عن أصالة التقويم الأمازيغي
سأبين في هذا المقال أن التقويم الأمازيغي تقويم أصيل يستند إلى أساس تاريخي متين. سأبين أيضا أن هذا التقويم ليس تقويما سنويا فحسب، بل هو أيضا تقويم شهري وموسمي ورمزي.
التقويم الشهري
يعتقد العديد من الناس (بعضهم من الحركة الأمازيغية نفسها) عن خطإ أن التقويم الأمازيغي الشهري يعتمد على نفس التقويم الجورجي الذي يتكون من 12 شهرا أولها يناير (إنّاير) وآخرها دجنبر (دوجمبر) مع فرق 13 يوما في الحساب. هذا غير صحيح. مكتشف التقويم الأمازيغي القديم هو العالم والمترجم الهولندي بوڭرت نوكو ڤان دين (1997 ”Berber Literary Traditions of the Sous“) الذي جمع معطيات هذا التقويم من تراث التوارڭ ووثائق أخرى. وفيما يلي أسماء الشهور الأمازيغية القديمة مع معانيها ومقابلاتها في النظام الجورجي:
1ــ تايّورت تازوارت (القمر الأول أو الصغير) … يناير
2ــ تايّورت تاڭّوارت (القمر التالي أو الكبير) … فبراير
3ــ ياردوت (معناها غير معروف) … مارس
4ــ سينوا (معناها غير معروف) … أبريل
5ــ تاسرا تازوارت (القطيع الأول أو الصغير) … ماي
6ــ تاسرا تاڭّوارت (القطيع الثاني أو الكبير) … يونيو
7ــ أودياغت إزوارن (الأيائل الأولى أو الصغيرة) … يوليوز
8ــ أودياغت يڭّوارن (الأيائل الثانية أو الكبيرة) … غشت
9ــ أوزيمت إزوارن (الغزلان الأولى أو الصغيرة) … سپتمبر
10ــ أوزيمت يڭّوارن (الغزلان الثانية أو الكبيرة) … نونبر
11ــ أيسي (بتشديد السين أو تخفيفها) (المعنى غير معروف)
12ــ نيم (معنيان ممكنان: من “أونّيم” التي تعنى “العادة” أو “نيملوت” وهو إسم والد الملك الأمازيغي شيشونڭ الذي اعتلى عرش الدولة الفرعونية 22).
التقويم الموسمي
لا ينبني التقويم الأمازيغي القديم على الأشهر فقط بل على المواسم الفلاحية أيضا (جينيڤوا chapter “Llyali et Ssmaym” in Genevois (1975, pp. 21-22) . وتسمى هذه المواسم ب”أبواب السنة” تينبّورن نوسڭّواس لأن قدماء الأمازيغ كانوا يتخيلون السنة مدينة كبيرة لها أربعة أبواب وهي:
1ــ تافسوت .. يقابلها فصل الربيع الذي يبتدأ في هذا التقويم في 28 إبراير (فبراير الأمازيغية).
2ــ أنبدو … يقابلها فصل الصيف الذي يبتدأ في هذا التقويم في يوم 17 ماي الأمازيغي.
3ــ أمنوان (في جبل نفوسة) أو أمنوال (في تاقبايليت) … يقابلها فصل الخريف الذي يبتدأ في هذا التقويم في 30 غشت الأمازيغي.
4ــ تاڭرست … يقابلها فصل الشتاء الذي يبتدأ في هذا التقويم في 29 نونبر (نومبير) الأمازيغي.
التقويم الرمزي
ترتبط الرمزية الأمازيغية بثلاثة عناصر في الطبيعة الفلاحية لشمال إفريقيا وهي الحر الشديد والبرد الشديد والحرث. لذلك رصدت هذه الثقافة ثلاثة مواسم خلال السنة يربط بها الإنسان الأمازيغي نفسه بالأرض، وهي:
1ــ إيمباركين (تسمى في بعض المناطق ب”لْخْصوم”) وهي أيام كان الأمازيغ يتشاءمون منها ويتوجسون مما قد يحصل لهم فيها من شر. عدد أيام إمباركين عشرة وهي تغطي الأيام الخمس الأخيرة من فورار (فبراير الأمازيغي) والأيام الخمس الأولى في مارس الأمازيغي.
2ــ أووسّو (لا يزال هذا الإسم مستعملا في تونس وليبيا) وهي الأيام المعروفة عندنا في المغرب ب”السّْمايم”. هذا الموسم شديد الحرارة يتكون من 40 يوما تمتد من من 12 يوليوز (25 يوليو في التقويم الجورجي) إلى 20 شتنبر (2 سپتمبر). ترتبط هذه الأيام بعادات لا زالت منتشرة في تونس على الخصوص كالإستشفاء بالغطس في الماء لمدة ثلاثة أيام.
3ــ إيوجّابين .. وهي أيام الحرث أعظمها 17 أكتوبر الأمازيغي الذي كان الأمازيغ يعتقدون أن أول إنسان بدأ الحرث فيه، لذلك فإن كثيرا من متكلمي عامّيات شمال إفريقيا يسمونه “حرثادم” (حرث آدم).
التقويم السنوي
الأمازيغ الذين احتفظوا بالتقويم السنوي الأمازيغي إلى اليوم هم التوارڭ. وهذا التقويم لا هو بالشمسي (كالنظام الجورجي) ولا القمري كالتقويمَين الهجري والعبري. بل هو تقويم يعتمد على ظهور برج الدّب Urus Majoris. إلا أن التوارڭ أنفسهم لم يستعملوا ا لأرقام لرصد السنوات في تقويمهم هذا بل اعتمدوا على تسمية كل سنة باسم مرتبط بحدث (كما يفعل المغاربة اليوم عندما يتحدثون عن “عام البون” و”عام الجوع” وغير ذلك من التسميات التي تذكر الجماعة بحدث معين ذي مغزى ما).
والتقويم الذي نعتمده اليوم رسميا (الذي تكون السنة الجارية بمقتضاه هي 2966) مرتبط بحدث مهم كان أول من اكتشفه دون أن يتنبه لقيمته التاريخية هو نفسه مفكك شفرة الرموز الهيلوغريفية جان فرانسوا شامپنيون عندما زار مدينة الكرنك سنة 1828 فاكتشف لوحة في بوابة بوباست الموجودة في الجهة الجنوبية الشرقية لمعبد رامسيس الثالث. كل ما استطاع أن يفهمه هذا العالم الكبير هو أن هذه اللوحة تتضمن صورة لملك اسمه شوشنق استطاع أن يعتلي عرش الحكم الفرعوني المصري واحتل مملكة يهوذا. لذلك استنتج أن هذا الملك هو نفسه شوشنق الذي تتحدث عنه التوراة في سفر الملوك الأول، الأصحاح 14، التي ذكرته بالإسم وسجلت غزوه ليهوذا واستيلاءه على أواني الهيكل.
إلا أن العالم الذي استطاع أن يكتشف الصورة الكاملة لتاريخ شوشنق هو عالم المصريات السكوتلاندي كينيث كيتشن الذي كان يشتغل أستاذا لهذا العلم في جامعة ليڤرپول البريطانية وألف 250 كتابا في هذا الموضوع حتى سمته مجلة “تايمز” ذات يوم ب”مهندس الكرونولوجيا المصرية”.
اكتشف كيتشن أن نص بوابة بوباست الذي سبق لشامپيون أن تحدث عنه ووثائق أخرى تكشف عن عناصر أخرى مهمة. أولها أن شوشنق اعتلى عرش مصر سنة 945 قبل الميلاد ودام حكمه حتى سنة 924 قبل الميلاد .. وأن شوشنق هو ابن القائد الأمازيغي نيملوت الذي كان يحكم بليبيا، وأن الأمازيغ كانوا يسمون عند المصريين ب”ماشاوتش” (التي يرخّمونها على “ما”) التي كان ينطقها متكلمو اللاتينية “ماسيكس” وهي تَلتِين ل”مازيغ” فهُمِست الزاي سينا وقُلبت الغين كافا. مما اكتشفه كيتشن أيضا أن شوشنق لم يعتل العرش الفرعوني فقط بل أسس دولة جديدة تماما (الدولة 22) فعين ابنه إيوبوت كاهنا وابنه نيملوت (الذي سماه على اسم جده) قائدا عسكريا في وسط مصر. تخبرنا الوثائق أيضا أن حكم شوشنق امتد إلى سوريا ولبنان عبر كنعان وفلسطين.
لهذا فإن اتخاذ اعتلاء شوشنق عرش مصر بداية للتقويم الأمازيغي ينسجم مع عادة التوارڭ في تسمية السنوات .. وفيه تذكير بأمجاد التاريخ الأمازيغي وانتصاراته التي امتدت إلى أبعد من شمال إفريقيا.
خلاصة
التقويم الأمازيغي منسجم وأصيل ومبني على أساس تاريخي قوي.
فاعل أمازيغي ورئيس شعبة الدراسات الإنجليزية بجامعة القاضي عياض ودكتور في اللسانيات