لوغو العبث: أكادير أو كفرناحوم


« Le monde ne sera pas détruit par ceux qui font le mal, mais par ceux qui les regardent sans rien faire » A. Einstein.

هل تعرفون كفرناحوم (Capharnaüm)؟ إنها قرية كنعانية تقع على ساحل بحيرة طبريا بفلسطين، فيها ألقى المسيح خطبته المشهورة بموعظة الجبل، قبل ان تصيبها لعنته كما تحكي الأساطير المسيحية. ربما بسبب ما لحقها أصبح اسمها يحيل عند الفرنسيين إلى الأماكن التي تسودها الفوضى والعبث كما هو شأن أكادير في زمنها الرديء هذا.

فبالإضافة إلى الفوضى التي تسير المدينة على إيقاعها، والوضع الكارثي لمدينة كانت من مفاخر المغرب، يصر من آلت إليهم أمور وشؤون المدينة، وفي مقدمتهم حزب العدالة والتنمية، على بدل كل الجهد اللازم لتحويل أكادير إلى كفرناحوم المغرب. سنة 2018، وبعد سنتين من تدبيرهم الفاشل لشؤون المدينة، استيقظ السوسيون على فلسطنة طوبونوميا المدينة، بعد استبدال أسماء بعض شوارع أكادير بأسماء مدن وقرى فلسطينية، واليوم بأموال دافعي الضرائب من أهل المدينة تم اقتناء هوية بصرية ممسوخة للعاصمة المصرية القاهرة.

لقد شكلت الضجة الإعلامية التي كانت من ورائها فعاليات المجتمع المدني، إحراجا كبيرا لكل المساهمين في هذه الفضيحة، منتخبون كانوا أو أطرا إدارية على اختلاف مستويات تدخلها ومسؤولياتها، خصوصا وأن حكاية اللوغو تعتبر تشويشا على النتائج التاريخية للزيارة الملكية الأخيرة لمدينة أكادير، والتي توجت بتوقيع برنامج التنمية الحضرية لمدينة أكادير يوم 4 فبراير 2020. هذا الإحراج زاد العبث عبثا بعد بلاغات “توضيحية” زادت الغموض غموضا.

محمد المليحي

الغموض أيضا يلف هوية الفنان الذي آلت إليه الصفقة، رغم أن الهويات البصرية غالبا ما تكون ثمرة عمل تشاركي مفتوح كما كان الشأن بالنسبة لقطار البراق. هل يمكن أن يصدق العقل بأن الفنان محمد المليحي هو الذي “أبدع ” اللوغو المثير للجدل، إن كان الأمر كذلك، فإننا أمام إبداع فني مدمر للذوق (une création destructrice du goût). قلت يصعب تصديق الأمر لأن الفنان المليحي ليس فنانا عاديا بل أحد أشهر الفنانين التشكيليين المغاربة على المستوى العالمي.

 ففي أوج جائحة فيروس كورونا، بيعت لوحة للفنان التشكيلي محمد المليحي بأزيد من 5 ملايين درهم، محطمة بذلك جميع الأرقام القياسية بمزاد “سوثبيز” في لندن، المخصص للفن الحديث والمعاصر بإفريقيا والشرق الأوسط. فهل يعقل أن ينزل فنان من هذا الحجم إلى هذا المستوى ويكون في صلب جدل شعبي بشأن قرار تغيير الهوية البصرية لأكادير، قرار تفوح منه روائح العبث والسياسة السياسوية وغيرها من روائح التسيير الفوضوي والعبثي لشؤون ألمدينة. 

تعرفت على الفنان التشكيلي المليحي منذ ست سنوات، تعرفت عليه من خلال كتاب للأستاذة كنزة الصفريوي حول تجربة مجلة أنفاس ( La revue Souffles 1966-1973 – Espoirs de révolution culturelle au Maroc)، من خلال هذا الكتاب عرفت بأن المليحي كان رفيق الكاتب محمد خير الدين خلال تجربة أنفاس، إلى جانب كل من عبداللطيف اللعبي، أبراهام السرفاتي وآخرون. قد يكون المليحي إذن مطلعا على رواية (Agadir) لمحمد خيرالدين وغيرها من إبداعاته التي استوحاها من بيئته السوسية، وقد يكون المليحي عارفا ملما بأحوال سوس وثقافته، فكيف سقط كل هذا السقوط؟ كيف اختلطت لديه القاهرة بأكادير؟

محمد خيرالدين

أتخيل محمد خير الدين بيننا اليوم، أتخيله واقفا أمام قصبة أكادير أُوفلا يتأمل المدينة، ينظر إلى عبث العابثين، إلى الأغلبية الصامتة والسلبية (passive) من بناتها وأبنائها، إلى خيراتها تدبر بأليات الفوضى والعبث. أتخيله يستمع إلى أحدهم يحكي له كيف استهزأ رئيس الحكومة السابق بالعادات الغدائية لأهل سوس دون أن يثير حفيظة إخوانه السوسيين في حزب “المصباح”. أتخيله يستمع إلى نفس السياسي يستعرض وباستعلاء كبير نتائج حزبه في الاستحقاقات الانتخابية بدوائر أكادير سنة 2016، وكأنه يقول لكل من استنكر استهزائه بأهل سوس: أنتم لا شيء، أنا سأحكمكم بديكتاتورية الأرقام لمدة خمس سنوات، سنفعل بكم ما نشاء.

وهاهم يفعلون! بعد أن تحولت ديكتاتورية الأرقام إلى تدبير فاشل بكل المقاييس، تؤدي ثمنه المدينة وأهلها، والبلاد التي فقدت مفخرة من مفاخرها…

أتخيل خيرالدين ينظر متألما إلى أكادير وهم يحولونها إلى كفرناحوم، وهو يردد:

« Ces Soussis… qu’ils existent, ou qu’ils disparaissent ».  


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments