توقيع العثماني مع إسرائيل : انتصار الإسلام الامازيغي
كتبنا عدة مقالات حول خلفيات تعيين سعدالدين العثماني رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية سابقا، رئيسا للحكومة خلفا لعبدالاله بن كيران الذي كان أمينا عاما في ذلك العهد الذي سمي بمرحلة البلوكاج بعد الانتخابات التشريعية أواخر سنة 2016.
فتعيين العثماني أملته شروط سياسية وثقافية كثيرة، لأن عبدالاله بن كيران الذي كان يتبجح بمرويات وأحكام إبن تيمية على المنابر أمام الجماهير، ويهدد بها الدولة والخصوم، كان يمثل نموذجا ساطعا للاسلام الحركي الإخواني العنيف الذي تسيطر عليه نزعة قوية نحو الوصول إلى السلطة والهيمنة عليها.
اللجوء إلى العثماني لم يكن اعتباطيا وإنما كان مدروسا بدقة وسط وجود اختيارات وخيارات متعدد. فلماذا العثماني؟
أولا يجب التأكيد على أن العثماني خريج الحركة الإسلامية المغربية فهو لم يتم الحاقه اليها على غرار بعض الشخصيات التي تم زرعها في الحزب أثناء اندماج التنظيمات الإسلامية الحركية مع حزب الدكتور الخطيب. لكن اسلام سعد الدين العثماني يختلف نوعا ما مع اسلام بقية ما يسمى بالقيادات التي كانت في جمعيات مختلفة والتي كانت تنتمي إلى الشبيبة الإسلامية بزعامة مطيع، قبل وبعد اغتيال عمر بنجلون. وبالتالي لا يجب التسرع في التموقف، لأننا لا نقصد انتماء سعدالدين العثماني إلى الاسلام الامازيغي كمرجعية كما تتحدث عنه بعض أدبيات الحركة الأمازيغية، ولكن هو يعبر عن بعض ملامح الاسلام الامازيغي كخلفية ثقافية وفكرية.
وأكثر نقاط الاختلاف بين العثماني واغلبية إخوانه في الحزب هي قضية العروبة، فحسب ما يعبر عنه من مواقف في ندوات ومقالات فإنه لا يعتبرها قضية مركزية ثابتة في خطابه السياسي وربما في قناعاته الشخصية، لأنه يعتبر من بين أكثر النخب المحسوبة على الاسلاميين الذين لهم مواقف جرىئة في صالح القضية الأمازيغية، ويطالبون بضرورة رفع الحيف والاقصاء عنها وتحقيق الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، منذ أواخر التسعينات. فقد دأب على الحضور في الندوات والملتقيات الفكرية والسياسية التي يستدعى إليها من قبل الجمعيات الامازيغية في مختلف مناطق المغرب. وكان يحظى باحترام كبير لدى جميع أوساط الحركة، بالرغم من بعض الاختلافات البينية الموجودة بين الحركة الإسلامية والحركة الأمازيغية على مستوى المنطلقات الفكرية والمرجعيات والتصورات والافق السياسي. فالعثماني معروف بجرأته في الحديث بالامازيغية واعتزازه بذلك ولا يتردد في اعطاء تصريحات رسمية بالامازيغية كلما طلب منه ذلك، وقد كانت لي فرص كثيرة للنقاش معه واستجوابه بالامازيغية داخل عيادته الطبية بعمارة المامونية وسط الرباط أو داخل مجلس النواب او بقناة تامزيغت حيث كان يشارك في عدة برامج حوارية. فحقيقة سعدالدين العثماني يهتم كثيرا باللغة الأمازيغية ويبحث في قاموسها وله مقالات كثيرة عن الثقافة الأمازيغية في مختلف القضايا. ولا يعاني من نزعة انفصام التي يعاني منها بعض الاسلاميين واليساريين الذين يتنكرون للامازيغية ولا يرضون الحديث بها خاصة الذين يعتلون مراكز ومناصب في الدولة كبعض الوزراء ونواب برلمانيين وغيرهم.
سعد الدين العثماني يجسد مظهرا من مظاهر الإسلام الامازيغي لأنه سليل منطقة سوس التي تعتبر البيئة التي انتجت وافرزت نموذجا واقعيا للاسلام الامازيغي، فقبل أن ينتمي سعدالدين إلى الحركة الإسلامية فإنه ينتمي إلى عائلة العثماني التي تنتمي بدورها إلى وسط ثقافي تاريخي ممتد امتزج فيه الدين بالامازيغية وبالسياسة وبالعرف وبالمجال لقرون عديدة، وكل هذا التفاعل اعطى في النهاية نموذج في التدين ومنطق في التعامل والسلوك نسميه حاليا بالاسلام الامازيغي الذي يتميز بالوسطية والاعتدال وعدم الغلو في الأحكام، وبفعل هذا النمط الامازيغي في فهم الإسلام في سوس ازدهرت بكل ربوعه الزوايا والطرق الصوفية وكثرت المواسم الدينية واتسعت رقعة المزارات المقدسة والطواف إلى حد ان سوس اليوم يعتبر “أرض البركة” في المغرب، وكل هذه الطقوس الراسخة تقريبا في كل المجتمعات الأمازيغية تحاربها وبشدة تيارات الإسلام الوهابي والإخواني التشدد..
سعدالدين العثماني وإن هو ترعرع في مدينة انزگان فإن عائلته تنتمي إلى فضاء جزولة بمنطقة تافراوت، فهي عائلة عريقة تعتبر أكبر البيوتات العلمية في سوس، تسلسل فيها العلم والصلاح أزيد من ألف سنة على حد قول المختار السوسي ( المعسول ج 17)، والده سي محمد العثماني كان فقيها محترما واستاذا جامعيا، تتلمذ على يد القطب الرباني الامازيغي الجليل سيدي الحاج الحبيب ولازمه حوالي 16 سنة بمنطقة تنالت نايت صواب على قمم آيت باها. وهو اول من ناقش اطروحة جامعية حول القوانين الأمازيغية سماها ” ألواح جزولة” سنة 1971 نال بها دبلوم الدراسات العليا بدار الحديث الحسنية بالرباط، وهي دراسة قيمة منشورة في كتاب أصبح اليوم مرجعا مهما في التاريخ وفي أدبيات الحركة الأمازيغية في شقها المتعلق بالقوانين الأمازيغية أو ما تسميه بعض الأدبيات السياسية بالاعراف. كما أن والد سعد الدين العثماني رحمه الله كان يسير على خطوات المرحوم المؤرخ وزير التاج المختار السوسي، الذي كان مواظبا على اعطاء دروس دينية بالامازيغية على أثير الإذاعة الأمازيغية منذ عقد الخمسينات، وبعد موت السوسي عوضه المرحوم العثماني في إعطاء دروس وتفسيرات بالامازيغية للمستمعين في برنامج أسبوعي يسمى “إسقسيتن ن الدين”، فهذه مسألة ذات أهمية بالغة تبين عمق وصلابة وتشبث فقهاء سوس بعد الاستقلال بالحديث بالامازيغية مهما وصلوا من درجات في العلم، عكس ما نراه اليوم من بعض الفقهاء المتأثرين بأفكار القومية العربية وايديلوجية الوهابية والإخوانية التي تمجد كل ما له علاقة بالشرق والعروبة وغيرها.
سعدالدين العثماني لم يتنكر لأصله وامتداده الثقافي حتى وأنه داخل حزب سياسي يتبنى عقيدة الاخوان المسلمون وفقه ابن تيمية، العثماني هو على نقيض ابن كيران الذي يعبر عن مواقف متشجنجة ومتطرفة تجاه الأمازيغية وصل به الحد إلى نعت الأمازيغية بلغة الشينوية تهكما على حرف تيفناغ كما أنه سخر من أهل سوس بحضورهم، فالعثماني له الشجاعة بالافتخار بأمازيغيته، وتحدث بها في أول تصريح له بعد تنصيبه رئيسا للحكومة، وخاطب بها زعماء الأحزاب أثناء المشاورات وذاك ما سميناه في ذلك الوقت “بحكومة مانزاكين”.
إن تعيين سعدالدين العثماني إبن منطقة سوس، على رأس الحكومة هو احتكام للعقل والضرورة لأنه يجسد معاني الإسلام الامازيغي الذي يتميز به المغرب منذ قرون فهو سليل أسرة جزولية صنهاجية التي أسست المخزن المغربي على عهد المرابطين، ليشتغل جنبا إلى جنب مع المؤرخ الامازيغي سيدي احمد التوفيق الذي يجسد هو الآخر روح الإسلام الامازيغي والذي يشغل وزيرا للاوقاف والشؤون الإسلامية منذ سنة 2003 ، بعد الأحداث الإرهابية الأليمة التي عرفها المغرب في يوم 16 ماي من تلك السنة. واستجدت الدولة بالمؤرخ احمدالتوفيق لقيادة إصلاح ديني عميق ليجنب بلادنا من متاهات الإسلام المتطرف والوهابي المنغلق، واحمد التوفيق هو ابن منطقة تنمل بحوز مراكش مهد دولة الموحدون، لذلك فالعثماني (المرابطون) والتوفيق ( الموحدون) يجسدان ملامح الإسلام الامازيغي الذي يميز المغرب عن المشرق.
فحين يعود المغرب إلى عمق حضارته وهويته، ويسير على عجلاته فإنه حتما سيصل إلى مستقبل آمن ومزدهر، شريطة التخلص من أوهام العروبة والايديولوجيات الباردة.
مناضل أمازيغي وإعلامي وكاتب وباحث في التاريخ