النموذج المغربي والاستثناء


يعلمنا التاريخ ان هذا البلد عصي على التهجين لأنه هو الاصل، والاصل هو من يهجن الآخرين. حاول الرومان تهجينه وانسحبوا، وحاول بني أمية فما أفلحوا، وحاول بني العباس فطردوا، وحاول العثمانيون فما دخلوا، وحاول الفرنسيون وسموه حماية ولم يلبثوا الا قليلا( 43 سنة) ثم أخرجوا.. وحاول بعض أبنائه التائهين والمنبهرين بالقومية العربية فسقطوا، وخلف بعدهم خلف أضاعوا هويتهم فجربوا التهجين باسم الاسلام الشرقي فما استكانوا الى ان هزموا.

هذا هو الاستثناء المغربي العصي على التهجين، يعيد نفسه مرة أخرى كظاهرة مغربية: احتواء الاسلام السياسي في المغرب ديموقراطيا ثم سقوطه المدوي ديموقراطيا، ليبقى الأصل وهو النموذج المغربي علما على جبال الأطلس يهتدي به الآخرون. هذا هو الدرس المغربي:

أولا: لأبنائه ليعوا أن أثمن ما يملكون هي خصوصيتهم الثقافية والحضارية، وهي التي شكلت استثناءهم الذي عاشوه عبر تاريخهم منذ العصور الغابرة الى اليوم، فلا يتعبوا انفسهم لاستنساخ النماذج الايديولوجية الجاهزة، فهم النموذج.

ثانيا: للبلدان الأخرى التي عانت من الاسلام السياسي، فحاربته بشتى الوسائل وأغلبها غير شرعي. لنتذكر العشرية السوداء في الجزائر التي انقلب فيها الجنرالات على صناديق الاقتراع وأدى ذلك ازهاق أرواح اكثر من 300 ألف جزائري بسبب الصراع الدموي بين العسكر والاسلاميين. فليتعلم الشرق منا.

لنقرأ التاريخ القريب: فلو عمل جمال عبد الناصر و من والاه من الزعماء بما فيهم الفلسطينيون بنصيحة حكمائنا( اقتراح الراحل الحسن الثاني بتقسيم فلسطين -حسب مقررات الأمم المتحدة – حوالي 1960) لتجنبت المنطقة الكوارث والحروب والدمار ولأصبحت فلسطين الآن دولة مزدهرة عاصمتها القدس. لو عمل صدام بنصيحة حكمائنا بالانسحاب من الكويت( خطاب الحمية كاتغلب السبع) لما شهدت المنطقة هذا الدمار…

والآن الاستثناء المغربي يعيد نفسه مرة أخرى في كيفية احتواء مد الاسلام السياسي بالديموقراطية والانتخابات ليجربه الشعب فيعيش زيف الشعارات باسم الاسلام؛ وبالديموقراطية وبالانتخابات سقط سقوطا كارثيا لا يتمناه الديموقراطي لأعدائه. هذا هو الدرس المغربي. في سوريا كان السلاح هو الحل فجر البلد في حرب اهلية ضروس بين الإسلاميين والقوميبن الى الآن. في مصر كان الحل اجثثات الاسلام السياسي، سجن من الإسلاميين من سجن وهرب منهم من هرب ليعرض خدماته للغير في محاربة وطنه( العمالة الأجنبية). في ليبيا وضعت الحرب الأهلية اوزارها بين القوميين والاسلاميين، ودخل النموذج المغربي للمصالحة بين الأطراف ، في تونس التي سوقت نفسها كنموذج للثورة السلمية وللديموقراطية انتهى حكم الاسلام السياسي بانقلاب “دستوري” من طرف الرئيس ذي الاتجاه القومي. في الجزائر حسم العسكر الأمر بالسلاح والدم منذ العشرية السوداء. ويبقى الاستثناء المغربي هو النموذج: – في التسعينات عندما كان النظام الجزائري غارق في الصراع الدموي مع اسلامييه, مد المغرب يده لقومييه فوصلوا الى الحكم بواسطة الانتخابات واصبح الزعيم الاشتراكي الراحل اليوسفي – المحكوم عليه بالاعدام في الستينات زمن محاولة القوميين المغاربة استنساخ تجربة عبد الناصر في المغرب- رئيسا للحكومة المغربية بنكهة يسارية. –

في زمن الثورات والانتفاضات التي عمت منطقة الشرق الأوسط وافريقيا سنة 2011 برز الاستثناء المغربي من جديد فتم احتواء الإسلاميين بالانتخابات، وجربهم الشعب مرتين ( لعل وعسى) وفشلوا فلفظهم لفظا لن يقوموا بعد هذا قومة عادية الا بعد جيلين أو أكثر. هذا هو الاستثناء المغربي. وهذا هو الدرس المغربي لمن لا يزال- من المغاربة التائهين- يعيش اوهام الايديولوجيات الشرقية القومية او الدينية. وهذا هو النموذج المغربي الذي يصلح ان تقتدي به الدول الأخرى.


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments