إبراهيم أخياط مهندس وضمير الحركة الأمازيغية
يختزل المسار النضالي لإبراهيم أخياط تاريخ الحركة الأمازيغية، إذ من خلاله يمكن للباحث والمتتبع رصد وقراءة مختلف المحطات التي عرفتها المسألة الامازيغية انطلاقا من مواقف هذا الرجل، وأدبيات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي التي ظل يرأسها منذ نهاية عقد الستينات من القرن الماضي إلى حين رحيله مؤسوفا عليه.
استطاع أخياط رفقة مجموعة من الوجوه ان يؤسس أول إطار جمعوي يهم الدفاع عن الثقافة الأمازيغية، في ظل سياق سياسي وطني وإقليمي اتسم خصوصا بهيمنة الفكر القومي.
ولدقة وحساسية المناخ السياسي وتضاريسه الصعبة، عرف أخياط كيف يتعامل بحذر مع موضوع الدفاع عن الأمازيغية، حيث لجأ إلى المسرح والشعر والغناء والثقافة… كواجهة للاشتغال والاختباء وراءها، وبالتالي العمل على نشر الوعي بأهمية الأمازيغية والنهوض بها دون الزج بنفسه في ما من شأنه إزعاج النظام السياسي. لكن احداث “الربيع الامازيغي” بالجزائر، وتراجع الاديولوجيات الكبرى، وانتصار قيم وثقافة حقوق الإنسان … وغير ذلك من التحولات الكبرى كان لها الوقع الشديد في مسار وعي أخياط الذي شرع في التحرك أكثر والبحث عن تأسيس جبهة مدنية للدفاع عن الامازيغية، وهو ما تأتى له، فعلا مع مرور الوقت ونضح الظروف وملاءمتها. فقد قاد إبراهيم أخياط بعض الجمعيات للتوقيع على “ميثاق أكادير”، معلنا بذلك عن التأسيس الرسمي للحركة الأمازيغية كحرحة ثقافية، هوياتية، حقوقية واحتجاجية تصطف إلى جانب القوى الثواقة لبناء مغرب الديمقراطية.
شكلت هذه المحطة اي “ميثاق اكادير”، بداية لتحول جوهري في مسار أخياط الذي أصبح يشبه قائد سفينة الحركة الأمازيغية، ساعده في ذلك حنكته ولباقته ومرونته وانفتاحه على مختلف الفاعلين، وأيضا كاريزما جعلته في واجهة العمل الأمازيغي.
كانت أولى لقاءاتي مع السي إبراهيم أخياط حين زارنا في مؤسستنا الإعلامية، والمناسبة إجراء حوار صحفي شامل بعد اتفاق مع نائبه في “لامريك” الاستاذ عبد العزيز بوراس. ولا أخفي سرا أنني وجدت في الرجل كل مواصفات المناضل المبدئي، المدافع الشرس على الأمازيغية… ومنذ ذلك الحين، كثرت اللقاءات بيننا، وتوطدت أكثر بعد صدور “بيان الأستاذ محمد شفيق” وما تلاه من نقاشات ساخنة بين مختلف مكونات الحركة الأمازيغية.
علاقتي بالسي بوراس جعلتني أتابع عن قرب مواقف الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، ومكنتني من ربط علاقات صداقة مع مجموعة من الوجوه علي مومن الصافي وبعده أحمد عصيد، وأيت باحسين، وامبارك الارضي، وأوسي موح…بل لا أخفي سرا أنني تأثرت كثيرا بأفكار وطروحات ” لامريك” وخاصة السي أخياط الذي كان له اسلوبه الخاص في قراءة الأحداث وتبني المواقف وإدارة الإختلاف والتعامل مع الآخر…
وقد جمعتنا لقاءات ونقاشات عميقة مع الاستاذ أخياط، بل كثيرا ما اختلفنا دون أن يفسد الخلاف أساس علاقتنا التي تجذرت أكثر. وقد شاركت إلى جانبه في مجموعة من اللقاءات الفكرية والثقافية.. في الرباط والدار البيضاء وأكادير ومكناس ومراكش وبني ملال، وصفرو، والحاجب والخميسات…كما كانت لي مساهمات عدة في منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي التي اهتمت بتوثيق كل انشطتها، ونجحت في تطعيم الخزانة الامازيغية بإصدارت مرجعية وهامة، كما حظيت بثقته للإدلاء برأيي في مذكرات ورسائل وبيانات…
صداقاتي مع رموز “لامريك” وقربي أكثر من الثلاثي بوراس والصافي وأخياط، جعل الوعي بالأمازيغية يتجذر والإيمان بالحقوق الثقافية واللغوية يتقوى أكثر، وهو الامر الذي دفعني إلى الانتقال في اهتماماتي بالامازيغية من مستوى المتابعة الصحفية إلى الإشتغال الجامعي العلمي الأكاديمي.
وقد استطعت بفضل ما راكمت من رصيد معرفي وقربي من رموز “لامريك”، وعلاقتي بالمفكر والروائي حسن أوريد والبرفسور الكبير عبد اللطيف أكنوش والفقيه الدستوري محمد أتركين..خوض مغامرة علمية توجت بانجاز أطروحة جامعية حول علاقة الدولة بالأمازيغية، تحولت اليوم إلى مرجع لدى جيل جديد من الباحثين في المسألة الأمازيغية.
لا أخفي سرا أن علاقتي بالسي إبراهيم أخياط، ساعدتني في تطوير افكاري وطروحاتي بل ونظرتي للأمازيغية، إذ كان بالنسبة لي كالمعلم النشيط الذي يدفعك إلى التفكير والبحث، ويشجعك على الاجتهاد والكتابة، ويحثك على المشاركة في اللقاءات والموائد المستديرة، والادلاء بارائك ومواقفك في قضايا واحداث…
كان أخياط حاضرا في كل المحطات الكبرى التي عرفتها المسألة الأمازيغية..فهو مهندس الحركة، بل وعقلها، إن لم نقل ضميرها وحكيمها.
إبراهيم أخياط آمن بالتاريخ والجغرافيا والثقافة، خلق لكي يكون مناضلا، كرس حياته في سبيل الدفاع عن الامازيغية، حيث من يعرف السي إبراهيم لا يمكنه أن يفرق بين حياته الخاصة وحياته النضالية.. بمعنى أين تبتدأ الأولى وأين تنتهي الثانية…
قاد التنسيق الوطني للجمعيات الأمازيغية في مرحلة صعبة .. وساهم في تدويل القضية الامازيغية عبر مشاركته في ملتقيات دولية .. كما خاض معارك ضد خصوم ومعاديي رد الاعتبار للأمازيغية.. ثم في مرحلة سيتمر في مساره النضالي داخل مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مطالبا بدسترة اللغة الامازيغية…
تمكن أخياط من خلال قيادته للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي التي أخذت على عاتقها الدفاع عن الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، من إنتاج خطاب ثقافي متكامل حول الأمازيغية، يقوم على الدفاع عن الهوية الوطنية القائمة على التعدّد والتنوع في إطار الوحدة.
ولم يقف ضد الرجل إلا المرض الذي شل قدراته وكسر عزيمته، ومع ذلك أصر على الوفاء لمساره النضالي عبر كرسي متحرك، قبل أن يختطفه الموت، ويرحل إلى دار البقاء.
وكان رحيله خسارة كبرى لوطنه وللحركة الامازيغية والديمقراطية عموما، فقد ظل مناضلا منسجما مع ذاته وهويته، ووفيا بل ومخلصا لمبادئه، ومدافعا شرسا عن أفكاره، ومؤمنا بعدالة وشرعية قضيته…
لقد شكل السي إبراهيم أخياط صفحة مشرقة من تاريخ جيل ذهبي من الرعيل الأول للمدافعين عن الأمازيغية، كانت مواقفه المعتدلة والحكيمة تلتقطها الدولة بإمعان في كل المحطات. فما احوجنا، اليوم، لامثاله.
حظي الرجل بتكريم من قبل رفاقه وكذا من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي كان عضوا في مجلسه الإداري، إلا أن وطنية الرجل واسهاماته الفكرية والثقافية والفنية الغنية، والرصيد النضالي الهام الذي تركه، يقتضي منا أن نكرمه أحسن تكريم من خلال إطلاق إسمه على معلمة ثقافية او فنية او ساحة عمومية او شارع كبير يتناسب وحجم شخص وفكر ونضال السي إبراهيم أخياط رحمه الله عليه.
مصطفى عنترة