دلالات أول إحتفال رسمي بـ”السنة الأمازيغية” في المغرب
يحتفل المغاربة يوم 14 يناير/ كانون الثاني الجاري بأول عيد لـ”السنة الأمازيغية” بشكل رسمي، بعد قرار الملك محمد السادس بجعل هذا الحدث يوم عطلة وطنية مؤدى عنه.
الحقيقة أنّ جزءًا كبيرًا من المغاربة ضمن شعوب منطقة شمال أفريقيا دأبوا سنويًا على الاحتفال بأشكال متعدّدة وطقوس مختلفة بـ”السنة الأمازيغية” أو “السنة الفلاحية” أو “يناير” أو “حاكوزا”، وغير ذلك من الأسماء التي أطلقت على هذا الحدث/ السلوك المتجذّر باعتباره احتفالًا بالإنسان في جانبه المتعلّق بالهوية، واحتفالًا بعراقة التاريخ والارتباط بالأرض وما تنتجه من خيرات.
إنّ التقويم الزراعي ثقافة اعتمدتها ساكنة شمال أفريقيا منذ القدم، وأصبح معمولًا به لتنظيم الموسم الفلاحي، ثم سيتم الإجماع حوله من قبل الأكاديمية الأمازيغية بفرنسا كما تفيد بعض الدراسات كتاريخ يبدأ منه التقويم الزراعي. لكن احتفال هذه السنة سيكون له طعم خاص، لأنه يأتي في ظلّ اعتراف رسمي للدولة المغربية.
إنّ هذا الحدث مناسبة لتقييم ما تحقّق من مكتسبات هامة في مجال الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية، وكذلك للوقوف عند مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، طبقًا لمقتضيات القانون التنظيمي الصادر سنة 2019، والإكراهات التي تقف وراء البطء الذي يتّسم به قطار التفعيل، وأيضًا مناسبة للتساؤل عن المؤسسة الدستورية التي عهد إليها تدبير ما يزخر به المغرب على مستوى التعدّد اللغوي والتنوّع الثقافي، ألا وهي “المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية”.
لقد أشاد الجميع بتنصيص دستور 2011 على المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، لاعتبارات متعدّدة، سبق لنا أن تطرقنا إليها بتفصيل في كتابنا المعنون بـ”المسألة الأمازيغية بالمغرب.. من المأسسة إلى الدسترة” الصادر سنة 2023، والذي حظي بشرف تقديم للباحث الكبير في علم السياسة والتاريخ الدكتور عبد اللطيف أكنوش.
وإحداث هذه المؤسسة الدستورية تطلّب في البداية تكليف لجنة ضمّت شخصيات فكرية وثقافية وحقوقية وجامعية، اجتهدت في وضع أرضية جرى الاعتماد عليها في بلورة مشروع القانون التنظيمي لهذه المؤسسة. كما عرف هذا المشروع بعد وضعه في البرلمان بمجلسيه نقاشًا ساخنًا بين مختلف الفرقاء السياسيين لأهمية المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والأدوار الموكلة إليه من قبل المشرّع الدستوري.
ولهذا، فالتفكير في تفعيل المجلس كمؤسسة للحكامة اللغوية والثقافية على أرض الواقع أضحى ضرورة تفرض نفسها، ولا سيما أنّ الرهانات الموضوعة عليه كبيرة الأهمية والحساسية.
من المؤكد أنّ رمزية أوّل احتفال رسمي بـ”السنة الأمازيغية” لها دلالاتها القوية. فمن شأن هذا الاحتفال أن يساهم في تعزيز وترسيخ وعي مُواطناتي جديد يشعر فيه المغاربة بالتوازن في الانتماء لبلد متعدّد المكوّنات والهوية الثقافية الموحدة، وعي يعتبر بالتالي معطى التعدّد والتنوع عاملًا إيجابيًا في تقوية التماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي، وتأكيد استثناء المغرب كدولة ذات حضارة عريقة ضاربة في جذور التاريخ الأمازيغي الطويل.
إنّ هذا الحدث مناسبة لإبراز الدور النضالي للحركة الأمازيغية عبر عقود، من حيث مطالبتها بمراجعة منظور الدولة المغربية لمسألة الهوية الثقافية، وكذلك مناسبة لتثمين الجهود المبذولة من قبل الدولة في مسار النهوض بالحقوق الثقافية واللغوية، تماشيًا مع رؤية الملك محمد السادس في تدبيره لهذا المجال التي ظهرت بوادرها في خطاب تاريخي بأجدير سنة 2001، وتمأسّست في دستور 2011 بوصفه دستورًا للحقوق والحريات والحكامة، وتوطدت أكثر في قراره الإعلان الرسمي عن “السنة الأمازيغية” يوم عطلة وطنية.
مصطفى عنترة
صحافي ودكتور في العلوم السياسية والقانون الدستوري، وكاتب وباحث في المسألة الأمازيغية.