

في ظل هاته الأزمة، كيف تنظر لمستقبل عيشنا المشترك؟

أميل إلى ضرورة انخراطنا في بلورة رؤى شاملة لمخلفات الأزمة دون حصرها فقط في الجوانب الإقتصادية لوحدها، وتبعا لذلك وجب أن لا نعلق الأمل الكامل على غيرنا، وعلى من سبق له أن أعلن العصيان ضد وجودنا وكينونتنا، وأن لا ننتظر المجهول، أو ما ستسفر عنه نتائج من يبادر في الميدان.

حاوره سعيد أهمان على موقع لكم2


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments