المرحوم أحمد الدغرني: أخنوش هو جزء من رأسمالية مخزنية قوية بالمغرب
عزيز أخنوش هو جزء من رأسمالية مخزنية قوية بالمغرب، ونسميها مخزنية لأنها تريد أن تجمع بين ثلاثة ميادين، هي المال أولا، والحكم ثانيا، والحزبية ثالثا. ولأجل تسيير مشروعها السياسي المالي، كانت قبل أكتوبر 2016 تظهر للناس العاديين وكأنها رأسمالية زاهدة من الجانب الحزبي لكونها تستغني عن الأحزاب بانتمائها وولائها لدوائر القصر الملكي، وتكتفي بتمويل الأحزاب والتيارات الأكثر قربا وخضوعا لدوائر القصر (عثمان بنجلون، مريم بنصالح، أحيزون، التراب، عليّ الكتاني، عبد الرحيم الحجوجي…)، مثلا عزيز أخنوش، ليس شخصية منفردة ولكنه جزء طبقة.
فكما راج في مرحلة تأسيس عالي الهمة لما كان يسمى “الحركة لكل الديموقراطيين”، كان يمول تلك الجمعية التي كانت مقدمة لتأسيس “البام”، وصرف عليها عشرات الملايين، إن لم يكن أكبر ممول علني لتلك المنظمة، لكنه عندما نضجت لتصبح حزبا سياسيا ابتعد عنها ليرأسها أستاذ للفلسفة بالثانوي، حسن بنعدي، الذي ينتمي من الواجهة السياسية لصقور المحجوب بن الصديق في الاتحاد المغربي للشغل، ليستبدل بعد تكوين الحزب بالشيخ بيد الله، وانصرف أخنوش إلى تأسيس مهرجان سنوي بأكادير يسمى “تيميتار” ليسحب به البساط من تحت أقدام الحركة الأمازيغية بسوس، وصفا له الجو السياسي.
لم يكن أخنوش بحاجة إلى “البام” بعد مد شركاته عبر جميع طرق الأطوروت Autoroute، وأصبح رأسماليا ممولا يتردد بين الانتماء الحزبي والحياد حسب تسخيرات دوائر القصر، وحسب مصالح شركاته التي تعد بالمآت، وترشح في كل الانتخابات التي خاضها أو مولها سريا، تحت ستار أجنحة حمامة حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو الحزب الذي يمارس حرباء caméléon السياسية، يقبل التلون أن يكون حزبا كما يقبل الحياد؛ أي إنه حزب الأحرار عن أي التزام حزبي، وحتى إذا كان وزيرا محايدا يمكن أن يقفز بين ليلة ونهار إلى قيادة هؤلاء الأحرار (عزل مزوار وتنصيب أخنوش وعزل المنصوري قبله لتنصيب مزوار).
الرأسمالية المخزنية في حالة أخنوش فوجئت بالدخول في مرحلة الأبناك الإسلامية في المغرب في نهاية 2016، وهي خطوة نحو الدولة الاسلامية التي ستراقب الأموال، كما فوجئت بسيطرة الإسلاميين على أهم مقاعد سوس والدار البيضاء في الانتخابات الجماعية والبرلمانية، وسوس هو قناة صرف الأموال الموجهة نحو أفريقيا والصحراء، وتحولت من سوس عالمة كما كان يسميها المختار السوسي، إلى سوس الرأسمالية المخزنية، وأصبحت منطقة مرور أموال التهريب والمخدرات الصلبة؛ ولذلك يظن أخنوش أنه سيحتفظ بالسيطرة على تلك القناة بتسيير حزب RNI في ظل فراغ أيديولوجية الحزب أمام العقائد الأصولية الصلبة، وهو بلا شك مدعوم من جناح قوي في عمق الحكم يقوي أذرعه الحزبية والمالية.
وقد حان الوقت لنحاول التعرف على هذه الرأسمالية المخزنية، ومعها البيروقراطية المخزنية المكونة من الموظفين من العسكر والشرطة وآلاف الموظفين بالإدارات، ونعرف خططها، وما هو مصيرها، وإلى أين تسير بالمغرب، وذلك لكونها بيروقراطية يصنف جزء منها من أصحاب الملايير وتسطو على الحكم.
تتكون هذه الرأسمالية المخزنية من شبكات عائلية مرتبة ترتيب الحروف الهجائية بحسب مليارات الدراهم التي تملكها، من 8 مليارات دولار فما بعدها، ندرس منها مثلا عزيز أخنوش مع مقارنته مع طبقته الاجتماعية التي ينتمي إليها، هو وحليفه ساجد والعلمي وغيرهم، وشبكة من النساء المليارديرات، وهو بعدما كان مسيرا لشركاته ويظهر زاهدا في أموال خزينة الدولة تخلى، حسب الدعاية السياسية، عن أجرة وزير الفلاحة والصيد البحري، لا ندري هل ذلك حقيقة أم دعاية سياسية؟
وهو على كل حال مستثمر في أراضي الأطوروت التي يسيرها أحد أعضاء عائلة الفاسي الفهري التي يوجد على قمتها الطيب الفاسي الفهري بالقصر الملكي، ونزل إلى التجول في المغرب ليجمع الأنصار بنفسه لهذا الحزب في كل مكان، وهي مهمة لم يكن في حاجة إليها من قبل، واضطر الآن إلى الدخول في مستنقع الحزبية طولا وعرضا.
لكن لماذا؟ هل يكرر سيرة والده؟ أو خاله؟ هل لينافس بنكيران وحزب الاستقلال؟ هل ليعيد تكرار تجربة عبد الرحيم الحجوجي الذي كان يرى أن يجمع بين الملايير والسياسة فأسس حزب القوات المواطنة وثبت به أن أصحاب الملايير من الدراهم لا حزب لهم، ولا دولة لهم؛ لأن المال في المغرب توجد المليارات منه في السوق المظلمة؟
لقد أصبح أخنوش ظاهرة جديدة في صفوف الرأسمالية المخزنية، فلم ينزل عثمان بنجلون ليؤسس حزبا سياسيا وهو تلميذ محمد كريم العمراني عندما كان مديرا للمكتب الشريف للفوسفات وطلبت منه دوائر قصر الحسن الثاني في وقته أن يصبح وزيرا أول، ويؤسس حزبا، وكان أكبر رأسمالي في تلك الفترة بالمغرب، فقبل منصب الوزارة الأولى 1971 ورفض الحزب قائلا لهم “ما عندي ماندير بحويزب نعام سيدي”.
لكن المبرر التجاري الذي يعتبر سوس مركزه بالنسبة للذين يستغلون أزمة الصحراء في تراكم ثروة الرأسمالية المخزنية، وكذلك مثلهم من الريف الكبير، الذين يستغلون ثروة الكيف جعلهم يطمحون إلى ثنائية حزبية تستولي على الحكم بسيطرتها على مناطق الثروة الشمالية والجنوبية، بينما تريد شريحة من البيروقراطية المتوسطة استغلال ثروة الدين لبناء دولة الإسلام.
حدثت أمور يصعب فهمها، مثل الرفض القاطع لعزيز أخنوش أن ينضم إلى حكومة يأتلف فيها مع حزب الاستقلال، وحزب التقدم والاشتراكية، الذي لا يذكره في تصريحاته ولا مفاوضاته؛ لأنه مجرد حزب مكمل بسيط للعبة تأليف الحكومة، يمحى تلقائيا إذا تم إقصاء حزب الاستقلال، أو لحسابات سياسية قديمة مع حزب الاستقلال والحزب الشيوعي المغربي الذي منع في عهد حكومة عبد الله ابراهيم سنة 1958 وبقي رماده الآن، وهو يتخذ مواقف متناقضة بكونه كان وزيرا مرتاحا في حكومة عباس الفاسي التي سقطت سنة2011 ويرفض الآن حزب الاستقلال وكأنه يريد أن يعيد سيطرة عائلة الفاسي الفهري على الحزب.
عندما كان والده (أحمد والحاج السوسي الملقب بأخنوش) بعد الحرب العالمية الثانية يملك وحده كمغربي محطات توزيع البترول بالمغرب (الفرنسي الإسباني)، وعانى من تهديدات مسلحي حزب الاستقلال والحزب الشيوعي المغربي (المقاومة المزعومة) في تلك الفترة التي تأسس فيها الحزبان (1943-1944)، وكانت بيد الشيوعيين منظمة عمالية فرنسية انتمى إليها الشيوعيون المغاربة منذ سنة1943(CGT) كانت تنظم الإضرابات في محطات البترول والغاز وتمارس العمل النقابي بالطريقة الفرنسية، خاصة بالدار البيضاء التي جعلتها فرنسا عاصمة اقتصادية.
وبعدما تمردت فصائل من حزب الاستقلال على سياسة الحزب ما بين سنتي 1956-1958، انتمى احمد اوالحاج إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المنفصل عن حزب الاستقلال، تبعا لمصالحه ضد الشيوعيين والاستقلاليين وفقهاء سوس، وانتمى إلى رأى صهره، أخو زوجته، الوزير في حكومة عبد الله إبراهيم المنحدر من مدينة سلا (عبد الرحمان بن عبد العالي)، الذي لم يعد يذكر الوسط السياسي شيئا عنه الآن، وكان وراء كل القوة السياسية والمالية، وتعيين بن عبد العالي كوزير شخصية سياسية هي محمد الغزاوي أول مدير للأمن الوطني في مغرب سنة 1956.
وهو أول ملياردير في صفوف الرأسمالية المخزنية التي كسبت الثروة مع الفرنسيين، ترأس الأمن منطلقا من قيادته بحزب الاستقلال ومن مشاركته في الغرف التجارية المشتركة مع الفرنسيين، وشاع لدى شباب سنوات 1960 أنه المغربي الوحيد الذي ركب في قصره “روبينيات” ROBINETS من الذهب، وهو مؤسس منظمةCAB1 (المكتب الأول بإدارة الأمن) التي اشتهرت بعد سنة 1956 بالتعذيب والقتل والاختطافات للمعارضين، وفرق جيش التحرير (المزعوم) الذي كان يرأسه مجموعة من عناصر سوس وقدماء عساكر فرنسا وإسبانيا المحتاج إلى استهلاك البترول والغاز في تنقلاته، وانتمى أحمد الحاج إلى الأجنحة المستفيدة من جيش التحرير الذي كان يرأسه في تلك الفترة الكولونيل بنحمو المسفيوي، ونمى ثروة قوية بعد زلزال أكادير سنة 1961، وكام من بين من اغتنموا فرصة الزلزال….
كانت الرأسمالية المخزنية بعد وفاة الحسن الثاني تنوي أن تحمي نفسها بانتهاج الليبرالية التي تحميها الديمقراطية بمفهومها لدى الدول الكبرى في العالم لعدم يقينها من مستقبل المغرب بعد الحسن الثاني؛ ولذلك التجأ الحجوجي مثلا (رئيس سابق للكونفدرالية العامة للمقاولين المغاربة CGEM) إلى تأسيس حزب سياسي على غرار الأحزاب اليمينية الليبيرالية الفرنسية، لكنه تيقن بعد ظهور “البام” سنة 2008 أن شروط الرأسمالية المخزنية لا تسمح بالليبرالية الفرنسية أو الاسبانية، فذوب حزبه في كسكس “البام” PAM.
لا شك أن حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية الآن يعتبران حزبين من شريحة جزء من الطبقة المتوسطة، وربما بقية الأحزاب الأخرى التي لا يوجد في صفوفها أي ملياردير من الرأسمالية المخزنية؛ لأن أغلبية الأطر التي تعمل تحت قيادة شباط وبنكران … هي من المهن الحرة والموظفين والتقنيين والعمال، وتمثل البورجوازية المخزنية المتوسطة، إن لم نقل هي أحزاب البيروقراطية المخزنية التي يسيرها أثرياء البيروقراطية المتسترين بتلك الأحزاب، الذين راكموا الثروة انطلاقا من وظائفهم في مرافق الدولة المخزنية بعد سنة 1956.
يعيش المغرب في شبه حالة استثناء غير معلنة رسميا، ولكن تعطيل الحكومة والبرلمان هو نوع من حالة الاستثناء يمكن تفسيره بوجود جناح قوي داخل الرأسمالية المخزنية يدعو إلى التمسك بحكومة الإسلاميين تحت غطاء شرعية انتخابات 7 أكتوبر 2016، ويعتبر عدم تمكين الإسلاميين من الولاية الثانية إخلالا بالأمن… وجناح ثان قوي أيضا يتمسك بضرورة إيقاف المد الأصولي في الحكم لكي لا يستمر لمدة عشر سنوات تعتبر في نظر هذا الجناح إخلالا بأمن الدولة، وتطورا تدريجيا نحو حكم إسلامي صريح في المغرب خلال السنوات القادمة.
وجعل هذان الجناحان مسألة الحسم في تشكيل الحكومة خضوعا لأحد الجناحين، مما يجعل المغرب في شبه حالة الجزائر بعد فوز الجبهة الاسلامية للإنقاذ بالجزائر سنة 1992 بالانتخابات البرلمانية، وتدخل الجيش الجزائري بالقوة لمنع سيطرة الإسلاميين على الحكم وحل حزب جبهة الانقاذ FIS.
أو حالة مصر بعد فوز الإخوان المسلمين بالانتخابات الرئاسية في مصر بقيام الجيش في يوليوز 2013 بالإطاحة بحكمهم وحل حزبهم، أو بفرض حالة الأقلية على الإسلاميين كما وقع لحزب النهضة في تونس، وهو الذي فهم اللعبة وقبل وضعية الأقلية التفاوضية بدل الأغلبية الانتخابية التي ستؤدي حتما إلى طردهم بالقوة وحل حزبهم.
هكذا، أصبحت تجارب تونس، والجزائر، ومصر، وتركيا، مفتوحة بالمغرب، والذي يظهر حاليا على السطح هو أن “البيجيدي” يسلك طريق تركيا في التمسك بالحكم، وهي طريق غير سالك.