بايادا: نمط شعري يمتزج فيه النداء بالتضرع
بعد تذكر بايبي وتخليده وتكريمه برقصة تحمل اسمه، كما تناولنا ذلك في مقال سابق، تأتي مباشرة تكوري ن الفال (taguri n lfall ) التي تُستهل بالنداء على بايادا (bayyada)، نداء يشد انتباه الحاضرين في العرس. حيث ما إن يبدأ منشد الفال بمناداة “بايادا” حتى يعم الصمت المحفل إنصاتا “للفال” وتخشعا من طابعه الروحاني… فهو إذن يُنشد بصيغة المفرد المذكر ويردد الصفان المتقابلان المستعدان للرقص على التوالي لازمة “aha a bayyada” (جملة النداء) ثلاث مرات بالتراتب في بداية “الفال” وفي نهاية كل مقطع من مقاطع متنه الشعري. قبَيْل الإنشاد يتم إيقاف إسلي أو تسليت بجانب “بوتكفوت” أو المكلف بـ “الفال”، ثم بعد ذلك يُنشد الفال على شرف إيسلي أو تيسليت حسب الحالة. نُسجل أن هناك اختلافا في المتن الشعري بين الفال المخصص للعروس والفال المخصص للعريس لكن الإيقاع واحد كما أن النقر على الدفوف يرافق فقط جملة النداء على بايادا أو ما سميناه آنفا باللازمة سواء في بداية الفال أو بين فقرات متنه. يغطي العريس وجهه بقب جلبابه كما يُغطى وجه العروس بغطاء خاص بذلك ويسمى أعبروق: aɛbṛuq، تتوسطه مرآة دائرية لرد العين السيئة… سنعود لهذا الموضوع في مقالات لاحقة لنتناوله من منظور أونتربولوجي وسيميائي.
بحثنا بكثير من الحماس والصبر والفضول، رغم شبه انعدام المراجع التي تناولت هذا الموضوع، عن أصل تسمية ” بايادا” فخلصنا إلى مايلي الفرضيات التالية:
- الفرضية الأولى:. من الكلمات الغامضة والحبلى بأسرار غزار التي يعج بها التراث الأمازيغي الصنهاجي والتي يرجح أن تكون أسماء لآلهة اندثرت أو أسماء لأولياء الأمازيغ الصالحين احتفظت بها الذاكرة الأمازيغية كجزء من التعلق بالطوطم.
- الفرضية الثانية: با (ba): تفيذ التكبير والتعظيم. أياد: (ayyad): إسم علم أمازيغي مازال متداولا عند الطوارق، كما أن هناك تقاطع هذا الإسم مع طوبونيم بالأطلس الكبير يسمى باب ن وياد (Bab n wayyad). أ: :(a) تفيد التأكيد.
- الفرضية الثالثة: “iba” تعني المفقود، والظاهر أن الحرف: “i” سقط من الكلمة الأصل و “ayyad” إسم لجد من أجداد أيت مرغاد أما الحرف: “a” فيفيد التأكيد.
- الفرضية الرابعة: فرضية تناولها الباحث زايد أوشنا في دراسته للموضوع[1] وهي كالآتي:
– الفعل iba: يعني فقد أو أفل.
– الإسم ayyad: يعني المتأمل والمستمع.
– a: للإشارة.
كما اشار الباحث إلى أن كلمة الفال تعطي، في البداية، انطباعا أنها كلمة مقترضة من اللغة العربية إلا أنه في حقيقة الأمر كلمة أمازيغية فمنها فعل: sfillw الذي يعني: “قم بتغطية”، فالفال هو نداء للقيام بتغطية العروسين، نداء المفقود الغائب (bayyada).
- الفرضية الخامسة: أصل التسمية له ارتباط وثيق ببايبي حيث يروى أنه حينما قتل هذا الأخير جلس أبناؤه عند رأسه وبناته عند رجليه وهم ينوحون ويقولون: “وابايادا”: “wa bayyada”: التي تعني: آه! أبي ذهب: (wa bba ydda).
وحسب “تعقيط ن أيت مرغاد[2]” (حوالي 1662) أن أي فرد من القبيلة ملزم في حفل زفافه التقيد بإنشاد “وارو” ثم “بايبي” ثم “الفال” وإلا فسيكون عنصرا غير مرغوب فيه في القبيلة ويبقى سلوكه هذا وصمة عار على جبينه إلى الأبد… إن فقرات “وارو” و”بايبي” و”الفال” بهذا الترتيب الكرونولوجي بمثابة عقد زواج بالمفهوم الحالي.
إن النصوص الشعرية التي قمنا بمحاولة لدراستها (وارو، بايبي، الفال…) ليست فقط مادة لغوية محنطة فاقدة للحياة بل شأنها شأن النصوص الشعرية الشفوية الأخرى تمتلك روحا وبخصوصيات تمدها بالحياة في مرتعها الأصلي، صحيح أن التدوين ضروري إلا أنه لا يجب الاستكانة له وحده لأنه يجعل من هذه الأنماط الشعرية فاقدة للكثير من خصوصياتها ويجعل منها جسدا بدون روح، فروحها تستمده من المرتع الذي نشأت فيه حيث الصوت والإيقاع والإيماءات والطقوس المرافقة لها والزمكان المخصص لها والمُلقي والمتلقي والأداء والتفاعل في وضعيات تواصلية دالة وملآى بالدلالات والرموز. فمن هنا يجب استثمار وسائط التكنولوجيا الحديثة لحفظها وتثمينها والتفكير في استثمارها في التنمية.
ليس ترفا ذهنيا ولا عبثا ثقافيا أن نسابق الزمن، بعد وعينا الكامل بالتأخر الحاصل في صون ذاكرتنا الجماعية وحفظ وحماية إرثنا الرمزي وتراثنا اللامادي من الاندثار وتثمينه، بل هي مهمة استراتيجية تنموية وخارطة طريق يقوم عليها مصير المنطقة ومستقبلها.
lfall n isli[3]:
a ba ayyad a, aha a ba ayyad a !
ad k isny rabbi tanaka
n lanbya nɣ tin syyadna muḥmd
ayd iɛzzan, a wnna igan ttsabub
i ayt uḥidus a wnna igan tsa…
a ba ayyad a, aha a ba ayyad a !
inw a wa, i saɛd a rabbi i wad
iɣman, tgim as aṣu nns
d amm win ildjign
ildjign n tɣbula
a ba ayyad a, aha a ba ayyad a !
ad ihdu rabbi tawngimt
ad tmṣacaṛ, ad k itṣaɛ
a raṣul llah
d amzwaru ad k itṣaɛ
a ba ayyad a, aha a bayyad a!
inw awa, wnna isbbebn a afṛaḥ
ad kwn i d ngulu,
ad k ig mulana d aɣbalu
ikrrzn akal ad k ig mula …
a ba ayyad a, aha a ba ayyad a!
وقد تناولنا هذا النص بالترجمة إلى العربية كما يلي:
يا بيادا، هيا بيادا!
لتسر على درب الأنبياء
وليكن بفضل الله نهج محمد
لعلي، أراه علينا عزيزا
يا هذا الذي، بفضله
هذا “الأحيدوس” قائم
يا بيادا، هيا بيادا!
فل تسعد يا ربي
لهذا المحنى
عسى بفضلك شأنه
مثل الزهور، يكون
زهور الأعين الجارية!
يا بيادا، هيا بيادا!
ليهدي الله الخواطر
لتتآلف!
ولرسول الله طائعة
يا بيادا، هيا بيادا!
إلى من له الفضل في وصولنا
إلى هذا الحفل
ليجعلك الله نبعا لا ينضب
بفضلها الأرض تحرث وتروى
يا بيادا، هيا بيادا!
lfall n tslit
a ba ayyad a, aha a ba ayyad a !
i suttɣ am lfall ad ig,
amm yat ddilit ur ilkim ufus
ad tgr ifr iɛazzan
ad as tlkmd a yaçuṛ tiṭṭ i waɣbalu
ad as tlkmd,
a ba ayyada, aha a ba ayyad a !
lḥurma nnun a igʷrramn
ittuẓuṛnin, a win fas, ula win dra
la aẓaɣar, ad am d awin a tagwrramt
ssaɛd iẓiln, ad am d awin
a ba ayyad a, aha a ba ayyad a !
a ṛbbi sdum tt
ad ur ttals i wazduɣ
a ṛbbi sdum tt
a ba ayyad a, aha a ba ayyad a !
a ṛbbi lfall n ku yuwn
ad ig mayd ran,
ad ig mayd ran
a ba ayyad a, aha a ba yyada !
وقد ترجمنا هذا النص إلى العربية كالآتي:
فأل العروس:
يا بيادا، هيا بيادا!
طالعك، تمنيت أن يكون
كدالية لم يمسسها يد بشر
ذات أوراق جميلة تصر الناظر
وجذور تمتد إلى حيث عين الماء
يا بيادا، هيا بيادا!
أيها الأولياء الصالحون
أولياء “فاس” و”درعة”
وأولياء “أزغار”
نحن في حرمتكم
ليكن بفضلكم
حظ العروس سعيدا
يا بيادا، هيا بيادا!
يا ربي!
اجعل حياة العروس
مستقرة هادئة
يا بيادا، هيا بيادا!
يا ربي!
ليكن طالع كل فرد
ما يبتغيه
وبما تشتهيه سفينته
تجري الرياح
يا رب!
يا بيادا، هيا بيادا!
[1] -Baybi, Lfall : Un legs de l’Ahidous au Sud-Est, zaid ouchna.
[2] – تجميع مرن للأعراف والتقاليد والأخلاق المتعارف عليها عبر القرون من طرف أيت مرغاد تنظيما وتسهيلا لعلاقاتهم الحياتية.
[3] – هذا المتن مأخوذ من التراث الشفهي لتافيلالت، جامعه: زايد أوشنا. قام كاتب هذا المقال بإعادة تدوينه وفقا لضوابط الإركام.