لماذا الحزب بمرجعية أمازيغية ؟
لدواعي كثيرة وعديدة، لأن المغرب كباقي دول شمال إفريقيا، هو بلد امازيغي عريق، لكنه تحكمه دولة عربية إسلامية، وجميع أحزابها بدون استثناء، تحمل مرجعيات العروبة والاسلام والقومية العربية، سواء كانت أحزاب دينية او اشتراكية او يسارية او إدارية التي تؤمن بايديولجية الإدارة الرسمية وتخضع لتوجهات السلطة. منذ تأسيس الحزب الأول المغرب سنة 1934 فقد اعتنق العروبة والسلفية كايديلوجية مقدسة، وصارت على نهجه جميع الأحزاب. لكي يبسطوا توجهاتهم ويفرضوا أفكارهم وايديولوجيتهم التي كانت افكار أقلية، سارعوا بكل ما يملكون من قوة إلى قتل وتفكيك وتفتيت كل المؤسسات الاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمع الامازيغي، من تاقبيلت وقوانين ونظام إمغارن وإنفلاس وإگرامن…. الخ.
بعد حوالي 60 سنة، ظهر أن تلك السياسة التعريبية والاسلاموية المخزنية والحزبية، فشلت فشلا ذريعا، بسبب ظهور وبروز حركة أمازيغية، نهضت بشكل تدريجي لاعادة الروح للذات المغربية الأمازيغية على كافة المستويات، لغة، ثقافة، حضارة، هوية، تاريخ، تراث، انتماء.
هذا الوعي الامازيغي أدى إلى يقظة مغربية جديدة، قوامها العودة إلى الذات والمصالحة معها، والتخلص من كل أشكال التبعية والهيمنة الثقافية، وجعل المغرب بلدا شامخا وحضاريا يعتز بانتمائه الافريقي ولا يلهث نحو تقمص هوية عروبية مشرقية مزيفة… لذلك كل الفضل يعود إلى الحركة الأمازيغية التي ضحت بالكثير والكثير من أجل أن يستعيد المغاربة ذواتهم وهويتهم..
الحزب بمرجعية أمازيغية، ضروري لأن هذه الأحزاب الكثيرة التي تعج بها الساحة السياسية، كلها أضحت أحزاب جامدة وميتة لم يعد لها ما تقدمه للمغاربة وللمستقبل، إنها أحزاب بالنسبة للمجتمع أحزاب فاشلة، وتتحمل كامل المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع بالمغرب.
لذلك لا يمكن للحركة الأمازيغية أن تناضل عقود من الزمن وهي تجابه الدولة والاحزاب أن ينتهي بها المطاف إلى الارتماء في أحضان هذه الاحزاب التي تحمل أيديولوجيات متناقضة مع المرجعية الأمازيغية، وهي الأحزاب التي تتحمل المسؤولية في اقبار الأمازيغية واقصائها من حقوقها وحرمانها من الحماية الدستورية منذ سنة 1963، إلى أن فرضتها الحركة الأمازيغية في احتجاجات حركة 20 فبراير التي قاطعتها الأحزاب التي تسعى اليوم إلى ضم الامازيغيين واستقطابهم إلى صفوفها قصد تطعيمها…
الحركة الأمازيغية وهي واعية بكل هذه التفاصيل، فإنها اشتغلت منذ سنوات على بلورة مشروع مجتمعي متكامل، يتم بنائه وفق بنية تطورية، لأن الأمازيغية لم تنحصر اليوم فقط في اللغة ومظاهر الثقافة، وإنما تسائل قضايا الاقتصاد والأرض والثروات والموارد وحقوق الإنسان وحقوق الجهات والشغل والهجرة… وهذا ما لا يرغب فيه المخزن وبعض الأوساط الحزبية التي تريد توزيع مناضلي الحركة الأمازيغية وتراكمها النضالي على الأحزاب، تحت شعار ملغوم هو “خدمة الأمازيغية داخل المؤسسات” . ليتضح أن الدولة فعلا تحارب فكرة الحزب بمرجعية أمازيغية لأسباب كثيرة يمكن العودة إليها لاحقا.
في الختام، إن الأمازيغية قضية سياسية، وحلها لن يكون بتوزيع بعض النشطاء على الأحزاب بعينها، يجمعها القرب من السلطة، لإظهار أن الدولة ليست لها مشاكل مع القضية الأمازيغية. في حين أن الواقع يؤكد عكس ذلك، نتيجة رفض أغلب مناضلي وأطر الحركة الأمازيغية فكرة الانضمام لبعض الأحزاب. لأنهم واعون بأن الأمازيغية في حاجة إلى تعاقد سياسي واجتماعي جديد مع الدولة، مدخله الأساسي المصالحة مع الأمازيغية والامازيغ ضحايا عقود القهر والقمع والسجون والاستيلاب…
مناضل أمازيغي وإعلامي وكاتب وباحث في التاريخ