دلالات اندحار البيجيدي في انتخابات 8 شتنبر


لقد كان فوز حزب التجمع الوطني للأحرار في اقتراع 8 شتنبر منتظرا؛ وذلك بالنظر إلى المؤشرات التي أفرزتها نتائج انتخابات الغرف المهنية الأخيرة، والتي سبقها زخم تواصلي قوي واستقطاب مرشحين ببروفايلات انتخابية محترفة؛ لكن تقهقر العدالة والتنمية يطرح علامات استفهام كبيرة. إذ من الصعب للغاية أن نقدم تفسيرا منطقيا ودقيقا يفسر الإندحار الكبير لهذا الحزب الذي لم يتمكن من الحصول سوى على 13 مقعدا، بعدما اكتسح تشريعيات 2016 ب 125 مقعدا.

إذا جاز لنا أن نسمي ما حدث بالتصويت العقابي، فإن المنطق يفرض علينا أن نسائل طبيعة هذا العقاب ومبرراته، لأن الحديث عن تصويت من هذا القبيل يقتضي ( في الأعراف الإنتخابية ) أن تعاقب صناديق الإقتراع التحالف الحكومي برمته، لأن فشل السياسات الحكومية وعدم الوفاء بالوعود الإنتخابية ينبغي أن يسائل كل الأطراف المشاركة في الحكومة؛ والحال أن انتخابات 8 شتنبر أسقطت البيجيدي، لكنها بالمقابل كافأت شريكه الرئيسي في الحكومة السابقة ( التجمع الوطني للأحرار) وبوأته المرتبة الأولى.

وهو ما يعني أن هذا العقاب كان انتقائيا، لذلك يبدو أن ما جرى لم يكن في الواقع تصويتا “عقابيا”، بل كان تصويتا “انتقاميا “، فقد بدا واضحا أن السياسات اللاشعبية التي تبناها الحزب الأغلبي السابق، وحرص على الدفاع عنها رغم الضرر العميق الذي ألحقته بالمواطن البسيط طيلة ولايتين متتاليتين؛ بدا واضحا إذن أن هذه السياسات قد أثقلت كاهل المغاربة الذين تنامت لدى فئات عريضة منهم الرغبة في الخلاص من استمرار هذا الحزب في قيادة الحكومة. فقد ترسخت في الذهن الجمعي قناعة تحمل هذا الحزب وحده؛ دون غيره من حلفائه في الحكومة؛ المسؤولية الأولى عن كل القرارات التي صدرت خلال الولايتين السابقتين، وخصوصا في ما يرتبط بملفات المقاصة والتقاعد والتعاقد…

ومن تم كان الإستحقاق الإنتخابي ليوم 8 شتنبر بمثابة استفتاء انتقم فيه الناخبون على نطاق واسع من البيجيدي وقياداته واختياراته ومشاريعه. ومع ذلك فإن هذا المسوغ يظل غير كاف لتبرير الهزيمة المدوية للبيجيدي، لأن هذا الحزب معروف بمخزونه الإنتخابي الوفي، والذي مكنه من الفوز بصدارة انتخابات 2016 رغم أن الكثيرين كانوا ينتظرون سقوطه آنذاك على خلفية نتائج تجربته الحكومية الأولى .

وهنا ينبغي أن نتساءل عن سر “تبخر” هذا المخزون دون سابق إنذار، فالأرقام التي أفرزتها نتائج انتخابات 8 شتنبر تشير إلى تراجع مهول على مستوى عدد المصوتين لصالح البيجيدي مقارنة بتشريعيات 2016. حيث فقد أكثر من مليون صوت. وهذا يعني أن اليأس تسرب حتى إلى نفوس الناخبين الأوفياء للبيجيدي في قلاعه الإنتخابية، فاختاروا عدم التصويت لصالحه هذه المرة، لأن أغلب هؤلاء ينتمون إلى الفئات الإجتماعية الأكثر تضررا من سياسات الحزب على رأس الحكومة…

كما أن الوضع الداخلي للحزب ساهم في تراجع شعبيته، وذلك من خلال خطابه المزدوج الذي وضعه في مأزق واضح بسبب تناقض مواقفه في كثير من القضايا، وأدى إلى انقسام حاد بين منتسبيه، وكذا بسبب الضعف التواصلي لأمينه العام سعد الدين العثماني على عكس ما كان عليه الأمر مع بنكيران. أما تغيير القاسم الإنتخابي الذي يدرك الجميع بأنه كان موجها لتحجيم القوة الإنتخابية للعدالة والتنمية، فقد أصبح بدون مفعول يذكر، بل إن هذا القاسم الجديد هو الذي أنقذ الحزب من شبح “صفر مقعد”…

مبررات انهيار الآلة الإنتخابية لحزب العدالة والتنمية بهذه الطريقة الدراماتيكية تمتد إلى طبيعة المنافسة الإنتخابية نفسها، فقد شهدت انتخابات 8 شتنبر سباقا غير مسبوق لاستقطاب الأعيان ومحترفي الإنتخابات خصوصا بين حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة، وهو ما مكنهما من احتلال المرتبتين الأولى والثانية. وهذا يعني أن تأثير الفعل التواصلي البراغماتي للأعيان على توجهات الناخبين واختياراتهم أقوى من تأثير الخطاب الحزبي والإيديولوجي.

أما السياق الإقليمي فقد كان له دوره أيضا في إسقاط العدالة والتنمية، لأن المغرب ليس معزولا عن ما يجري في مصر وتونس مثلا، حيث راكم الإسلاميون أخطاء كثيرة في تجاربهم مع السلطة، ولم يعد مرحبا بهم في دواليب الحكم في دول المنطقة، لكن الطريقة التي اندحروا بها في المغرب كانت استثنائية، لأنها جاءت عن طريق الممارسة الإنتخابية نفسها التي سمحت لهم بتصدر المشهد في 2011 و2016، لكنها قصمت ظهرهم في 2021. وهو ما يجعل السلطة في منأى عن الإتهامات، فالسياق المغربي مختلف عن الواقع المصري والتونسي، لذلك لم يكن بالإمكان أن تتخلص الدولة من إخوان المغرب بنفس الطريقة التي تم بها إسقاط إخوان مصر أو تونس.


1 Commentaire
Inline Feedbacks
View all comments
سوس. م. د

البجيدي البنكيراني ضيع عشر سنوات ثمينة على المغاربة. لاكن ربما تبدو لاشيء أمام سبعين سنة من الاستقلال الشكلي فترة لم نشبع فيها بعد من التسبيحات والتهليلات والشعارات العروبية الاسلامية. إسلام المغاربة يصنع في الرباط من طرف النظام العروبي الحاكم وعلى افواه تجار الدين. إسلام المغاربة خبزي اكثر مما هو عقائدي بعكس مسلمي الشىق الاوسط الدين يسبحون في أحواض البترول. المغاربة لا يعرفون الإسلام كما جاء في النصوص الموضوعة من طرف اصحابها في العهود الغابرة. النظام العروبي المغربي وكل احزابه يوظفون الدين مباشرة او عبر شبكة الفقهاء الواسعة. المغربي يتحمس لبناء مسجد أكثر منه لبناء معمل او مدرسة او مستشفى رغم… Lire la suite »