الأمازيغية وبناء المستقبل عن كلام ومغالطات الكنبوري


بعث لي بعض الأصدقاء برابط فيديو للسيد ادريس الكنبوري على وسائل التواصل الاجتماعي، يطالبون بتوضيح المغالطات التي تضمنها، وتفنيد إدعائه المغرض الذي يختزله العنوان الذي اختاره لها: ” التطرف الأمازيغي والخراب القادم”.

ورغم أني شخصيا لا أعرفه قبل هذا الفيديو ولم أطالع له كتبا أو كتابات وأراء في الموضوع من قبل، استمعت إلى كلام السيد الكنبوري فوجدته خاليا من أية أفكار أو مضامين نقدية، علمية أو ثقافية أو حتى سجالية، يمكن مناقشتها، بقدر ما هو جملة من الأحكام القيمية الجاهزة وتلفيقات لا تستند إلى المعرفة والإلمام أو على الأقل إلى حسن التتبع، وسجلنا الملاحظات الأتية:

– مضامين كلام السيد الكنبوري، يؤكد أنه حديث العهد بالنقاش الثقافي والعمومي في بلادنا، وغير مطلع على الانتاج العلمي والثقافي وحتى السجالي الذي راكمه الفاعلون الأمازيغ وبقية المكونات الثقافية في مجالات اللغة والثقافة والهوية والدين، وخاصة في النقط والمواضيع التي أثارها في كلامه، ويبدو أنه متأخر كثيرا عن تطورات وتحققات الخطاب الأمازيغي والنقاش الحقوقي والثقافي وقرارات وتدابير الدولة في هذا المجال، أو مناهض لها وممتعض منها فغلبته نزعته الأصولية والقومية، أو من دفعه إلى ذلك خاصة في الوقت الراهن الذي يعرف نقاشا مهما في مجال تعديل وتطوير القوانين، وخاض في التلفيق والتذميم بدل النقاش الفكري والحقوقي الرصين.

– ترددت العديد من المرات، وعن سبق اصرار وتكرار، في كلامه عبارات البربر، النزعة الشوفينية، العرقية، العصبية، التوحش…ومن خلال تحليل الخطاب على المستويين الشكلي واللسني، ولا داعي للحديث عن المضامين والأفكار لأن كلامه لا يرتقي إلى مستوى النقد ولا السجال الثقافي، يتضح أن السيد الكنبوري يصر على ترديد أحكام قيمة ونعوت يسعى من خلالها إلى التخويف والتذميم ظانا أن ذلك سيحقق له التحجيم والإدانة التي ستغنيه عن النقاش العلمي والثقافي الهادىء والموضوعي والمقنع الذي تأكد أنه لا يملك الأدوات ولا المعارف والمعطيات ولا الأدب الضروري لذلك.

– بنى المتحدث كلامه على التخويف وأحكام واهية وتلفيقية في الربط بين المواضيع وصك التذميم، ولم يتمكن من بناء مداخلة أو رأي منسجم ومحترم للموضوعية وللقاري أو المستمع، وإن كان قد اختار قصدا دغدغة الجهل والمشاعر الأصولية والقومية للفئات التي يتجه إليها في كلامه، ظانا أن أسلوب التلفيق والتعويم، وهو من أساليب الشعبوية، سيحقق له مبتغاه الدعائي واستمالة الناس، فهو مخطىء لأن جل من سيشاهد أو يستمع إلى كلامه سيدرك سريعا أن الشخص متأخر كثيرا عن تطورات النقاش الأمازيغي والثقافي والديني والحقوقي في بلادنا، ولا يمتلك المعرفة والحجج والالمام الضروري لذلك، بل وأن السيد الكنبوري صنف نفسه وكلامه من البداية، ومن العنوان الذي اختاره بنفسه والعبارات التي يرددها، في خانة التهجم ومحاولة التضليل المجاني.

– أكد من خلال كلامه جهله بمجال الأعراف والموروث التشريعي الأمازيغي، وجهله بكل المؤلفات والدراسات والكتابات التخصصية العلمية والثقافية والحقوقية التي أنجزها الباحثون والدارسون المتخصصون ونشرتها مؤسسات متخصصة، وجهله بمضامين الخطاب الأمازيغي في الموضوع والذي يستند في جله إلى نتائج هذه الأعمال الفكرية والعلمية، مما يؤكد أن دائرة معرفته واطلاعه في هذا الموضوع الذي تطفل عليه، لا تتجاوز ما يروج من أحكام وتهم وازدراء في دائرة نقاشات الطائفة الأصولية والقومية الضيقة، وبعض وسائل التواصل الاجتماعي أو جلسات جماعته.

– حاول أن يفتعل التضاد والصراع كما تمليه مقاصده غير العلمية ولا الثقافية، وغير النبيلة، بين الأمازيغية وخطابها الثقافي والحقوقي والعلمي الذي يجهله، وبين الدين الاسلامي، وبين النخبة والفاعلين الأمازيغ والمواطنين الأمازيغ بصفة عامة، وبين الأمازيغ والدولة، ضانا أن هذا الكلام سينفر الأمازيغ وكل المواطنين المغاربة من الفاعلين والإطارات والباحثين والمفكرين الذين يعملون من أجل إنصاف الأمازيغية وتوظيف كافة مقوماتها اللغوية والثقافية والهوياتية، وتراثها العرفي الايجابي الديمقراطي، في مسار التطور والتحديث الذي تسعى إليه العديد من القوى المجتمعية في بلادنا. وهو في ذلك واهم وخائب.

وأخيرا، ليعلم السيد الكنبوري ومن معه أنهم بمثل هذه الخرجات والكلام الشاد يضعون نفسهم خارج الحاضر ودينامية المجتمع، وعلى عكس ما يزعم في مستهل كلامه، فالأمازيغية قضية في صلب التاريخ، وفي صلب المنطق والحس السليم الديني والوطني، بل وفي صلب مسار التطور والمواطنة وبناء المستقبل الذي يطمح إليها المغاربة وقواهم الحية ذات الحس الاستشرافي الوطني السليم، دولة ومجتمعا.


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments