الأمازيغ والمجالس المنتخبة
هل يمكن إنكار التراكم الإيجابي الذي حققه كل من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والقناة التلفزية الثامنة تمازيغت، بوصفهما مؤسستين عموميتين / مخزنيتين، وتأثير هذا التراكم في تقليص حوض تمدد الخطاب الأمازيغوفوبي وتوسيع رقعة المد الأمازيغي في المقابل؟ ألا يمكن للحركة الأمازيغية أن تفكر اليوم بجدية في بلورة تصور متقدم حول حتمية اقتحام مؤسسات مخزنية أخرى، لا سيما المجالس المنتخبة، قصد توظيفها في خدمة قضيتهم؟
الإصلاح من داخل المؤسسات
صحيح أن الطبيعة المخزنية لكل من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وقناة تمازيغت جعلت مردوديتهما لا ترقى إلى مستوى انتظارات الحركة الأمازيغية، غير أنه في المقابل لا يمكن إنكار المساهمة الكبيرة لهاتين المؤسستين في تعزيز نضالات الحركة الأمازيغية وتقريب قضيتها من شريحة واسعة من المواطنين الذين لم تكن للحركة أية إمكانية للوصول إليهم، وبالتالي بقائهم ضمن دائرة المحجور عليهم إيديولوجيا من طرف مناهضي القضية الأمازيغية.
أوردنا هذا المثال كي نلفت الانتباه إلى أن ثمة مؤسسات أخرى قد تستفيد الحركة من اقتحامها وتفيد بواسطتها القضية في المحصلة. فلا سبيل أمام نشطاء الحركة اليوم إلا الإقرار بأن مناهضي قضيتهم، في مختلف أبعادها الثقافية والاقتصادية الاجتماعية والسياسية، يسيطرون على ترسانة هائلة من الإمكانات العمومية / المخزنية ويستثمرونها في تسييد أطروحاتهم مجتمعيا، وبالتالي ضمان تحكمهم وسيطرتهم المستمرة عبر آلية إعادة الإنتاج.
ففي الوقت الذي ركنت فيه الحركة الأمازيغية إلى المقاطعة السلبية للانتخابات وانتهاج سياسة ردود الفعل عبر البيانات والتظاهرات..، عمل مناهضو القضية الأمازيغية على إطباق سيطرتهم على المؤسسات المنتخبة وتوظيفها في تمرير القوانين التي تخدم مصالحهم (قوانين البطاقة الوطنية وبنك المغرب والمراعي بالنسبة للمؤسسة التشريعية مثلا..)، أو في تعزيز انتشارهم إيديولوجيا (تعريب أسماء الشوارع والفضاءات العمومية مثلا بالنسبة للجماعات الترابية).
لكن قد يتساءل متسائل: وماذا ستستفيد القضية الأمازيغية من مشاركة الحركة في الانتخابات أو حتى في تمكن نشطائها من تسيير المجالس المنتخبة؟ تساؤل مشروع لن نواجهه بالسؤال النقيض: وما الذي استفادته الحركة من البقاء خارج اللعبة؟ بل سنحاول، في ما سيأتي، أن نبين بعضا من النتائج الإيجابية التي ستحققها الحركة في حالة الدفع بنشطائها إلى خوض غمار الانتخابات واقتحام المجالس المنتخبة.
على مستوى الجماعات الترابية
تختص الجماعات الترابية، بمقتضى القوانين التنظيمية رقم 113.14 و111.14 و14.112 المتعلقة على التوالي بالجماعات والجهات والعمالات والأقاليم، بجملة من الصلاحيات والمهام الكبرى، كما منحت هذه القوانين للجماعات الترابية أيضا رصيدا هاما من الإمكانات القانونية والمالية واللوجستية والبشرية التي ستمكن نشطاء الحركة الأمازيغية، في حالة تمكنهم من تسيير أو المشاركة في تسيير مجالسها، من الاستفادة منها في خدمة القضية الأمازيغية في مختلف أبعادها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
وإذا كان المقال لا يتضح إلا بالمثال كما يقال، فلا ضير في الادعاء بأنه بمقدور المنتخبين الأمازيغ داخل هذه المؤسسات العمل، مثلا لا حصرا، على ما يلي:
– تعزيز الطابع الأمازيغي للهوية البصرية للفضاء العام، لا سيما في أسماء الشوارع والأزقة والفضاءات العمومية والتشوير الطرقي العمودي ويافطات المؤسسات والإدارات العمومية.
– تحقيق السلاسة في تسجيل الأسماء الأمازيغية للمواليد الجدد بمصالح الحالة المدنية ووقف العراقيل البيروقراطية المعتادة في مثل هذه الحالات.
– احتضان التظاهرات الثقافية والفنية المهتمة بالثقافة الأمازيغية ودعمها ماديا ومعنويا وتثمين التراث المادي واللامادي الأمازيغي.
– استثمار الصلاحيات المخولة لهذه الجماعات على مستوى التعمير في تشجيع العمارة الأمازيغية.
– تجويد الخدمات الاجتماعية المقدمة للمواطنين والحرص على تقليص الفوارق المجالية بين الحواضر والقرى.
– استثمار فرص التواصل المباشر بين المنتخبين الأمازيغ وبين المواطنين من أجل تحقيق المزيد من التعبئة والتوعية الجماهيرية.
على مستوى المؤسسة التشريعية
تختص المؤسسة التشريعية بمجلسيها، بجملة من الاختصاصات الممنوحة لها بمقتضى الدستور المعدل سنة 2011 وكذا بمقتضى القانونين التنظيميين رقم 28.11 ورقم 27.11 المتعلقان بمجلسي النواب والمستشارين. اختصاصات يمكن للمنتخب البرلماني الأمازيغي العمل قدر الإمكان على توظيفها في خدمة القضية الأمازيغية.
فللبرلمان بمجلسيه صلاحيات تشريعية حددها المشرع في سلطة اقتراح مشاريع قوانين تبلور احتياجات ومصالح المواطنين ومناقشتها وتعديلها والتصويت عليها، كما يملك البرلمان سلطة اقتراح تعديل الدستور في حالة اتفاق ثلثي أعضائه.
وبالإضافة إلى السلطة التشريعية فإن البرلمان يتمتع بسلطة رقابية أيضا، حيث خول له المشرع صلاحية تشكيل لجان دائمة يمكنها أن مساءلة الوزراء ومسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية بواسطة الأسئلة الكتابية أو الشفوية التي تعرض في جلسات عامة وكذا تشكيل لجان مؤقتة لتقصي الحقائق، فضلا عن اختصاص التقدم بملتمسات الرقابة في مواجهة الحكومة.
صحيح أن المشرع المغربي قد ضيق إلى حد كبير من سلطة البرلمان في المجال التشريعي وقيد اختصاصاته الرقابية، غير أن الهامش المتاح من الصلاحيات التشريعية والرقابية ظل رغم ذلك غير مستثمر من قبل الحركة الأمازيغية مما عرضه للاستغلال من قبل خصومهم، كما اتضح ذلك جليا في تمريرهم لجملة من القوانين المعرقلة للقضية الأمازيغية.
بناء على ذلك كان ممكنا للحركة الأمازيغية لو كانت لديها تمثيلية برلمانية أن تستفيد على الأقل مثلا مما يلي:
– استغلال الإمكانات المتاحة قانونا على المستوى التشريعي، لا سيما اقتراح مشاريع قوانين ذات صلة بالقضية الأمازيغية.
– ممارسة الضغط على بقية الفرق والكتل البرلمانية في إدراج مقتضيات قانونية لصالح القضية في مشاريع القوانين التي تقترحها عبر آلية التعديل والتصويت.
– ممارسة الوظيفة الرقابية على الحكومة من خلال الأسئلة الكتابية والشفوية وتحويل الجلسات الأسبوعية الشفوية والمباشرة إلى منصات لفضح الحكومة وأعداء القضية الأمازيغية أمام جماهير المواطنين.
– عقد تحالفات تكتيكية ظرفية وذات بعد براغماتي مع الكتل والفرق المحسوبة على الصف الديمقراطي في مواجهة التوجهات المناوئة للقضية الأمازيغية.
– استثمار الإمكانات المتاحة قانونا للبرلمانيين في تكوين نخب وقيادات أمازيغية متمرسة تشريعيا وسياسيا، فضلا عن تحويل البرلمان إلى منصة لتعبئة وتأطير الجماهير الشعبية.
على سبيل الاستخلاص
يتضح مما سبق أن اهتمام الحركة الأمازيغية لا يجب أن يكون منصبا على ولوج المؤسسات المنتخبة بوصفه غاية في ذاته، بل باعتباره مجرد تكتيك ظرفي تكون غايته تحقيق المزيد من التراكم النضالي لفائدة القضية الأمازيغية عبر استثمار ممكنات الممارسة النضالية التي لم تستثمرها الحركة الأمازيغية إلى حدود اليوم. فإذا تقرر أن الحركة الأمازيغية لا تتغيا التغيير الجذري لبنية النظام القائم في ظل إيمانها بخيار التغيير من داخل المؤسسات، فإن بقاءها خارج المؤسسات المنتخبة يظل غير ذي جدوى.
غير أن ما يجب الحسم فيه بعد مناقشة عميقة لمختلف جوانب الموضوع، هو السؤال عن كيفيات وآليات الترشح والتصويت وولوج هذه المؤسسات.